هل تسمع صوت تمزيق؟ هدية باول للمستثمرين
الشيء الوحيد الذي كان يمكن أن يفعله جيروم باول لترك انطباع أقوى لهدية احتفالية قدمها للأسواق العالمية هذا الأسبوع هو عقد مؤتمره الصحافي مرتديا بدلة حمراء مع زركشة بيضاء ناعمة وقبعة مطابقة.
كان الظهور العلني لرئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الأربعاء الماضي فرصة كبيرة لاستخدام محافظ البنك المركزي حيلا تقنع العقول المستمعة، نميزها جميعا ونحب أن نلمح للمستثمرين إلى أنهم قرأوا الموقف على النحو الخاطئ.
لقد فعل ذلك بالطبع من قبل. في أكتوبر، عندما كانت تكاليف الاقتراض في العالم الحقيقي ترتفع فيما تحوم عائدات سندات الخزانة القياسية لأجل عشرة أعوام بالقرب من ذروة بعد الأزمة البالغة 5 في المائة، قال إن الأسواق تؤدي بعض مهام الفيدرالي من أجله. كما سيخبرك أي متمهن مهووس بالفيدرالي، فإن هذا محافظ بنك مركزي يتحدث عن "العوائد مرتفعة للغاية، اكبحها".
منذ ذلك الحين، وبسبب العلامات المستمرة على ضعف التضخم وحديث مسؤولين آخرين في الفيدرالي عن التسهيل الكمي، تراجعت هذه العوائد بشدة. حتى إن المستثمرين كانوا يتوقعون تخفيضات قوية جدا في أسعار الفائدة في 2024 - وهو التحول المعاكس لدورة التشديد التاريخية التي استمرت الآن نحو عامين.
لذلك بعد ترك أسعار الفائدة دون تغيير هذه المرة، كان من المتوقع أن يعطي باول غمزة خفية وإيماءة للأسواق مفادها "أنت تبالغين، توقفي عن ذلك". لم يعطها على الإطلاق. بدلا من ذلك، أخذ أولا وقتا قليلا للتباهي، مشيرا إلى أن متوقعي الركود قد أساءوا فهم الوضع كله. فلم يدمر رفع الفيدرالي لأسعار الفائدة بنسبة 5.25 نقطة مئوية الاقتصاد في النهاية. ثم أكد أن إدراج كلمة "أي" في مناقشة بيان الفيدرالي في عبارة "عند تحديد نطاق أي تثبيت إضافي للسياسة" كان اعترافا مقصودا بأن انتهاء رفع أسعار الفائدة مرجح. من المفيد ملاحظة التفاصيل هنا.
ثم، ربما أكثر ما يلفت النظر، أشار إلى أن بعض واضعي أسعار الفائدة في الفيدرالي قد قلصوا توقعاتهم لأسعار الفائدة للأعوام المقبلة بين بيانات الثلاثاء التي تظهر أن أسعار المستهلكين قد ارتفعت في نوفمبر وبيانات الأربعاء التي تظهر أن أسعار المنتجين ظلت ثابتة. إن شطب التوقعات بسرعة وكتابة أخرى جديدة في يوم قرار أسعار الفائدة والتقرير يظهر اعتمادا مكثفا على البيانات إلى حد ما. وقال إن إمكانية التخفيضات تلوح في الأفق، وكانت "أيضا موضوع نقاش لنا في اجتماعنا اليوم".
سهل باول السوق "تسهيلا كبيرا". استجابة لذلك، ارتفعت أسعار السندات الحكومية الأمريكية، في حين اقتربت الأسهم من مستوى قياسي. صوت التمزيق الذي يمكنك سماعه ليس أطفالا متحمسين يفتحون هدايا "الكريسماس"، بل صوت آلاف من توقعات الأسواق للعام المقبل تتجه نحو سلة المهملات. نحن بالفعل على مقربة من توقعات إجماع السوق بشأن المستوى الذي ستنتهي فيه العوائد الأمريكية العام المقبل.
قال دان إيفاسين، كبير مسؤولي الاستثمار في "بيمكو"، أكبر شركة استثمار نشط في السندات في العالم، إن أخذ كثير من هذا منحنى خاطئا وارد، لكن لعله قد حان لنا أن نثني على محافظي البنوك المركزية. "كان بعض الناس في الأسواق قاسين قليلا على البنوك المركزية"، كما قال لـ"فاينانشيال تايمز" قبل إعلان الفيدرالي.
"صحيح، لقد تأخروا في الاستجابة للتضخم لكن، واو (...)البنوك المركزية بما فيها الفيدرالي الأمريكي، ربما في بيئة من أشد البيئات الصعوبة على الإطلاق (...)قد تمكنت من الوصول بنا إلى هذه النقطة وبهذا المستوى من انحسار التضخم والاقتصاد صامد". "قد تخلد على أنها أحد أكثر البنوك المركزية فاعلية عندما تدون كتب التاريخ في النهاية".
مع هذا، لم يكن الفيدرالي الخيار الوحيد في المدينة هذا الأسبوع. باستثناء الأسواق الناشئة، خفض البنك المركزي السويسري أيضا توقعاته للتضخم، وأثبتت النرويج أنها قاتلة متعة برفعها ربع نقطة أخرى، واختار بنك إنجلترا الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير لكن مع تصويت ثلاثة من محددي أسعار الفائدة التسعة لمصلحة الارتفاع. من ناحية أخرى، قالت كريستين لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي، إنها وزملاءها "لم يناقشوا خفض أسعار الفائدة البتة".
وفي هذه المرحلة، فإن مديري صناديق التحوط الكلية وغيرهم من المستثمرين الذين يسعون إلى تسخير الاتجاهات الاقتصادية العالمية الواسعة يفركون أيديهم فرحا. عموما، اتسم العامان الماضيان أو نحوهما بدفع البنوك المركزية الكبرى جميعها من الاتجاه نفسه. وباستثناء بنك اليابان، يسعى كل منها إلى خفض التضخم بفرض زيادات كبيرة في أسعار الفائدة.
الآن من الواضح جدا أنها في مراحل مختلفة من حيث خفض الفائدة، ويعتمد كل منها على كيفية تحسن إصدارات البيانات الاقتصادية. كما أن الدورات الانتخابية في الدول غير متزامنة. ومع تركيز المستثمرين على السياسة المالية على غير العادة، فإن هذا يعني أن أسواق السندات والعملات الرئيسة المختلفة من المرجح أن تتأرجح فيما يتعلق ببعضها بعضا.
قال جون بتلر، رئيس الاقتصاد الكلي في ويلينجتون مانجمنت في لندن: "بصفتي استراتيجيا للاقتصاد الكلي، هذا ما أحلم به. هذه هي أفضل بيئة كلية شهدتها منذ 30 عاما".
قد يكون الأمر أن الفيدرالي مضطر إلى تناول فطيرة متواضعة ورفع أسعار الفائدة مرة أخرى العام التالي. وبالمثل، لا أحد يعرف حقا ما إذا كان ركود قبيح سيحط. لكن الهوس بالتفاصيل الدقيقة لكلام كبار صانعي السياسات سيكون ضروريا طوال العام المقبل.