يجب على الفيدرالي مقاومة تهاويل السوق
"اتضح أن التضخم كان عابرا في النهاية، لكنه استغرق وقتا أطول فحسب". نسمع مثل هذا الرأي كثيرا بعد الانخفاض الحاد في تضخم مؤشر أسعار المستهلكين الأمريكي من أعلى مستوى له عند 9.1 في المائة في يونيو 2022 إلى آخر قراءة له في نوفمبر عند 3.1 في المائة. إلا أنه تفسير مضلل، وهو تفسير يفرض ضغوطا أكثر على الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، لحمله على متابعة تخفيضات كبيرة ومبكرة قبل أوانها في أسعار الفائدة.
إن انزعاجي من عودة سردية أن التضخم عابر ليس بسبب تعقيد "الميل الأخير" في معركة التضخم. صحيح، الانكماش الصريح في قطاع السلع قد يعكس مساره قبل أن يتسارع انحسار معدل التضخم في الخدمات بما يكفي لضمان الاقتراب السلس لمستهدف 2 في المائة الذي حدده الفيدرالي للتضخم. صحيح، يثبت التضخم الأساسي -الذي يستثني الغذاء والطاقة- أنه مستعص أكثر من الانخفاض في التضخم الكلي الذي تقوده الطاقة. وصحيح، هناك تساؤلات حقيقية عن التأثير المتأخر لزيادات أسعار الفائدة السابقة، وعن مستهدف التضخم المناسب لاقتصاد بجانب عرض غير مرن بما يكفي على المدى المتوسط.
هذه كلها مسائل وجيهة لا تستوعبها الأسواق استيعابا كافيا. لكن، حتى إذا كان الطريق إلى مستهدف الفيدرالي، 2 في المائة، سلسا من هنا، ولن يكون، فصيغة "استغرق وقتا أطول فحسب" معيبة. فهي في أساسها تتجاهل سلسلة تغييرات لاحقة نجمت عن استمرار التضخم المرتفع لأكثر من عامين.
ببساطة، يجب النظر إلى توصيف أنه عابر من خلال تحليل سلوكي بدلا من عدسة زمنية ضيقة. ستدعو الظاهرة العابرة، باعتبار أنها مؤقتة وسريعة التراجع، واضعي السياسات والجهات الفاعلة الاقتصادية إلى "النظر فيها" - أي عدم تغيير سلوكهم بأي طريقة هادفة. هذا ليس ما حدث استجابة لصدمة التضخم الأخيرة.
لا شك في أن التضخم المرتفع قد تغير كثيرا بالفعل. اضطر الفيدرالي، على الرغم من كونه متساهلا بطبيعته، إلى رفع أسعار الفائدة نحو خمس نقاط مئوية في دورة رفع أسعار الفائدة الأشد ضغطا منذ عقود. فشلت بعض البنوك بسبب سوء إدارة تأثير ارتفاع أسعار الفائدة في ميزانياتها العمومية. وتعاني القطاعات ذات الاستدانة العالية، مثل العقارات التجارية. انهارت أحجام المعاملات في سوق الإسكان مع تردد عديد من المالكين في البيع، لأن ذلك يعني أخذ قرض عقاري بفائدة أعلى لمساكنهم الجديدة. والقائمة تطول.
جانب التخطيط للمستقبل بناء على "استغرق وقتا أطول فحسب" يمثل إشكالية أيضا. في الأسابيع القليلة الماضية، شجع هذا على تخفيف كبير للظروف المالية مدفوعا بمتطلبات السوق. وكان هذا قبل أن يتسارع الانخفاض في العوائد الأسبوع الماضي أكثر بسبب التصريحات المتساهلة والمستغربة التي أدلى بها جاي باول رئيس الفيدرالي في مؤتمر صحافي، التي تضمنت عدولا مفاجئا عن تعليقاته قبل 12 يوما فقط.
يكمن الخطر في أن الفيدرالي، المرتبك إزاء الفجوة بين توجيهاته المستقبلية للسياسة وتسعير السوق، يتعرض لضغوط تحمله على اتخاذ إجراءات سياسية ترضي الأسواق لكنها تثبت تضاربها مع مهام البنك المركزي على المدى الطويل. لن يكون ذلك جديدا. حدث ذلك في يناير 2019 مع انعطاف في السياسة عندما كشف باول النقاب عن لهجة جديدة فتحت إمكانية أن تكون الخطوة التالية انخفاضا في أسعار الفائدة، بعد ستة أسابيع من إشعار البنك المركزي الأسواق بمزيد من الارتفاعات. هناك أيضا قرار أبريل 2020 بشراء صناديق تداول السندات ذات العائد المرتفع، أو غير المرغوب فيها. وفي نوفمبر 2021 إلى مارس 2022، حدث التقليص التدريجي لمشتريات الأصول الضخمة.
الخطر المحدد اليوم هو أن يوافق الفيدرالي، رغبة منه في تجنب تقلبات السوق المقلقة، على تسهيل السوق بفرض تخفيضات كبيرة في أسعار الفائدة ثم يضطر بعدها إلى عكس مساره لاحقا.
كلما رضخ الفيدرالي لتوقعات المستثمرين بتخفيضات كبيرة ومبكرة في أسعار الفائدة في 2024 - بما فيها اقتراب الأسواق من احتساب التخفيضات الستة المتوقعة في العام المقبل - طالبت الأسواق أكثر باتخاذ موقف سياسي أكثر تساهلا. إذا احتسب المستثمرون تخفيضات إضافية في أسعار الفائدة، فمن الصعب على الفيدرالي متابعة مهمته دون رد فعل كبير في السوق.
سيكون من الصعب إصلاح تضارب الفيدرالي مع السوق بسرعة فيما سيتسع تباين سياسته مع بنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي. وكلما استمر هذا الوضع، زادت المخاطر على الرفاهية الاقتصادية والاستقرار المالي.
وبدلا من الميل إلى اختيار الطريق المختصر السهل بتبني سردية "استغرق وقتا أطول فحسب"، فمن المستحسن أن تركز الأسواق وصانعو السياسات على مدى تغير العالم في الأعوام القليلة الماضية. رحلة التضخم ذهابا وإيابا ليست بسيطة ولا مكتملة. وسيظل التحول الناتج في تكوين الاقتصاد العالمي والأسواق المالية محسوسا لعدة أعوام.
* رئيس كلية كوينز في كامبريدج، ومستشار لأليانز وجراميرسي.