زيادة راتبك .. هم يكمد البنوك المركزية
يرى الناس العاديون ارتفاع الأجور مصدرا للبهجة. لكن محافظي البنوك المركزية البخلاء، يرون حزم الأجور الوفيرة مدعاة للقلق. تتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنه في 2023 ستنمو الأجور لكل موظف في بريطانيا بأكثر من 7 في المائة، مقارنة بـ5.5 في المائة في منطقة اليورو (باستثناء لاتفيا وليتوانيا وكرواتيا)، و3.7 في المائة في أمريكا. إلى أي حد مقلق هذا حقا؟
يمكن أن ترتفع الأجور لأسباب كثيرة. والسبب الواضح هو أنها تشكل جزءا من الاتجاه التصاعدي العام في الأسعار، الذي يبلغ عادة نحو 2 في المائة سنويا. أفضل الأسباب هو أن العمال يتلقون الزيادة مكافأة على إنتاجيتهم العالية. وقد يدعم ذلك النمو ربما بما يراوح بين نقطة و1.5 نقطة مئوية أخرى.
قد يكون من بين مصادر قوة الأجور الحقيقية الأخرى انخفاض أسعار الواردات. (بديهيا وجود أجانب يرغبون في بيعنا أغراضا أرخص أمر لطيف ويمكن أن يجعلنا أفضل حالا) أو قد يساوم الموظفون من أجل أخذ حصة أكبر من كعكة الاقتصاد، ما يقلص هوامش ربح الشركات. غير أن الاعتماد على أحدهما لتحقيق زيادة في الأجور إلى الأبد أمر يحفه الخطر، لأن الأجانب متقلبون وستنفد الأرباح في نهاية المطاف.
كما ستجذب مجموعة أخيرة من محفزات الأجور الافتراء الاقتصادي، بأنها "غير مستدامة". لا يحبذ محافظو البنوك المركزية قوى أرباب العمل المحركة بمزايدتهم الأجور لمجرد تأمين العمال النادرين. كما أنهم لا يحبذون العمال الذين يطالبون بأجور أعلى لتغطية التكلفة المتزايدة للواردات، التي لا يريد رؤساؤهم استيعابها أيضا. (إذا رفع الأجانب أسعارهم، فمن البديهي أن أحدا ما سيعاني). وقبل كل هذا، يخشون من "آثار جولة ثانية" غير مباشرة، يغذي ارتفاع الأجور فيها ارتفاع الأسعار، ما يدفع التضخم إلى فوق 2 في المائة. وفي أقصى الحالات يمكن أن تسبب دوامة أجور وأسعار.
من الصعب تحليل ما يعنيه ذلك كله للتضخم اليوم. في أمريكا ومنطقة اليورو وبريطانيا، انخفض الأجر الحقيقي لكل موظف على مدى العامين الماضيين. لكن من غير الواضح على وجه التحديد كم من ذلك الانخفاض سببه التأثير الحتمي الناجم عن الصدمات الحقيقية مثل ارتفاع أسعار الواردات أو تدني الإنتاجية، وكم منه ما هو مؤقت فقط فيما تلحق الأجور بالأسعار على حساب الأرباح.
وعلى المدى المتوسط، يبدو محافظو البنوك المركزية على ثقة من أن نمو الأجور الاسمية سيكون أقل إذا كانوا يخططون لبلوغ مستهدفاتهم للتضخم. وعلى نحو مطمئن، يبدو أن نمو الأجور الاسمية قد بلغ ذروته، وربما لا يحتاج إلى أن ينخفض أكثر في أمريكا. مع ذلك، يلاقي محددو أسعار الفائدة صعوبات من أجل تخفيف التشديد.
الخوف الأساسي يكمن في أنه مع أن أسواق العمل الضيقة لم تكن مصدر التضخم الأول، إلا أنها قد تعوق مهمة إعادة الأجور والأسعار إلى مسار مستدام. هذا العام قدر الاقتصاديان بن برنانكي وأوليفييه بلانشارد أن تأثير "اللحاق بالركب" في أمريكا للعمال الذين يحاولون الحفاظ على دخلهم الحقيقي في مواجهة صدمة في الأسعار، كان ضعيفا للغاية. لكن بعد أن تلاشت صدمة التضخم الأولية، كان لارتفاع نسبة الوظائف الشاغرة للعاطلين عن العمل تأثير طويل الأمد في قدرة العمال على رفع أجورهم.
أعطى اقتصاديون في "جولدمان ساكس" تحذيرا ذا علاقة، إذ حذروا من التفاعل المسجل في التاريخ بين التضخم المرتفع وأسواق العمل الضيقة في دفع نمو الأجور إلى الارتفاع. وهذا يشير إلى أنه مع انخفاض التضخم أولا، يجب أن ينخفض نمو الأجور أيضا دون تدهور كبير في حالة سوق العمل. لكن بمجرد أن يصل التضخم إلى مستويات عالية قليلا، فسيتطلب خفض الأجور شيئا صارما أكثر أيضا.
الخبر السار في منطقة اليورو هو أن أسعار الواردات انخفضت أخيرا. كما رصد البنك المركزي الأوروبي علامات على أن الشركات تستوعب الأجور العالية في هوامش ربحها. ومن المتوقع أن يدعم كل منهما بعض النمو الحقيقي للأجور بعد انخفاضه في الآونة الأخيرة. لكن الإنتاجية كانت مخيبة للآمال. في خطاب ألقته في الثاني من نوفمبر، حذرت إيزابيل شنابل من البنك المركزي الأوروبي من "اكتناز العمالة"، حيث قد تتمسك الشركات بالعمال، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع تكاليف العمالة والتضخم.
ربما يعيش صانعو السياسة في بنك إنجلترا التوتر الأشد. كررت دراسة حديثة أجراها جوناثان هاسكل وآخرون تحليل السيدين برنانكي وبلانشارد، ووجدت أن نمو الأجور في بريطانيا يبدو أكثر ثباتا من أمريكا. كان نمو الأجور السنوي الأخير، 8 في المائة تقريبا، أقوى مما توقعه معظم الناس - ومما توقعته النماذج القياسية للبنك.
الخبر السار هو أن هناك طريقا إلى شيء مستدام أكثر. تتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنه في حين سينخفض نمو الأجور الاسمية في كل من بريطانيا ومنطقة اليورو وأمريكا، إلا أن التضخم سينخفض بوتيرة أسرع. وهذا يعني بعض الانتعاش في الأجر الحقيقي لكل موظف على مدى العامين المقبلين، بما يتماشى مع الأحداث الأخرى التي بدأت مع ارتفاع نمو الأجور والتضخم. لكن لا تزال ثمة فرصة لحدوث نهاية سعيدة.