رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


اقتصاد أوروبا .. أيحتمل الصدمات؟

تواجه التجارة العالمية تحديات متنوعة غير مسبوقة، فالعلاقة بين التجارة الحرة والنمو الشامل ليست تلقائية أو مضمونة واتفاقيات التجارة الحرة ومعاهدات الاستثمار الثنائية، تسمح للشركات الأجنبية بمقاضاة الحكومات على أي شيء يحجمها عن تحقيق الأرباح - بما فيها لوائح المناخ، وتدابير الاستقرار المالي، وسياسة الصحة العامة، وأي عدد من المجالات الأخرى التي تكون من اختصاص الدولة عادة، ولعلنا نلاحظ من قبل تصريحات وزير التجارة والصناعة الهندي خلال لقاءات مجموعة دول العشرين تلاقيها مع الرؤى حول إصلاحات منظمة التجارة العالمية، في ظل تزايد التكتلات التجارية، ومع ذلك فإن البيان الختامي لمجموعة العشرين لم يزد على التأكيد على تعزيز نمو اقتصادي متين مستدام ومشكلات متوازنة، وهذا يعطي انطباعا واضحا بشأن سير عملية إصلاح التجارة العالمية، فلا توجد حلول واضحة في الأفق، كما أن زعماء مجموعة السبع G7 في آخر لقاء لهم وبمشاركة قادة الأرجنتين والهند وإندونيسيا والسنغال وجنوب إفريقيا، تم طرح مشاريع من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار، وصفها البعض بأنها خطوة استراتيجية للدول السبع في مقابل مبادرة الحزام والطريق الصينية. فيما تعمل الصين من خلال منظمة شنغهاي للتعاون SCO أو مجموعة الخمس، التي تعمل مع الصين، كل من الاتحاد الروسي وكازاخستان وقيرغيزستان، طاجيكستان وأوزبكستان، إضافة إلى مجموعة الدول المنظمة لمبادرة الحزام والطريق الصينية التي تمر عبر ستة ممرات اقتصادية رئيسة تشمل الصين ومنغوليا وروسيا، ودول وسط آسيا وغرب آسيا، وباكستان، ودول أخرى في شبه القارة الهندية وتعمل على مشروع تتجاوز استثماراته المقدرة 26 تريليون دولار، وتصورنا هنا بأن عدم وجود فرص حقيقة لإصلاح التجارة العالمية مع النزعة للتكتلات فإن كثيرا من الاتفاقيات الدولية قد يكون محل مراجعة، وسيزداد المشهد أكثر سخونة. 
واليوم في برلين وصفت جيتا جوبيناث، المسؤولة الثانية في صندوق النقد الدولي، أن الاقتصاد العالمي مفتت ومشتت. وأن مزيدا من تدابير الحماية قد تؤدي إلى مزيد من التفكك، بل حتى تقسيم الدول إلى كتل متنافسة، تماما كما تكشف الصدمات الجديدة عن هشاشة الاقتصاد العالمي، ورغم اختلاف تقديرات تكلفة التفتت، فإن فرض مزيد من القيود على التجارة الدولية من الممكن أن يؤدي إلى خفض الناتج الاقتصادي العالمي بما يصل إلى 7 في المائة على المدى الطويل، أو نحو 7.4 تريليون دولار بقيمة دولارات اليوم. وهذا يعادل الحجم المشترك للاقتصادين الفرنسي والألماني، وثلاثة أضعاف الناتج السنوي في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، كما أن التعاون الدولي يعد متعثرا حتى الآن. وأن الحواجز التجارية الجديدة تضاعفت ثلاث مرات تقريبا منذ 2019، كما أن الأشكال الأخرى من التفتت -مثل الانفصال التكنولوجي، وتعطل تدفقات رأس المال، والقيود المفروضة على الهجرة- من شأنها أن تؤدي أيضا إلى ارتفاع التكاليف. وإضافة إلى ذلك، استقرت التدفقات العالمية للسلع ورؤوس الأموال منذ الأزمة المالية العالمية. وتظهر أبحاث صندوق النقد الدولي أن التحالفات الجيوسياسية تؤثر بشكل متزايد في الاستثمار الأجنبي المباشر وتدفقات المحافظ الاستثمارية. 
لكن المسؤولة الثانية في صندوق النقد الدولي أبرزت أن التجارة داخل الكتل المتحالف سياسيا تنمو الآن بشكل أسرع من التجارة فيما بينها، ولكنها في السياق نفسه حذرت الاتحاد الأوروبي بشكل خاص، لأنه لا يزال الأكثر انفتاحا من المناطق الاقتصادية الكبرى الأخرى، ولا تزال دول الاتحاد الأوروبي تعتمد على سياسات متخصصة في الابتكار والتصنيع تسمح لها بالاستفادة بشكل أكبر من هذا الانفتاح ومع ذلك فإن مسؤولة الصندوق تحث دول الاتحاد الأوروبي على مزيد من التكامل الأعمق داخل الاتحاد بما يمكن من تعزيز ناتجه المحلي الإجمالي بنسبة 7 في المائة، ووفقا لخطابها "هناك مجال واسع لتعزيز التكامل داخل الاتحاد الأوروبي. ومن شأنه تحسين تنسيق الضرائب والإعانات في الدول أن يزيد الاستثمار في البنية التحتية عبر الحدود ويثبط تخصيص الشركات عملياتها في المناطق حيث توجد مساعدات الدولة.
ونرى أن حديث المسؤولة في صندوق النقد الدولي الذي نشرته "الاقتصادية" جاء قبل أيام كرسالة إلى أوروبا التي تراها تختلف عن الولايات المتحدة والصين من حيث الأخطار التي تواجهها، ولذلك، ينبغي لها أن ترسم مسارها الخاص فيما يتعلق بالتعامل مع الأخطار التي تهدد سلسلة التوريد أو أخطار الأمن القومي - وينبغي لها أن تفعل ما تريده دون معوقات.
وحذرت المسؤولة في مضمون حديثها "بلهجة شديدة" بأنه ينبغي التأكيد أن تستمر أوروبا في الدفاع عن النظام التجاري العالمي القائم على القواعد، والأهم من ذلك، ينبغي لها حماية السوق الموحدة وتعميقها. وكيف يمكن قراءة هذا النص، بين دعوة واضحة لزيادة التكتل والتأكيد على الدفاع عن النظام التجاري العالمي القائم على القواعد، وهو ما يعني أن قواعد التجارة العالمية ما زالت تعمل بين الواقع الذي يقول خلاف ذلك. وعليه فإن كثيرا من التوازن بين التكتلات الاقتصادية والأنظمة التجارية تحتاج إلى مراجعة، وبنائها على قواعد جديدة صلبة تتحمل كل الصدمات المقبلة

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي