العجز الأمريكي يختبر صبر المستثمرين

العجز الأمريكي يختبر صبر المستثمرين

وصل الأداء المالي في الولايات المتحدة إلى أعماق جديدة من الخلل الوظيفي. في الأشهر الأخيرة، عانى البلد أزمة سقف الديون مجهدة، وخفضت وكالة فيتش تصنيفها الائتماني السيادي للولايات المتحدة، ولا يزال خطر إغلاق الحكومة قائما.
ما يثير القلق بالقدر نفسه أن الحكومة الفيدرالية تسبح في بحر من المديونية، حيث من المحتمل أن يصل العجز في الميزانية إلى نحو 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الأعوام المقبلة.
ونتيجة لذلك، فمن المتوقع أن يرتفع الدين الحكومي إلى 115 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على مدى العقد المقبل، متجاوزا الذروة التي بلغها بعد الحرب العالمية الثانية.
يشكل هذا العجز الكبير والمديونية المتزايدة مخاطر على الاقتصاد.
وفقا لتقديرات معقولة، ستحتاج وزارة الخزانة إلى إصدار ديون بقيمة 20 تريليون دولار في العقد المقبل. ولا تغيب ضخامة هذا الإصدار عن المشاركين في السوق. في الأشهر الأخيرة، كان السؤال الأكثر شيوعا خلال اجتماعاتي مع المستثمرين حول العالم هو "من سيشتري هذا الإصدار الضخم من سندات الخزانة؟".
وكثيرا ما يتبع هذا السؤال سؤالان آخران: ما هو حجم الدين الذي يعد ببساطة "أكثر من اللازم"؟ وما الشكل الذي قد تبدو عليه أزمة متكاملة الأركان في سوق سندات الخزانة الأمريكية؟ تمثل أزمة السندات الحكومية في المملكة المتحدة العام الماضي نموذجا مهما في هذا الصدد. فهل يمكن أن يحدث أمر مشابه ـ وربما أكثر استدامة ـ في الولايات المتحدة؟
بالتزامن مع ذلك، ارتفعت عوائد سندات الخزانة ارتفاعا حادا عما كانت عليه قبل عام. مدفوعة بموقف سياسة الاحتياطي الفيدرالي "الارتفاع فترة أطول" والمخاوف المتزايدة بشأن الاستدامة المالية، وصلت عوائد السندات لأجل 10 أعوام إلى ذروة بلغت نحو 5 في المائة في أكتوبر. وفي الآونة الأخيرة، تراجعت المعدلات إلى نطاق متوسط قدره 4 في المائة، بعد أن أصبح خطاب الاحتياطي الفيدرالي أكثر توازنا واعتدلت قراءات التضخم.
تشير أبحاثنا حول وضع الدين العام الأمريكي من منظور تاريخي ودولي إلى عدة استنتاجات. أولا، مسألة من سيشتري الديون الصادرة حديثا هي مسألة تخمينية بطبيعتها. لكن، من وجهة نظرنا، فإن رغبة السكان المسنين في الاحتفاظ بأصول آمنة طويلة الأجل كمخزن للقيمة من أجل التقاعد من المرجح أن تكون المصدر الرئيس للطلب. ومن المرجح أن تكون هذه المشتريات، سواء مباشرة من المستثمرين الأفراد أو عبر وسطائهم، أكثر حساسية للسعر مما كانت عليه قبل الجائحة.
ثانيا، لا توجد طريقة للتنبؤ بعتبات الخطر أو حجم الديون التي تعد ببساطة "أكثر من اللازم". ومن الممكن أن يرتفع دين الولايات المتحدة إلى 150 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي أو حتى أعلى من ذلك مع تأثيرات سلبية محدودة. لكن من غير الحكمة أن يجرب صناع السياسات أين قد تكون العتبات أو يختبروا ذلك. يتلخص المسار الحكيم للسياسة المالية، على أقل تقدير، في عدم دفع نسب الدين إلى مزيد من الارتفاع عن مستوياتها المرتفعة اليوم.
مع ذلك، هناك احتمال ضئيل لاتخاذ إجراءات علاجية ذات معنى. ربما تتطلب الاستراتيجية الناجحة مزيجا من زيادة الضرائب وخفض النفقات.
ومن الجدير بالذكر، أن تعزيز الإنفاق سيتطلب إصلاحات صارمة للاستحقاقات والدفاع، التي تشكل نحو ثلاثة أرباع الإنفاق الفيدرالي الأمريكي. فالجمهوريون غير راغبين عموما في مناقشة الزيادات الضريبية، بينما لا يرغب الديمقراطيون على نحو مشابه في التفكير في إصلاحات الاستحقاقات، لذا فقد ظل الوضع المالي في طريق مسدود. وتشكل الرياح المعاكسة للنمو، التي من المرجح أن تصاحب التقشف المالي، مصدرا آخر للتردد.
ثالثا، تقدم أزمة السندات الحكومية في المملكة المتحدة العام الماضي قصة تحذيرية. إن السمة المميزة للسيناريو السلبي في سوق سندات الخزانة ستكون التدهور الحاد وغير المتوقع في طلب المستثمرين على الأوراق المالية. ستكون النتيجة ارتفاع عوائد سندات الخزانة وارتفاع علاوات المخاطر في أسواق الائتمان والأسهم. ونظرا لمكانة الدولار كعملة احتياطية عالمية، فإن هذه الضغوط ستنتقل إلى الأسواق المالية في الخارج.
مع ذلك، فإن السيناريو الأكثر ترجيحا هو أن يتراجع انزعاج المستثمرين بشأن الديون في النهاية، ويعود الوضع إلى الحالة الأكثر هدوء التي كان عليها قبل كوفيد. إذا كان الأمر كذلك، فإن أي علاوات تتطلبها السوق لاستيعاب الإصدار المقبل ستكون متواضعة.
ينبغي أن تمنح نقاط القوة الأساسية التي يتمتع بها الاقتصاد الأمريكي ـ بما في ذلك وضع الدولار كعملة احتياطية، ومصداقية الاحتياطي الفيدرالي، وقوة الميزانية العمومية الوطنية الإجمالية ـ المستثمرين الثقة لشراء الديون الإضافية. في النهاية، هناك القليل من البدائل لسندات الخزانة، والحقيقة أن مستويات الديون المرتفعة في الولايات المتحدة تشكل حقيقة من حقائق الحياة المؤسفة، لكن التي لا مفر منها.
لكن لا يوجد مجال كبير للتراخي. وصبر المستثمر له حدود. من المرجح أن تعطي الأسواق للولايات المتحدة مهلة مؤقتة ـ لكن ليس عفوا كاملا غير مشروط.

* كبير الاقتصاديين العالميين في سيتي جروب

الأكثر قراءة