هواوي والصين .. صناعة الرقائق بأي ثمن وارتباك في أمريكا

هواوي والصين .. صناعة الرقائق بأي ثمن وارتباك في أمريكا
هواوي والصين .. صناعة الرقائق بأي ثمن وارتباك في أمريكا

في أواخر 2020، كانت شركة هواوي تكافح من أجل البقاء كشركة مصنعة للهواتف المحمولة. فقبل ذلك ببضعة أشهر، فرضت إدارة ترمب عقوبات صارمة على الشركة الصينية، ما أدى إلى عزلها عن سلاسل توريد أشباه الموصلات العالمية.
وقد منعت العقوبات أي جهة دون تصريح من صنع الرقائق التي صممتها شركة هواوي، وكانت الشركة تكافح من أجل شراء شرائح جديدة لإصدار هواتف أكثر تقدما.
وردا على ذلك، قررت شركة هواوي المراهنة بأعمالها في مجال الرقائق والهواتف المحمولة البالغة قيمتها 67 مليار دولار، على صفقة صعبة مع الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات (إس إم أي سي)، وهي مسبك مدعوم من الدولة ومعروف بطموحه للحاق بركب شركات صناعة الرقائق العالمية الرائدة.
كانت شركة إس إم أي سي تعلن أنها وجدت طريقة لإنتاج شرائح أكثر تقدما باستخدام معدات قديمة. وسيستغرق الأمر وقتا أطول من المورد السابق لهواوي، شركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية، وسيكلف أكثر، وقد لا ينجح. لكنها كانت فرصة. اتصلت شركة هواوي بشركة إس إم أي سي لتصنيع هاتف ذكي جديد "بالنظام المرتبط بشريحة"، يحمل الاسم الرمزي شارلوت.
كانت الاحتمالات مكدسة ضد الشركتين. ففي ديسمبر 2020، انضمت شركة إس إم أي سي لشركة هواوي في قائمة العقوبات الأمريكية - ما يعني أن أي شركة ترغب في بيع التكنولوجيا إلى إس إم أي سي سيتطلب ذلك إذنا من واشنطن.
لتصنيع هاتف شارلوت، كان على شركة إس إم أي سي أن تتعامل مع عملية متقدمة لم تكن على دراية بها وقيود جديدة حول الحصول على المعدات المعقدة وإدارتها. أحد المسؤولين التنفيذيين في شركة رقائق قريب من شركة إس إم أي سي شبهها "بقياس فيل في الظلام" (بمعنى التعامل مع شيء لا دراية لها به).
لكن بعد نحو ثلاثة أعوام، في أغسطس 2023، تم الكشف بهدوء عن جهاز جديد لشركة هواوي للجمهور: هاتف سلسلة مايت 60، المدعوم من شارلوت - المعروف الآن بشريحة كيرين 9000 إس.
رغم المعوقات، قدم معالج كيرين 9000 إس أداء يضاهي أداء شرائح كوالكوم التي يبلغ عمرها عاما أو عامين، وفقا لفرق الاختبار المختلفة.
لقد بيع هاتف مايت 60 في الصين بسرعة كبيرة، وحظيت عودة رقائق هواوي بعد أعوام من العقوبات بحماس من قبل القوميين ومحبي التكنولوجيا.
وفي الولايات المتحدة، ساد الارتباك حول كيفية تغلب شركة هواوي على العقوبات الخاصة بإنتاج الرقائق. فقد قال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، إن أمريكا بحاجة للحصول على "مزيد من المعلومات" حول معالج كيرين 9000 إس.
كتب جريجوري ألين، مدير مركز وادواني للذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات المتقدمة، في تقرير متعمق حول هاتف هواوي الجديد: "قد تكون الحقيقة الأكثر إثارة للدهشة بشأن الاختراق الذي حققته شركة هواوي هي أن كثيرا من قادة الحكومة الأمريكية كانوا متفاجئين بشكل واضح".
لم تقدم هواوي أو إس إم أي سي أي تلميح حول كيفية إنجاز هذا العمل الفذ. لكن المقابلات التي أجريت مع العشرات من المطلعين على الصناعة والخبراء تقدم أقرب نظرة حتى الآن على كيفية قيام الشركتين بإنفاق موارد هائلة على المشروع، بدعم من الدولة الصينية، للحفاظ على حصتها في السوق - وفتح الباب الآن أمام التقدم في مجال إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي المتطورة.
وماذا إذا كان بوسعهما الحفاظ على هذا الزخم سيحدد ما إذا كانت الصين قادرة على دعم صناعة أشباه الموصلات وتحقيق التفوق التكنولوجي العالمي وسط التحديات الجيوسياسية المستمرة. هل يعد معالج كيرين 9000 إس دليلا على أن البلد لا يزال قادرا على المنافسة ضد منافسيه، رغم العقوبات؟ أم أن الشركتين ببساطة حققتا شيئا استثنائيا؟
طلبت معظم المصادر التي تحدثت إلى صحيفة فاينانشال تايمز عدم الكشف عن هويتها بسبب حساسية صناعة أشباه الموصلات.

الآلات الأقل كفاءة

إن أحد أكثر المعايير المعترف بها على نطاق واسع في تصنيع الرقائق هي "سبعة نانومتر". رغم أن ذلك يشير ظاهريا إلى حجم عقدة العملية، إلا أنه يمثل اختصارا صناعيا للتكنولوجيا المتطورة لإنتاج الرقائق عالية الأداء التي تشغل الهواتف الذكية ومراكز البيانات.
تم إنتاج كل من معالج إيه 12 الموجود في قلب هاتف آيفون إكس إس من شركة أبل ومعالج دوجو دي 1 الذي يعمل على تشغيل القيادة شبه الذاتية لشركة تسلا باستخدام عملية تي إس إم سي مقاس "سبعة نانومتر".
قدمت سي إم أي سي نسختين من عملية "سبعة نانومتر"، وهما إن+1 وإن+2 المطورة. وفقا لكثير من الأشخاص المطلعين على الوضع، يتم إنتاج شريحة معالج كيرين 9000 إس بنسخة إن+2.
لكن بينما استخدم أمثال تي إس إم سي وسامسونج معدات الطباعة الحجرية فوق البنفسجية القصوى لبناء هذه الرقائق، فإن شركة سي إم أي سي استخدمت آلات الأشعة فوق البنفسجية العميقة الأقل كفاءة، كما يقول خبراء الصناعة والمحللون.
يقول أحد خبراء أشباه الموصلات المطلعين على مسار تطوير تكنولوجيا شركة سي إم أي سي: "في البداية، كان ذلك بسبب حدود الميزانية. فتكنولوجيا الطباعة الحجرية فوق البنفسجية القصوى مكلفة للغاية، وعملية سي إم أي سي المتقدمة تتخلف عن عملية تي إس إم سي بأجيال، ما تركها دون كثير من العملاء والإيرادات".
تعد الطباعة الحجرية، التي يتم عن طريقها نحت الدوائر الكهربائية على شكل رقائق السيليكون، أمرا أساسيا في تصنيع الرقائق. حيث توفر آلات الطباعة الحجرية الأكثر تقدما دقة أعلى، ما يعني خطوطا أرق ومزيدا من التفاصيل، الأمر الذي يسمح للرقائق بأن تكون أصغر حجما.
يمكن لكلا الجهازين تنفيذ عمليات "سبعة نانومتر"، لكن الطباعة الحجرية فوق البنفسجية القصوى أكثر كفاءة ودقة، ما يؤدي إلى تقليل الهدر.
استخدمت شركة إس إم أي سي أجهزة الأشعة فوق البنفسجية العميقة لتكرار خطوات تصنيع الرقائق التي كان الآخرون يقومون بها باستخدام وحدات الطباعة الحجرية فوق البنفسجية القصوى، من أجل تعزيز كثافة الترانزستور. لكن كان لذلك تأثير ضار في معدل العائد، الذي يقيس نسبة الرقائق العاملة مقابل الرقائق المعيبة على كل رقاقة.
وفقا لشركة إيه إس إم إل، الشركة الهولندية المصنعة لآلات الطباعة الحجرية، يستغرق الأمر 34 خطوة طباعة حجرية لتحقيق عملية "سبعة نانومتر" على آلات الأشعة فوق البنفسجية العميقة، مقارنة بتسع خطوات فقط مع الطباعة الحجرية فوق البنفسجية القصوى. وتؤدي خطوات الإنتاج الإضافية إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والعوائد المنخفضة.
ومع كل خطوة إضافية، سيتم التخلص من مزيد من الرقائق، وترتفع تكاليف المعدات، كما يقول برادي وانغ، وهو محلل في أشباه الموصلات في شركة كاونتربوينت. ويتم استهلاك مزيد من المكونات والمواد أيضا. لكن ما بدأ كوسيلة للميزانية أصبح ضرورة بعد حظر معدات الطباعة الحجرية فوق البنفسجية القصوى التي طلبتها شركة إس إم أي سي من شركة إيه إس إم إل عام 2019، وفقا لثلاثة أشخاص مطلعين على الوضع.
تخضع آلة الطباعة الحجرية المتقدمة لاتفاقية فاسينار، وهي اتفاقية متعددة الأطراف لمراقبة الصادرات شكلتها أكثر من 40 دولة لتقييد بيع المنتجات التي قد يكون لها غرض عسكري مزدوج.
تمكنت شركة إس إم أي سي من تجميع المعدات من المصانع الحالية وتلك التي تم تسلمها قبل عقوبات واشنطن للحفاظ على استمرار خط إنتاج "سبعة نانومتر"، كما يقول مصدران قريبان من موردي شركة إس إم أي سي.
لكن هذا لا يزال يتركها دون الدعم الإضافي الذي توفره إيه إس إم إل عادة لعملاء الأجهزة المعقدة للغاية. حيث يقول أحد المسؤولين التنفيذيين في شركة الرقائق المقربة من شركة إس إم أي سي: "الظروف قاسية. ببساطة، لا توجد تحديثات للبرامج ولا يوجد مهندسون في مصنع المعدات لتنفيذ خدمات الصيانة".
ويقول ألين إن المسؤولين الأمريكيين فوجئوا بقدرة شركة إس إم أي سي على الحصول على قطع الغيار والخدمات الفنية اللازمة للحفاظ على عمل منشأة إنتاج "سبعة نانومتر" الخاصة بها حتى بعد فرض ضوابط التصدير.
ويقر المطلعون على الصناعة والمقربون من شركة إس إم أي سي بأنه من الممكن أنه تم الحصول على بعض المعدات في انتهاك لضوابط التصدير. ويجري بالفعل التحقيق مع شركة أبلايد ماتريالز الأمريكية المصنعة لمعدات أشباه الموصلات بشأن الانتهاكات المحتملة لقيود التصدير، وفقا لـ(رويترز).
وقالت شركة أبلايد ماتريالز في بيان لوسائل الإعلام إنها "تتعاون مع الحكومة وتظل ملتزمة بالامتثال والقوانين العالمية، بما في ذلك ضوابط التصدير ولوائح التجارة". لم تستجب شركة إيه إم إيه تي لطلب التعليق.

مهما كان الثمن

عادة ما يتعاون صانعو الرقائق مع شركات تصميم الرقائق لاختبار المعدات وعمليات التصنيع في منشأة جديدة. لذلك، على سبيل المثال، ستتعاون شركة تي إس إم سي مع شركة أبل في الرقائق المنتجة على خط المعالجة "ثلاثة نانومتر" الخاص بها.
بالنسبة إلى خطوط الإنتاج التي تم تحسينها بتكنولوجيا "سبعة نانومتر" من إس إم أي سي، كانت شركة هواوي هي حقل التجارب. لكن الشركة المصنعة للهواتف جلبت الإيرادات والمشروعية لشركة إس إم أي سي، ولعبت دورا حاسما في إعادة تعريف عدة جوانب من خط الإنتاج، وفقا لثلاثة من المطلعين على مصانع إس إم أي سي. حيث يقول أحدهم: "يمكن رؤية مهندسي شركة هواوي في كل مكان في مصنع إس إم أي سي في شنغهاي".
كما تواصلت شركة إس إم أي سي للحصول على المساعدة خارج البلد. حيث يمنع الأمريكيون من العمل لدى شركات تصنيع الرقائق المتقدمة الصينية، بسبب ضوابط التصدير، لكن وفقا لمهندسي رقائق مطلعين على إس إم أي سي، فقد وظفت أيضا خبراء من تايوان، واليابان، وكوريا الجنوبية وألمانيا في محاولة لتحسين الإنتاجية.
يقول أحد المهندسين: "يجلب هؤلاء الخبراء الأجانب المعرفة التكنولوجية في العمليات المتقدمة التي اكتسبوها من المسابك الأخرى".
ويقول المهندس الثاني: "تحتاج عملية تصنيع "سبعة نانومتر" إلى آلاف الخطوات للتحسين. حتى في الساعات الأولى من الصباح، كان علي الرد على الهاتف في المصنع لأن الأمر قد يتعلق بتحسين واحد أو اثنين من التعديلات المهمة".
ووفقا لمصدر مطلع على فريق تصميم الرقائق في شركة هواوي، عندما تلقت شركة إس إم أي سي طلبية معالج كيرين 9000 إس، لم يكن لديها فريق قادر على مساعدة مهندسي تصميم الرقائق على تكييف تصاميمهم مع مواصفات العملية للمسابك المختلفة. وكان على شركة هواوي أن تتكيف من تلقاء نفسها.
لا تزال عوائد إنتاج معالج كيرين 9000 إس محاطة بالغموض، حيث لم تصدر شركة هواوي أو شركة إس إم أي سي أي تصريحات عامة حول هذا الموضوع. يقول أحد الأشخاص المقربين من إنتاج معالج كيرين 9000 إس في الأيام الأولى إن المعالج حقق عوائد تزيد على 30 في المائة خلال مرحلة انتقال الإنتاج من الكميات الصغيرة إلى الكميات الكبيرة، وهي الخطوة التي تسبق الإنتاج الضخم.
ويصف هذا الشخص ذلك بأنه "رقم إيجابي في ظل ظروف صعبة" لكنه يشير إلى أنه "يمثل زيادة في التكلفة بمقدار الضعف على الأقل مقارنة بخط إنتاج يبلغ عائده 90 في المائة، وهو المعيار المثالي لتصنيع رقائق الهاتف المحمول".
ويعتقد خبراء الصناعة أن تمويل الدولة الصينية عوض تكاليف إنتاج الرقائق الكبيرة. فقد تلقت شركة هواوي مبلغ 6.55 مليار رنمينبي (948 مليون دولار) من الحكومة الصينية عام 2022، أي أكثر من ضعف مبلغ العام السابق، وفقا للتقرير السنوي للشركة. وقد تلقت شركة إس إم أي سي دعما حكوميا بقيمة 6.88 مليار رنمينبي على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، مع دعم إضافي من صندوق استثمار صناعة الدوائر المتكاملة الصيني بوصفه مساهما رئيسا.
يقول دوجلاس فولر، خبير في صناعة أشباه الموصلات في الصين: "يبدو أن الدولة الصينية قررت أن دفع الفاتورة الضخمة لهذا الجهد يستحق العناء".

المحطة التالية .. الذكاء الاصطناعي

أحدث معالج كيرين 9000 إس ضجة كبيرة في الصين، ما سمح لشركة هواوي باستعادة حصتها السوقية المفقودة. ويتوقع خبراء الصناعة أنها ستزيد من إنتاج الهواتف الذكية التي تعمل برقائق كيرين، إذ يقدر جيف بو، وهو محلل في شركة هايتونج إنترناشونال سكيورتيز، أنه يمكن تصنيع ما يصل إلى 70 مليون هاتف ذكي يعمل بنظام كيرين بحلول نهاية 2024.
ومع ذلك، قامت شركة إس إم أي سي وشركة هواوي بتوسيع نطاق طموحاتهما، حيث وضعتا خطة لزيادة إنتاج الرقائق لأنظمة الذكاء الاصطناعي ردا على القيود المشددة التي فرضتها واشنطن على مبيعات الرقائق عالية الأداء للصين.
وقد اعترف المسؤولون التنفيذيون في شركات الإنترنت الصينية العملاقة، مثل تينسنت وعلي بابا، بالصعوبات التي تواجهها في الحصول على رقائق عالية الأداء، ما دفعهم للنظر في البدائل المحلية.
لقد تم الترويج لسلسلة شرائح الذكاء الاصطناعي أسيند من شركة هواوي من قبل محللي الصناعة كبدائل محتملة لوحدات معالجة الرسوم البيانية من شركة إنفيديا، رغم أن أداءها الإجمالي يتخلف عن أداء وحدات المجموعة الأمريكية.
وحتى فرض العقوبات في مايو 2020، باعت شركة هواوي شرائح أسيند إيه أي التي تصنعها شركة تي إس إم سي. والآن، تقول مصادر متعددة قريبة من الشركة إنها أعادت إحياء خطوط الإنتاج، مع رقائق مركز البيانات المصممة حديثا التي تصنعها شركة إس إم أي سي.
تقول ثلاثة مصادر قريبة من هواوي إن شركات الإنترنت العملاقة تينسنت، وبايدو وميتوان اشترت رقائق هواوي أسيند 910 بي لإجراء تجارب على نطاق صغير. يقول شخصان مقربان من إس إم أي سي إن مصنع الرقائق يعمل بالفعل على توسيع الطاقة الإنتاجية بدقة "سبعة نانومتر" لرقائق هواوي التي يتم طلبها مسبقا وتطوير عقدة المعالجة الأكثر تقدما بدقة "خمسة نانومتر".
وقد تضاعف هدف إنتاج رقائق أسيند 910 بي للعام المقبل بأكثر من مرتين مقارنة بـ2023، حيث من المقرر إنتاج أكثر من 200 ألف شريحة، كما يقول الشخصان.
لكن يجب على شركتي هواوي وإس إم أي سي التغلب على بعض التحديات المهمة في عملية تصنيع شرائح مراكز البيانات قبل أن تتمكنا من البدء في الحصول على حصة سوقية من شركة إنفيديا.
إن رقائق الذكاء الاصطناعي أكبر من معالجات الهواتف الذكية وبالتالي من المرجح أن تكون معيبة بسبب أخطاء الإنتاج. ووفقا لمصدر مطلع على جانب الإنتاج، فإن معدل الإنتاج الحالي لرقائق أسيند 910 بي من هواوي يزيد قليلا على 20 في المائة، ما يعني أن نحو أربع من كل خمس شرائح منتجة معيبة.
ومن المتوقع أن يواجه توسع إنتاج شركة إس إم أي سي صعوبات أكبر من التي واجهها قبل ثلاثة أعوام بسبب القيود التي فرضتها الولايات المتحدة، واليابان وهولندا. فقد تم تضمين آلات الأشعة فوق البنفسجية العميقة الأكثر تقدما من إيه إس إم إل، التي استخدمتها إس إم أي سي لكل من الرقائق المتقدمة والقديمة، في ضوابط التصدير الهولندية والأمريكية.
وقالت شركة أيه إس إم إل إنها "تمتثل لجميع قواعد ولوائح ضوابط التصدير المعمول بها" وأن عملاءها يدركون أنه بدءا من 2024، "من غير المرجح أن نحصل على تراخيص تصدير لهذه الأنظمة لشحنها إلى العملاء الصينيين المحليين".
لكن موردي إس إم أي سي يقولون إن الشركة تلقت دفعة جديدة من أدوات الأشعة فوق البنفسجية العميقة المتقدمة من إيه إس إم إل قبل أن تشدد الولايات المتحدة ضوابط التصدير، ما يعني أن زيادة الإنتاج وتطوير التكنولوجيا لا يزال ممكنا على مدى العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة.
ويقول أحد الأشخاص: "لا تزال كثير من المعدات هنا عبارة عن منتجات أمريكية ويابانية قامت شركة إس إم أي سي بتخزينها عام 2020".
ومع ذلك، يعتقد خبراء الصناعة والمحللون أن شركة إس إم أي سي قد تنفد منها أدوات صيانة المعدات وإمدادات المواد قبل أن تتمكن من تصنيع الرقائق المتقدمة.
يقول ليزلي وو، المستشار المستقل في صناعة أشباه الموصلات في الصين: "ستنفد بعض المخزونات من قطع غيار الآلات في غضون عامين إلى ثلاثة أعوام، مع عدم وجود بدائل من الشركات المحلية وحصة ضئيلة من المشتريات عبر السوق السوداء".
ويقول: "لا توجد إجابة مناسبة للقيود المفروضة على المكونات. ستكون هذه مشكلة كبيرة إذا نفدت القطع المخزنة قبل ظهور البديل المحلي". لم ترد شركتا هواوي وإس إم أي سي على طلبات التعليق.

أبطال وطنيون

يمكن لكل من شركتي هواوي وإس إم أي سي التأكد على الأقل من دعم الدولة بينما تحاولان مواكبة الشركات الرائدة في الصناعة. حيث يقول مسؤول حكومي في وضع سياسات صناعة أشباه الموصلات إن الهدف الحالي هو إنشاء خطوط إنتاج للرقائق المتطورة "بأي ثمن".
ويقول المسؤول "إن سلسلة توريد الرقائق المستقرة هي العمود الفقري لأنظمة الحوسبة عالية الأداء وأمر بالغ الأهمية لصناعة الحوسبة عالية الأداء في الصين للحفاظ على زخم تطورها، خاصة مع التوترات التجارية المستمرة والقيود التي تفرضها الحكومة الأمريكية".
وبدءا من إنشاء صندوق الاستثمار الصيني في صناعة الدوائر المتكاملة في 2014، رعت بكين صناعة الرقائق الدقيقة بتمويل من الدولة. وقد جمع صندوق الاستثمار مبلغا هائلا بلغ 47 مليار دولار على مدى العقد الماضي، ومن المتوقع أن يجمع 41 مليار دولار إضافية، ما يعزز سعي الصين لتحقيق الاكتفاء الذاتي التكنولوجي.
وكشف تقرير صادر عن شركة جيه دبليو إنسايتس للأبحاث، التي حللت الاستثمار الحكومي من خلال 25 مقاطعة ومنطقة، أن الحكومة ضخت 290.8 مليار دولار في القطاعات المرتبطة بأشباه الموصلات في 2021 و2022، ذهب ثلثها إلى معدات ومواد أشباه الموصلات.
والمبرر وراء هذا الاستثمار الضخم بسيط: التحرر من الاعتماد الكبير على الواردات، واكتساب موطئ قدم أقوى في سلسلة التوريد العالمية، وانتزاع قدرة الولايات المتحدة على إغلاق جزء كبير من الاقتصادات الصناعية والدفاعية في الصين.
يقول كريس ميلر، مؤلف كتاب حرب الرقائق: "إذا كنت تستورد معظم رقائقك، فأنت لست قوة عظمى في التصنيع. أنت تقوم فقط بتجميع مكونات عالية القيمة يتم إنتاجها في مكان آخر".
يبدو أن وزارة أمن الدولة الصينية توافق على ذلك، حيث كتبت على حسابها على تطبيق وي تشات: "فقط من خلال الاحتفاظ بالتكنولوجيات الأساسية بين أيدينا، يمكننا حقا أخذ زمام المبادرة في المنافسة والتنمية، وضمان الأمن القومي بشكل أساسي، في الاقتصاد والدفاع وغير ذلك الكثير".
يقع هذا الطموح لتجنب الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية على عاتق شركتي هواوي وإس إم أي سي. حيث أدى الإطلاق الناجح لمعالج كيرين 9000 إس إلى ضخ حيوية جديدة في صناعة أشباه الموصلات، حيث أفاد المسؤولون التنفيذيون أن الشركات الناشئة في مجال الرقائق تشهد زيادة في التمويل.
لكن طموحات هواوي طويلة المدى لا تقتصر على الأسواق التي تدور في فلك الصين. ويعد الاسم المستعار الأصلي لرقاقة كيرين 9000 إس - شارلوت - رمزا لهذه الآمال. إذ لم تتم تسميتها على اسم شخص، بل على اسم المدينة الواقعة في ولاية كارولينا الشمالية. ويقول المطلعون إن أشباه الموصلات الأخرى الخاصة بالأجهزة المتنقلة قيد التطوير تتم تسميتها داخليا أيضا بأسماء مدن أمريكية.
يقول أحد موظفي شركة هواوي إن استخدام الأسماء الأمريكية يعكس "رغبتنا في استعادة مكانتنا يوما ما في سلسلة التوريد العالمية".

الأكثر قراءة