عام ضائع لاقتصاد المملكة المتحدة .. هل يمتد بقية العقد؟
سارع ريشي سوناك إلى إعلان النصر في نوفمبر عندما حقق هدفه المتمثل في خفض التضخم إلى النصف. لكن لم يكن لدى رئيس الوزراء مجال كبير للابتهاج بأحد التعهدات الأخرى التي أعلنها في بداية العام: تعهده بتنمية الاقتصاد.
قصة عام 2023 كانت بدلا من ذلك قصة شبه ركود - عام ضائع تم تأكيده الأسبوع الماضي، حيث أعلن مكتب الإحصاءات الوطنية انخفاض 0.3 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي بين سبتمبر وأكتوبر.
ولم يترك ذلك الإنتاج أعلى مما كان عليه في يناير. ومن المتوقع أن يظل النشاط فاترا في العام المقبل مع ارتفاع تكاليف الاقتراض وإرث أسوأ ارتفاع تضخمي خلال جيل يلقي بثقله على الاقتصاد.
قال جاغجيت تشادا، مدير المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية: "بصراحة، لا تزال الآفاق الاقتصادية للبلد قاتمة للغاية - لم نحرز أي تقدم بعد. نظرا إلى انخفاض إنتاجية المملكة المتحدة، أظن أن النمو سيكون ضئيلا جدا لبقية العقد".
إن تراجع معدل التضخم الإجمالي إلى 4.6 في المائة يخفف الآن بعض الضغوط على الموارد المالية للأسر لكن الاقتصاد لم يظهر كثيرا من النشاط بعد. وكان الإنتاج في كثير من الصناعات، بما في ذلك تكنولوجيا المعلومات، والخدمات المالية، والنقل وتجارة التجزئة والعقارات أقل في أكتوبر منه في بداية العام.
نجحت قطاعات البناء، والتصنيع والضيافة في إنتاج كميات أكبر في أكتوبر مقارنة ببداية العام، لكن أداءها ظل يتجه نحو الانخفاض في الأشهر الأخيرة. كانت الصحة والتعليم القطاعين اللذين عوضا عن الانخفاض في بقية الاقتصاد منذ يناير.
وأكثر من ذلك، انخفض حجم إجمالي صادرات المملكة المتحدة بنسبة 6.8 في المائة في الأشهر الثلاثة حتى سبتمبر مقارنة بالربع الأخير من 2022، مدفوعا بانكماش حاد في صادرات البضائع.
وقالت فيكتوريا سكولار، من منصة إنتر أكتيف إنفستور الاستثمارية: "يكافح اقتصاد المملكة المتحدة ضد مزيج من الرياح المعاكسة الناجمة عن أزمة تكلفة المعيشة، وارتفاع أسعار الفائدة، وتقلب أسعار الطاقة، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتداعيات الناجمة عن كوفيد، ومشكلة الإنتاجية المنخفضة وشح في الاستثمار على المدى الطويل".
ظلت الأسر تواجه معدلات نمو في أسعار المواد الغذائية مكونة من رقمين بنسبة 10.1 في المائة بدءا من أكتوبر. وبعد تعديلها مع التضخم، فإن الأجور أعلى بنسبة 1.3 في المائة فقط من مستويات يناير ولا تزال أقل من مستوياتها في معظم 2022. وفي أكتوبر، كان المستهلكون يشترون أقل من العام الماضي حتى لو كانوا ينفقون مزيدا من المال، خاصة على الغذاء.
وفي الوقت نفسه، يعاني المستأجرون أسرع نمو في الإيجارات منذ بدء السجلات عام 2016، بينما متوسط سعر الرهن العقاري عند أعلى مستوياته منذ 2009. ويواجه مزيد من الأسر تكاليف اقتراض أعلى مع انتهاء عقودهم محددة المدة. وقد بدأت متأخرات الرهن العقاري في الارتفاع بالفعل وبلغت حالات إفلاس الشركات أعلى مستوياتها منذ 2009.
وقد أثرت الضغوط المالية في معنويات الأسر وإنفاقها. حيث انخفض الرضا عن الحياة، والسعادة والشعور بأن الحياة تستحق العناء هذا العام، وهي أقل بكثير من مستوياتها قبل الجائحة، وفقا لمكتب الإحصاءات الوطنية.
المملكة المتحدة ليست البلد الوحيد على الإطلاق ذا الأداء الضعيف. فلم يكن الاقتصاد الألماني أكبر في الأشهر الثلاثة حتى سبتمبر مما كان عليه في الربع الأخير من 2022، والنتائج مشابهة بالنسبة إلى إيطاليا، وفرنسا ومنطقة اليورو. مع ذلك، فإن أداء المملكة المتحدة ضعيف مقارنة بالولايات المتحدة، حيث نما الإنتاج بنسبة 2.4 في المائة خلال الفترة نفسها.
من المرجح أن يمتد العام الضائع للنمو حتى 2024، وفقا لبنك إنجلترا الذي توقع في نوفمبر عدم حدوث أي توسع على الإطلاق في العام المقبل. وقد قام الاقتصاديون الذين استطلعت آراءهم مؤسسة كونسينساس إيكونوميكس بتعديل توقعاتهم للنمو في المملكة المتحدة للعام المقبل إلى 0.3 في المائة، بانخفاض عن توقعات مايو البالغة 0.8 في المائة.
ومع ذلك، فإن تباطؤ التضخم يشير إلى أسباب تجعلنا نتوقع أن تخف أزمة تكلفة المعيشة. قال توماس فييلاديك، كبير الاقتصاديين الأوروبيين في شركة الاستثمار تي رو برايس، إن بعض المشكلات التي أبقت الاقتصاد البريطاني في حالة ركود "تتبدد الآن بشكل واضح".
والأمر المهم هو أن توقعات التضخم لدى الأسر انخفضت. وأوضح: "هذا يعني... أن اعتبارات تكلفة المعيشة أصبحت الآن أقل تأثيرا في ثقة المستهلك والاستهلاك الخاص".
لقد تباطأ نمو الأسعار في المملكة المتحدة إلى 4.6 في المائة في أكتوبر من ذروته في أكتوبر 2022 البالغة 11.1 في المائة. ومن المتوقع أن ينخفض أكثر إلى 4.4 في المائة في نوفمبر عندما يتم نشر البيانات الأربعاء.
وهذا يعني أن بنك إنجلترا لا يحتاج إلى إحداث ركود عميق لإعادة التضخم إلى هدفه البالغ 2 في المائة. وقال بول ديلز، الخبير الاقتصادي في شركة كابيتال إيكونوميكس: "قبل عام، بدا ذلك وكأنه احتمال واضح".
يعني تراجع التضخم أن الأجور بدأت في الارتفاع بوتيرة أسرع من نمو الأسعار منذ يونيو، ما يعزز القدرة الشرائية. ويعني ذلك أيضا أنه مع توقع تخفيضات أسعار الفائدة العام المقبل، بدأت بعض أسعار الفائدة على الرهن العقاري في الانخفاض من ذروتها في الصيف. بعد أن كانت تحوم عند مستويات منخفضة تاريخيا خلال معظم 2023، بدأت ثقة المستهلك أخيرا في التحسن - وكذلك الحال مع معنويات الشركات.
انتعش استثمار الشركات في 2023 وارتفع بنسبة 3.7 في المائة في الأشهر الثلاثة حتى سبتمبر مقارنة بالربع الأخير من 2022، بفضل الإعفاء الضريبي السخي الذي أصبح دائما في بيان الخريف. لكن ذلك جاء بعد فترة طويلة من الركود، ما يعني أن استثمار الشركات لا يزال أعلى بنحو 4.9 في المائة فقط مما كان عليه في الربع الثاني من 2016، عندما صوتت المملكة المتحدة لمصلحة مغادرة الاتحاد الأوروبي.
وبينما كان 2023 فاترا في أحسن الأحوال، كان بعض المتنبئين قد توقعوا أن يكون أسوأ بكثير. إن توقعات بنك إنجلترا عام 2022 بأن البلد يواجه ركودا "مطولا" لم تتحقق - ما يشير إلى علامات مرحب بها على المرونة.
قال ديلز: "إنها لمعجزة أن الاقتصاد لم ينكمش نظرا إلى الضربة المزدوجة التي واجهها هذا العام من أزمة تكلفة المعيشة المرتبطة بارتفاع التضخم وأسرع وأكبر ارتفاع في أسعار الفائدة منذ أواخر الثمانينيات".
وعلى هذه الخلفية، قال إنه يمكن وصف الاقتصاد الراكد بأنه "تعادل نتائج وليس خسارة".