أمام كليات إدارة الأعمال طريق طويل نحو التكافؤ بين الجنسين
مرت الجهود الرامية إلى تحقيق المساواة بين الجنسين في برامج ماجستير إدارة الأعمال الأعلى تصنيفا في أوروبا ببعض الإنجازات المهمة هذا العام.
في فبراير، احتل برنامج الكلية العليا للتجارة في باريس - التي لها فروع جامعية في جميع أنحاء القارة - المركز الثامن من بين البرامج الأوروبية في تصنيف ماجستير إدارة الأعمال العالمي لصحيفة فاينانشيال تايمز، وسجل نسبة متساوية بين الذكور والإناث (وبالتالي حصل على أعلى درجة بموجب معايير الجنس).
والآن، أفادت كلية سعيد لإدارة الأعمال التابعة لجامعة أكسفورد، التي احتلت المرتبة التاسعة بين درجات ماجستير إدارة الأعمال الأوروبية في فبراير، بأن آخر دفعة من طلابها في سبتمبر كانت 51 في المائة منها من الإناث، متجاوزة بذلك التكافؤ للمرة الأولى. وسجلت بعض الكليات الأوروبية الأخرى في السابق نسبا متساوية، لكن لم تحصل أي منها على تصنيف عال في ماجستير إدارة الأعمال مثل الكلية العليا للتجارة بباريس وكلية سعيد.
يقول ليام كيلبي، المدير المساعد للتوظيف والقبول في ماجستير إدارة الأعمال في كلية سعيد، التي احتلت المركز الـ14 في تصنيف كليات إدارة الأعمال الأوروبية لعام 2023: "ترغب المرشحات في الالتحاق بكلية يتم فيها أخذ مسألة المساواة بين الجنسين على محمل الجد، كما أن النجاح المستمر يولد مزيدا من النجاح".
ومن بين التدابير التي اتخذتها كلية سعيد لتحسين التوازن بين الجنسين، إجراء دراسة استقصائية للخريجين لتحديد المعوقات التي تحول دون تقدم النساء لدراسة الماجستير. حيث تصدرت القائمة كل من القيود المالية والالتزامات الأسرية. ويتم التعامل مع العائق الأول من خلال 10 منح دراسية لتغطية رسوم ماجستير إدارة الأعمال، بتمويل من مؤسسة ليدلو، التي تساعد الأشخاص الأقل تمثيلا في الحصول على التعليم؛ إضافة إلى ثلاث منح دراسية بقيمة 30 ألف جنيه استرليني من مؤسسة فورتي، وهي هيئة غير ربحية تدعم النساء لتولي المناصب القيادية.
وفي حين إن التكافؤ الدقيق بين الجنسين قد لا يكون حاسما، إلا أنه علامة على التقدم نحو المساواة. فأحد الأسباب وراء أهمية ذلك يعد عمليا: إذ يبحث أصحاب العمل عن مزيد من النساء الحاصلات على ماجستير إدارة الأعمال لشغل المناصب القيادية العليا، حيث يقول كيلبي: "أصحاب العمل هم الذين يريدون مزيدا من الخريجات النساء، لذا فمن الضروري ككلية إدارة أعمال أن تكون أكثر نجاحا في توفير ذلك".
لكن لا يزال أمام كليات إدارة الأعمال طريق طويل، حيث لم يصل إلى التكافؤ سوى عدد قليل من الكليات ذات التصنيف العالي على مستوى العالم. وتقول إليسا سانجستر، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة فورتي، إن عددا أقل من الكليات ذات الفصول الدراسية الكبيرة، مثل كلية سعيد، فعلت ذلك، ما يجعل نجاحها مهما.
لكن بعض الكليات في الولايات المتحدة - مثل كلية جورج واشنطن لإدارة الأعمال، وكلية وارتون، وكلية كاري لإدارة الأعمال بجامعة جونز هوبكنز - اجتذبت أغلبية من الإناث المقبولات لدرجة الماجستير في إدارة الأعمال. وتقول سانجستر: "لدينا الآن عدد قليل من الكليات التي تحافظ على التكافؤ. وذلك يثبت العدد الكبير من المهتمين بدراسة ماجستير الأعمال لدينا وتنوعهم، ما يجعل مهمة الحفاظ على المساواة أسهل إلى حد كبير".
ولكن على نطاق أوسع، لا يزال الضغط من أجل تحقيق التكافؤ يمثل تحديا كبيرا لعديد من الكليات، مع وجود حواجز كبيرة لتحقيق التقدم ـ ليس أقلها انخفاض نسبة النساء اللاتي يدرسن العلوم المالية والعلوم والرياضيات على مستوى الدراسات العليا.
وفاق عدد الطلاب الذكور المتقدمين للالتحاق ببرامج تعليم إدارة الأعمال في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا للعام الدراسي 2022-2023 عدد النساء بمقدار 120.304 إلى 111.005 عبر 123 مؤسسة شملها الاستطلاع الذي أجرته جمعية النهوض بكليات إدارة الأعمال (إيه إيه سي إس بي)، وهي الهيئة المسؤولة عن الاعتماد. واتسعت النسبة المئوية للفجوة منذ 2018-2019، عندما سجلت جمعية النهوض بكليات إدارة الأعمال 79,020 طلبا من الذكور مقابل 77,376 من الإناث عبر 112 كلية في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا.
ومن المريح قليلا أن يكون اختلال التوازن في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا أقل قليلا في المتوسط منه في الأميركتين وآسيا والمحيط الهادئ، وفقا لجمعية النهوض بكليات إدارة الأعمال. حيث لم تغير طفرة الجائحة في طلبات الالتحاق بماجستير إدارة الأعمال في عام 2020 نسبة النساء اللاتي تقدمن إلى كليات إدارة الأعمال حول العالم، مع نمو الطلب من الرجال بقوة الطلب نفسها من النساء.
وتظهر أحدث الأرقام الصادرة عن مجلس قبول إدارة الدراسات العليا (جي ماك)، المسؤول عن اختبار طلبات الالتحاق بماجستير إدارة الأعمال، أن متوسط النسبة المئوية للطلبات المقدمة من النساء لم يكن مختلفا في عام 2023 عما كان عليه في عام 2019، حيث بلغ 39 في المائة من الإجمالي.
ويقول أندرو ووكر، مدير تحليل البحوث والاتصالات في مجلس جي ماك: "في أوروبا، أبلغت مزيدا من البرامج عن انخفاض في الطلبات المقدمة من النساء مقارنة بالزيادات المبلغ عنها في عام 2023"، مضيفا أن تقسيم النسبة المئوية الأوروبية لا يختلف كثيرا عن المناطق الأخرى في جميع أنحاء العالم.
ومن إحدى الطرق التي حاولت بها الكليات بناء فصول أكثر توازنا جعل دراسة الماجستير في إدارة الأعمال أكثر مرونة، حيث أطلقت كلية ترينيتي للأعمال في دبلن برنامجا مرنا لدراسة ماجستير إدارة الأعمال التنفيذية لمدة عامين في عام 2021، لتسمح للطلاب بإكمال المساقات الدراسية بدوام جزئي والدراسة عن بعد لتناسب جداول العمل. وفي عام 2023 بلغت نسبة القبول من الإناث 60 في المائة.
ويقول إيوجان أوسوليفان، مدير القبول في ماجستير إدارة الأعمال في كلية ترينيتي: "نحن ندرك أن مواءمة ماجستير إدارة الأعمال مع توازن مكثف أصلا بين العمل والحياة يمثل تحديا كبيرا للنساء في مناصب الإدارة العليا". وتعني التكنولوجيا الجديدة أن هؤلاء الطلاب "يمكنهم تجربة بيئة الفصل الدراسي براحة من منازلهم أو مكاتبهم أو أثناء سفرهم".
ويعد محتوى المساقات أحد العوامل التي تجعل بعض الكليات تقوم بأداء أفضل مقارنة بغيرها فيما يتعلق بالتوازن بين الجنسين - على سبيل المثال، الكليات التي تقدم ماجستير إدارة الأعمال مع التركيز على صناعة السلع الفاخرة. هذه المؤسسات، مثل الحرم الجامعي في باريس التابع لكلية إيسيك لإدارة الأعمال، تستفيد من قطاع يوظف عددا أكبر نسبيا من النساء في مناصب قيادية عليا.
وتحاول الكلية الآن تعلم الدروس من هذا البرنامج لزيادة مشاركة الإناث في مسار ماجستير إدارة الأعمال في القيادة الرقمية، باستخدام برنامج سفير ماجستير إدارة الأعمال لتقديم نماذج يحتذى بها للطلاب المحتملين.
ويقول ديفيد سلوس، أستاذ الإدارة في كلية إيسيك، إن الكليات الأوروبية تتمتع بميزة قبول الطلاب الدوليين أكثر من نظيراتها في الولايات المتحدة، مع وجود عدد أكبر من المتقدمين من البلدان التي في الأغلب ما تتولى فيها النساء أدوارا قيادية. ويقول: "يركز نظام التعليم الأوروبي على الانفتاح، وبالتالي فإن المساواة بين الجنسين تشكل جزءا طبيعيا من قيمه".
ألما بيروكوس، رئيسة قسم رؤى الأعمال في وكالة فاوندرز للإعلانات ومقرها مكسيكو سيتي، عملت سابقا في وكالة أوجليفي للإعلانات في ميامي وانتقلت إلى باريس لدراسة ماجستير إدارة الأعمال العالمية من كلية إيسيك، حيث انجذبت إلى تركيزها على الرفاهية وفرصة العمل في قارة مختلفة. وتقول: "لقد تنقلت كثيرا خلال مسيرتي المهنية. وفكرت في جامعة نيويورك ستيرن، لكن ذلك كان سيبقيني في قطاع أمريكا الشمالية".
وعلى الرغم من أن الكليات الأمريكية رفيعة المستوى تعد أفضل من نظيراتها الأوروبية بقليل في بناء فصول دراسية أكثر توازنا بين الجنسين، إلا أن كيلبي من كلية سعيد يتطلع إلى أفضل مقدمي برامج ماجستير إدارة الأعمال الأمريكيين للحصول على الإلهام. ويشير إلى أن كلية وارتون حققت التوازن بين الجنسين قبل عامين.
علياء نور بابول، وهي مستثمرة ومؤسسة شركة ناشئة، وحاصلة على درجة الدكتوراه في الفيزياء الفلكية من جامعة كولومبيا في نيويورك، بدأت برنامج ماجستير إدارة الأعمال في كلية سعيد في سبتمبر. وكانت بابول المرأة الوحيدة من بين خمسة طلاب في برنامج الدكتوراه، وواحدة من أقلية صغيرة من النساء في برنامجها الجامعي في جامعة تورنتو.
وتقول: "اخترت جامعة أكسفورد جزئيا لأنها معروفة بتركيزها على التأثير الاجتماعي وتركيزها على النساء في القيادة"، موضحة أن هدفها إنشاء صندوق لرأس المال الاستثماري يستثمر في الشركات التي تقودها النساء.
وكانت الخيارات الأخرى أمام بابول الكليات الأمريكية: مثل جامعة ييل ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وتشير إلى أن مسألة التوازن بين الجنسين تتم مناقشتها في كثير من الأحيان في سوق تعليم إدارة الأعمال في الولايات المتحدة، لكنها غير مقتنعة بأن هذا يؤدي إلى توازن أفضل في ماجستير إدارة الأعمال.
وتقول بابول: "في بعض النواحي، تعد الكليات الأمريكية أكثر صراحة في محاولة جعل الأمور أكثر توازنا بين الجنسين، لكنني لا أعتقد أنهم فكروا مليا في الأسباب التي تؤدي إلى هذه الاختلالات".
وتضيف: "إذا نظرت إلى الطلبات المقدمة من امرأة لا تتمتع بمؤهلات الرجل نفسها تماما، فلن يتساءل عدد كاف من الناس لماذا قد تكون هذه الحال، وأن ذلك قد يكون بسبب اختلال التوازن بين الجنسين في أماكن أخرى من نظام التعليم".