سان فرانسيسكو .. مدينة البقع

سان فرانسيسكو .. مدينة البقع

للحظة وجيزة ومشرقة، كانت سان فرانسيسكو نظيفة. دفع وصول زعماء العالم لحضور قمة رفيعة المستوى الشهر الماضي المدينة إلى التحرك، فغسلت شوارعها بخراطيم المياه وحسنت منظر الأحياء المهملة وسط المدينة. كان التغيير شاملا. وكان أيضا قصير المدة.
سان فرانسيسكو هي مدينة البقع. تتلألأ أشعة الشمس وتلمع مياه الخليج، ولكن من ناحية الشوارع، فإن وسط المدينة قذر قذارة ملحوظة. بعض هذه البقع يمكن تقبلها. الطقس الدافئ يعني أن أشجار الفاكهة تنمو على طول الطرق، ويتساقط البرقوق الكرزي وقرون الخروب التي تسحق تحت الأقدام. ولكن معظم القذارة هي من صنع الإنسان. في كل عام، تتلقى إدارة الأشغال العامة في سان فرانسيسكو آلاف التقارير عن وجود براز بشري في شوارعها.
من المفهوم أن هذا موضوع يشغل بال السكان المحليين. بعد وقت قصير من انتقالي إلى هنا، أرسل لي أحد الأصدقاء دليلا غير عادي لأحياء سان فرانسيسكو معروف باسم خريطة براز سان فرانسيسكو. أنشئت منظمة غير ربحية تدعى أوبن ذا بوكس الخريطة الإلكترونية، وتدعي الخريطة أنها تظهر موقع كل تقرير من هذه التقارير التي تم إجراؤها بين 2011 و2019. صغر الخريطة وستغطي نقاط القذارة المدينة بأكملها تقريبا. لم يعد هناك سوى جزء صغير من شاطئ المحيط الهادئ وتلال متنزه بريسيديو نظيفا.
إن المشكلة لا تزال قائمة. بحثت في أحدث تقرير عن الشوارع والأرصفة في سان فرانسيسكو ووجدت أن ما يقارب نصف الشوارع الأكثر ازدحاما في المدينة لا تزال متأثرة. وفي حي نوب هيل، كان 89 في المائة من الشوارع التي تم تقييمها تحتوي على براز بشري وحيواني. أما حي ميشن، فقد كان نظيفا نسبيا، بنسبة 61 في المائة.
إن هذا الجانب من سان فرانسيسكو هو الذي حرصت المدينة على عدم إظهاره عندما اجتمع الرئيسان جو بايدن وشي جين بينج وقادة التكنولوجيا والصحافة العالمية لحضور اجتماعات مؤتمر التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ "أبيك". ومن هنا جاءت عملية التنظيف. كان هناك تذمر من بعض السكان من أن الجهود تبذل من أجل الزوار، وليس من أجل الأشخاص الذين يعيشون هنا كل يوم. لكن كانت هناك مفاجأة أيضا عندما أثبتت المدينة أن ذلك ممكن، حتى ولو لبضعة أيام فقط. ولسوء الحظ، سيستغرق الأمر أكثر من عملية تنظيف لمرة واحدة لمعالجة أسباب اتساخ سان فرانسيسكو.
المشكلة الأكثر صعوبة في المدينة هي وجود عدد كبير من المشردين إضافة إلى نقص دورات المياه العامة. يشير مسؤولون إلى أن عدد المشردين في المدينة انخفض بين 2019 و2022. لكن الرقم الإجمالي لا يزال مرتفعا. في 2022، كان هناك 887 شخصا بلا منزل لكل 100 ألف ساكن، وفقا لتقرير صادر عن مكتب مدينة ومقاطعة سان فرانسيسكو التابع لوحدة التحكم في أداء المدينة. كثير من هؤلاء الناس يعيشون في الشوارع. في العام الماضي، كان هناك 503 أشخاص بلا مأوى لكل 100 ألف ساكن. قارن ذلك بواشنطن العاصمة، حيث يبلغ الرقم 100 شخص لكل 100 ألف ساكن. وفي وسط لندن، يبلغ تقريبا 112 شخصا لكل 100 ألف ساكن.
إن هذه المجموعة هي الأكثر عرضة لخطر الإصابة بالأمراض نتيجة التعرض للشوارع القذرة. ورغم توفير أسرة إضافية في الملاجئ، أصبحت المدينة أيضا أكثر نشاطا في نقل المشردين بعيدا عن بعض المناطق.
تحاول سان فرانسيسكو معالجة مشكلة التشرد منذ عقود. ويبدو أن الافتقار إلى دورات المياه هو نوع من المشكلات العملية التي قد يكون حلها أسهل. تتبع باحثون في جامعة كاليفورنيا بيركلي تأثير المراحيض المتنقلة ووجدوا انخفاضا مباشرا في التقارير المتعلقة بالنفايات البشرية في الشوارع. ولكن في الواقع، توجد في المدينة بالفعل دورات مياه عامة كثيرة. كل ما في الأمر أن كثيرا منها مغلق. فالصيانة المناسبة تتطلب عمالا، وهذا مكلف. واسترداد الأموال من المستخدمين غير ممكن. في ولاية كاليفورنيا، كما هي الحالة في كثير من الولايات الأخرى، من غير القانوني فرض رسوم دخول على دورات المياه.
والإنفاق العام على المرافق الجديدة أمر مثير للجدل. عندما خططت سان فرانسيسكو لإضافة دورة مياه عامة إلى متنزه نوي فالي تاون سكوير بارك بتكلفة أولية قدرها 1.7 مليون دولار، واجهت معارضة فورية.
وهذا يتركنا مع عمال نظافة الشوارع. صرح ديفيد تشيو، المدعي العام لمدينة سان فرانسيسكو، لمحطة إخبارية محلية أنه يأمل أن يؤدي الزخم الناتج عن عملية التنظيف التي تمت بسبب "أبيك" إلى جعل الوضع مستداما. لكن عند السير عبر المركز المدني في وسط المدينة، من الواضح بالفعل أن الأمر ليس كذلك.
من السهل أن تتخذ موقفا دفاعيا إذا كنت تعيش في سان فرانسيسكو. أصبحت المدينة مشهورة بمشكلات موجودة أيضا في مدن أخرى. لكن انتشار المشكلات علنا يمكن أن يكون حافزا لاختبار حلول جديدة، كالاستفادة من المساحات المكتبية الفارغة مثلا، أو توسيع عدد دورات المياه العامة المتنقلة الخاضعة للإشراف. فالأماكن العامة النظيفة تجعلنا سعداء. أما العيش في وسخ فلا يسعدنا.

الأكثر قراءة