الذكاء الاصطناعي .. «مساعد طيار» للمدققين في شركات المحاسبة
عندما جربت شركة إي واي للمحاسبة، وهي واحدة من شركات المحاسبة الأربع الكبرى، نظام ذكاء اصطناعي مدرب على التعرف على الاحتيال في حسابات بعض عملائها الذين تدقق حساباتهم في المملكة المتحدة في وقت سابق من هذا العام، كانت النتائج مذهلة.
ووفقا لكاث بارو، الشريكة الإدارية للتأمين في المملكة المتحدة وأيرلندا لشركة إي واي، اكتشف النظام الجديد نشاطا مشبوها في اثنتين من أول عشر شركات تم فحص حساباتها. وأكد العملاء فيما بعد أن كلتا الحالتين كانتا عمليتي احتيال.
يوضح هذا النجاح المبكر سبب اعتقاد البعض في الصناعة بأن الذكاء الاصطناعي لديه إمكانات كبيرة لتحسين جودة التدقيق وتقليل أعباء العمل. ويأملون أن قدرة الأنظمة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي على استيعاب وتحليل كميات هائلة من البيانات، توفر أداة جديدة قوية لتنبيه المدققين إلى علامات تدل على ارتكاب مخالفات وغيرها من المشكلات.
لكن المدققين يختلفون بشدة حول مدى اعتمادهم على تكنولوجيا لم يتم اختبارها بعد على نطاق واسع، وفي الأغلب ما يساء فهمها.
وتشك بعض شركات التدقيق في إمكانية تزويد أنظمة الذكاء الاصطناعي بما يكفي من المعلومات عالية الجودة للكشف بشكل موثوق عن الأشكال المتعددة والمختلفة المحتملة للاحتيال. كما أن هناك بعض المخاوف بشأن خصوصية البيانات، في حال كان المدققون يستخدمون معلومات العميل السرية لتطوير الذكاء الاصطناعي.
هذه الشكوك تعني أن هناك اختلافات واضحة في النهج بين شركات التدقيق الكبرى في المملكة المتحدة. وفي حين رفضت شركة إي واي الكشف عن تفاصيل برنامجها أو طبيعة عمليات الاحتيال التي اكتشفتها، قالت بارو: إن النتائج تشير إلى أن التكنولوجيا واعدة في مجال التدقيق. وقالت: "يبدو أن هذا شيء يجب أن نطوره أو نستكشفه".
إلا أن سايمون ستيفنز، رئيس قسم الذكاء الاصطناعي للتدقيق والضمان في شركة ديلويت في المملكة المتحدة، وهي شركة أخرى من شركات التدقيق الأربع الكبرى، أشار إلى أن عمليات الاحتيال كانت نادرة نسبيا وتميل إلى الاختلاف عن بعضها بعضا. وهذا يعني أنه لم تكن هناك بالضرورة أنماط دليلية يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي التقاطها.
وقال ستيفنز: "عمليات الاحتيال... فريدة من نوعها ويتم ارتكاب كل منها بطريقة مختلفة قليلا. فهي بطبيعتها مصممة للتحايل على الإجراءات الوقائية من خلال استخدامات جديدة للتكنولوجيا أو استغلال نقاط الضعف الجديدة. والذكاء الاصطناعي لا يقوم بأداء جيد على هذا الصعيد في الوقت الحالي".
ومن المرجح أن يكون للهيئات التنظيمية القول الفصل في كيفية نشر هذه التكنولوجيا، حيث قال جيسون برادلي، رئيس تكنولوجيا الضمان في مجلس التقارير المالية البريطاني، وهي هيئة مراقبة التدقيق: إن الذكاء الاصطناعي يقدم فرصا "لدعم تحسين جودة التدقيق وكفاءته" إذا تم استخدامه بشكل مناسب.
لكنه حذر من أن الشركات ستحتاج إلى الخبرة لضمان عمل الأنظمة وفقا للمعايير الصحيحة، وقال: "مع نمو استخدام الذكاء الاصطناعي، يجب أن يتمتع المدققون بالمهارات اللازمة لتقييم أنظمة الذكاء الاصطناعي، بما يضمن دقة استخدام المخرجات وقدرتهم على نشر الأدوات بطريقة متوافقة مع المعايير".
وفي حين أنه يجب إخبار برمجيات التدقيق التقليدية بأنماط البيانات التي تشير إلى الاحتيال أو المشكلات الأخرى، فإنه يتم تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي على اكتشاف المشكلات باستخدام التعلم الآلي والبيانات من عديد من حالات سوء السلوك المعروفة سابقا. وبمرور الوقت، يجب أن تصبح أفضل في القيام بذلك لأنها تراكم الخبرة لديها.
ويمكن أن تكون التكنولوجيا مفيدة خصوصا إذا كانت تقلل من أعباء عمل المدقق. وتكافح الشركات في جميع أنحاء العالم لتدريب وتوظيف الموظفين. ويمكن أن تساعد في رفع المعايير بعدما أغفل المدققون في الأعوام الأخيرة، مشكلات مالية خطيرة تسببت في انهيار شركات من بينها شركة كاريليون للتعاقدات الخارجية، ومتاجر بي إتش إس للتجزئة، وسلسلة مقاهي باتيسيري فاليري.
واستخدمت تجربة شركة إي واي، وفقا لبارو، أداة للتعلم الآلي تم تدريبها على "كثير من مخططات الاحتيال"، المستمدة من المعلومات المتاحة للجمهور والحالات السابقة التي انخرطت فيها الشركة. وبينما تبحث البرامج الحالية المستخدمة على نطاق واسع عن المعاملات المشبوهة، قالت إي واي: إن نظامها المدعوم بالذكاء الاصطناعي أكثر تطورا. وتم تدريبه على البحث عن المعاملات المستخدمة عادة للتستر على عمليات الاحتيال، إضافة إلى المعاملات المشبوهة نفسها. وقالت الشركة إنها اكتشفت مخططي الاحتيال لدى عشرة من عملاء التجربة الأولية، لأنه كانت هناك أنماط مشابهة في بيانات التدريب.
وأوضحت بارو عن نظام الذكاء الاصطناعي الذي وصفته بأنه "مساعد طيار" للمدققين، أنه "كل ما يفعله النظام هو القول: هذا شيء يجب عليك استكشافه بشكل أكبر. إنه يركز جهودنا على فهم المزيد".
ومع ذلك، تشك شركات أخرى في أن أنظمة الذكاء الاصطناعي ذكية بما يكفي للكشف عن عمليات الاحتيال المعقدة، حيث رددت شركة كيه بي إم جي في المملكة المتحدة، وهي شركة تدقيق أخرى من الشركات الأربع الكبرى، مخاوف ستيفنز من شركة ديلويت.
وأكدت شركة كيه بي إم جي أن الاحتيال بطبيعته لا يمكن التنبؤ به، وبالتالي فإن استخدام حالات الاحتيال المعروفة لتدريب نماذج التعلم الآلي يمثل تحديا.
واعترف ستيفنز بأن هذه التكنولوجيا لها استخداماتها في التدقيق، لكنه رأى دورا محدودا جدا لها. وقال: "يمكن للذكاء الاصطناعي أتمتة بعض المهام البسيطة والمتكررة، ويسمح للمدققين لدينا بالتركيز على المجالات الأكثر خطورة".
وتعمل شركة ديلويت حاليا على تقييد استخدام الذكاء الاصطناعي إلا في المهام الأقل تعقيدا، حيث توفر تعليمات واضحة حول أنواع الحالات الشاذة التي يجب البحث عنها في حسابات الشركة.
وقال ستيفنز: إن إحدى المشكلات أن شركة ما قد تعد بياناتها المالية التفصيلية معلومات خاصة، مضيفا: "وهذا من شأنه أن يجعل من الصعب استخدام تلك المعلومات الخاصة لتدريب نظام يقوم لاحقا بتدقيق شركة أخرى".
وقال: "يجب على أي شخص يقوم بتطوير الذكاء الاصطناعي أن يكون مدركا لذلك".
وأقرت بارو بوجود تحديات، مؤكدة أنه من الأهمية بمكان أن يفهم المدققون كيفية عمل ترميز نظام الذكاء الاصطناعي، والمعنى الحقيقي للنتائج التي ينتجها، وطبيعة البيانات التي تم استخدامها لتدريبه.
وقالت: "علينا أن نستكمله... بتطبيق نظرة الشك لدى المدقق، حتى يتضح لنا أنه مناسب للغرض".
كما اعترفت بالمشكلة المتعلقة باستخدام معلومات الشركة الخاصة لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي، موضحة أن هناك ما يكفي من المعلومات المتاحة للجمهور لاستكمال دراسة الحالات الخاصة بشركة إي واي وتوفير تدريب ذي معنى لأنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بالشركة.
وقالت بارو: "يتم حاليا تطبيق التكنولوجيا بشكل كبير لمساعدتنا في تقييم المخاطر وتحديدها. سيكون الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد أداة أخرى تحت تصرفنا للقيام بذلك".