رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


لماذا تحارب تجربة السلفادور؟

الجرأة الكبيرة للرئيس السلفادوري نجيب بوكيلي في اعتماد العملة المشفرة بيتكوين عملة قانونية في البلاد قوبلت بردود أفعال سلبية ومشككة ومحبطة، لكن الرئيس بوكيلي يبدو منتعشا ومتفائلا هذه الأيام نتيجة التعافي الكبير في سعر بيتكوين، حيث قارب السعر مستوى 44 ألف دولار بعد هبوط إلى مستويات 16 ألف دولار العام الماضي.
المشككون في صحة قرارات بوكيلي هم بطبيعة الحال أعداء العملة المشفرة التقليديون، أولئك الذي يرون أنها مجرد وسيلة لبيع الوهم للمغفلين من الناس ممن يحلمون بالثراء السريع، إلى جانب البنوك المركزية التي يعنيها أمر المحافظة على عملاتها الوطنية وصد أي تهديدات من أي وسائل بديلة.
وخصوصا هناك تخوف شديد من تجربة السلفادور في أنها قد تثبت أن بالإمكان التخلص من الدولار الأمريكي عملة رسمية للبلاد، كما هي الحال في السلفادور ودول أخرى معدودة ممن قرر التخلص من عملته الوطنية واستبدالها بالدولار الأمريكي، وآخرها الأرجنتين التي قرر رئيسها المنتخب اعتماد الدولار بديلا للعملة الوطنية. هذا يعني أن نجاح تجربة السلفادور في اعتماد بيتكوين عملة قانونية ومن ثم عملة رسمية طاردة للعملة الرسمية الحالية -الدولار الأمريكي- قد يشجع دولا أخرى على اعتماد بيتكوين والتخلص من الدولار في وقت لاحق، أو التخلص من العملات الوطنية بشكل كامل.
في 2021 أصبحت السلفادور أول دولة تعترف بعملة بيتكوين وتسمح باستخدامها على نطاق واسع، وقد تم تسخير حملات إعلانية لتشجيع الناس على ذلك وتطوير تطبيق خاص بالعملة مع حوافز مالية لمن يبدأ باستخدام بيتكوين. كما قامت الدولة بشراء كميات كبيرة من بيتكوين، بما في ذلك أثناء الأوقات التي كان فيها سعر بيتكوين يتهاوى بسرعة عالية العام الماضي، ويقدر عدد العملات التي تم شراؤها بنحو 2381 بيتكوين، تعد الآن في حالة ربح بعد خسائر ورقية كبيرة.
ولكن منذ البداية كانت كثير من المنظمات الدولية والوسائل الإعلامية الكبرى تحذر وتخوف من التوجه نحو بيتكوين، بل إن البنك الدولي حذر من أن ذلك سيضرب الاقتصاد السلفادوري وقد يعوق إجراءات الحصول على استثمارات دولية، إلى جانب أن صندوق النقد الدولي حذر في أول 2022 من أن ذلك يضعف من فرص حصول السلفادور على قرض بمبلغ 1.3 مليار دولار كانت تسعى إلى الحصول عليه. لذا ليس من المستغرب أن تقر الحكومة السلفادورية هذا الأسبوع طرح سندات بالدولار الأمريكي مدعومة بما تملكه من عملة بيتكوين، وبذلك ستصبح السلفادور، في حال نجح البرنامج في الربع الأول من 2024، أول دولة في العالم تطرح سندات مدعومة بعملة مشفرة.
الهدف من السندات الجديدة إثبات جدية الدولة في تبني بيتكوين، وفي الحصول على التمويل اللازم لبناء مدينة تقنية معنية بالعملة المشفرة تتميز في كونها تعمل على أسس صديقة للبيئة، وبذلك تحاول السلفادور إسكات الأصوات التي تحارب بيتكوين بدعوى الآثار الضارة للعملة في البيئة. التوقعات أن يكلف إنشاء "مدينة بيتكوين" نحو مليار دولار وستعمل بالطاقة الحرارية الناتجة عن البراكين النشطة المنتشرة في البلاد وذلك لإجراء عمليات التعدين التي تتطلب طاقة كهربائية كبيرة.
السندات المزمع طرحها مدتها عشرة أعوام وستمنح عائدا سنويا بمقدار 6.5 في المائة، ويعد مناسبا جدا إذا علمنا أن عائد السندات العشرية الأمريكية حاليا 4.2 في المائة، لكن تبقى هناك تساؤلات عن مدى الإقبال على هذه السندات المضمونة فقط بعملة بيتكوين متذبذبة السعر، ما يعني أن المخاطرة على المستثمرين ستكون مرتبطة بتقلبات سعر بيتكوين، وليست مضمونة بأي أصول أخرى.
تجربة السلفادور في دعم بيتكوين مثيرة للاهتمام بغض النظر عن مدى جدواها واحتمال نجاحها أو فشلها، وستستمر أصوات المشككين والمنادين بالتوقف عن المضي في هذه التجربة، ولا سيما أن هناك مصالح كبيرة رسمية وغير رسمية تجد في ذلك تهديدات كبيرة لأنظمة تقليدية قائمة على أساليب نقدية معروفة ومتجذرة، وفي المقابل هناك جموع المؤيدين للعملات المشفرة، بيتكوين وغيرها، ممن يرون في تجربة السلفادور فائدة في منح الفرصة الكافية للعملات المشفرة لإثبات جدواها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي