الدروس المستفادة من مسلسل «أوبن أيه آي» الدرامي لأوروبا
قبل ساعات قليلة من إقالة مجلس إدارة شركة أوبن أيه آي لرئيسها التنفيذي، وبدء مسلسل درامي مدته خمسة أيام استحوذ على اهتمام مجتمع الذكاء الاصطناعي العالمي، كشف خافيير نيل النقاب عن محاولة لإنشاء نسخة فرنسية من شركة وادي السيليكون الناشئة في الدائرة الـ13 في باريس.
تشبه شركة كيوتاي" أوبن أيه آي" في شكلها الأصلي، وليست حالتها المختلة الحالية: مختبر أبحاث غير ربحي مصمم لبناء النماذج اللغوية الكبيرة وإجراء التجارب عليها - وهي الخوارزميات التي تتنبأ بنهاية جملنا وتكتب لنا المقالات والرموز. وفي قاعة الشركة الحاضنة لشركته الناشئة ستيشن إف، جلس نيل إلى جانب زميله الملياردير الفرنسي رودولف سعادة، رئيس مجموعة سي إم أيه سي جي إم للشحن، والرئيس السابق لشركة جوجل إريك شميدت، الذي سيساعد أيضا على تمويل المبادرة التي تبلغ قيمتها 300 مليون يورو.
إن مشروع نيل هو محاولة متأخرة في أوروبا للانضمام إلى سباق الذكاء الاصطناعي التوليدي، وإلى جانب الشركة الناشئة ميسترال أيه أي - المدعومة أيضا من نيل وسعادة - يمكن أن تحول باريس إلى مركز في القارة. إذ يعتقد نيل أن ما هو على المحك هو قدرة أوروبا على التأثير في هذه الخوارزميات القوية والاستفادة منها وتنظيمها ـ بكل تحيزاتها المتأصلة النابعة جزئيا من مجموعات البيانات التي تدربت عليها ـ والتي ستشكل حياتنا.
قال رائد الأعمال في الاتصالات والخجول من وسائل الإعلام لإذاعة فرنسا الدولية الأسبوع الماضي: "إننا متأخرون بضعة أشهر فقط، نحن نعمل على ذلك، ونعد الموارد اللازمة ونسير بأقصى سرعة. لا أريد لأولادنا أن يعتمدوا على خوارزميات غير مصنوعة هنا."
إن الفكرة وراء شركة كيوتاي هي أن تكون "مفتوحة المصدر" حقا - وهو مفهوم ابتعدت عنه "أوبن أيه آي" منذ تعاونها مع مايكروسوفت لتسويق نموذجها اللغوي تشات جي بي تي وأصبحت كيانا ربحيا يشرف عليه مجلس إدارة غير ربحي. سيكون بحث كيوتاي - بقيادة ستة موظفين سابقين في ديب مايند وميتا ومايكروسوفت ويشرف عليه كبير علماء الذكاء الاصطناعي في ميتا يان ليكون، وأستاذ معهد ماكس بلانك برنارد شولكوف، وأستاذ جامعة واشنطن ييجين تشو- متاحا لمن يريد استخدامه لأغراض تجارية. وقال إدوارد جريف، أحد الباحثين، إن الشفافية ستمتد إلى شفرة المصدر للنماذج.
عبر الأطلسي، عزز الصراع على السلطة في أوبن أيه آي، الذي بدا أنه نابع من المخاوف بشأن التقدم السريع لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، فكرة أن طريقة التحكم في هذه التكنولوجيا التي يحتمل أن تكون ثورية للغاية ليست منقوشة على حجر بعد، وأن العالم يحتاج إلى بدائل. فالضرر الذي لحق بسمعة الشركة الناشئة الأكثر شهرة في مجال الذكاء الاصطناعي في العالم يمكن أن يوفر أيضا فرصة للمنافسين الأوروبيين لجذب أصحاب رؤوس الأموال المغامرة إلى أراضيهم. ولكن الأهم من ذلك هو أن هذه القضية أظهرت حاجة أوروبا إلى بناء قدرة المعالجة اللازمة لتدريب هذه النماذج.
إن هذه المسرحية، التي انتهت بإعادة سام ألتمان إلى منصبه الرئيس التنفيذي لشركة أوبن أيه آي، أكدت على "اعتماد جميع شركات الذكاء الاصطناعي هذه على شركات التكنولوجيا الكبرى في قوتها الحاسوبية، وبنيتها التحتية الأساسية" كما قال مارتن تيسني، رئيس الجمعية الخيرية التعاونية للذكاء الاصطناعي المدعومة من رائد الأعمال بيير أوميديار ومستشار الحكومة الفرنسية في مجال الذكاء الاصطناعي.
ولهذا السبب لجأ ألتمان إلى شركة مايكروسوفت، التي قدمت مليارات الدولارات نقدا ووفرت قدرة معالجة البيانات للشركة الناشئة، كما يقول تيسني. "إننا نشهد تأثير توحيد القطاع الذي يبدو للوهلة الأولى أن الشركات الناشئة تقوده ولكن في الواقع تدعمه جوجل كلاود وأمازون ويب سيرفيسز ومايكروسوفت. إنه تركيز هائل لقوة السوق في قطاع شديد التخصيص يسيطر عليه عدد قليل من الشركات الأمريكية الكبرى".
ويضيف: "سنحتاج إلى توفير البنية التحتية لدعم الشركات الناشئة. وإلا فإن الطريق الوحيد أمام هذه الشركات الناشئة هو الشراكة مع شركات التكنولوجيا العملاقة أو أن تستحوذ عليها هذه الشركات العملاقة".
إن نيل يدرك ذلك جيدا. ستدرب شركة كيوتاي نماذجها على الكمبيوتر فائق الأداء الذي صممته شركته السحابية سكيل وأي بمساعدة شركة تصنيع الرقائق إنفيديا. قال الأسبوع الماضي: "لقد بنينا خامس أقوى كمبيوتر فائق الأداء في العالم - الأربعة الأولى في الولايات المتحدة. قد تكون هناك أخرى في الصين، لا نعرف". ويمكن للشركات الأوروبية الناشئة أيضا أن تلجأ إلى شركة أو في إتش، مقرها شمال فرنسا. تكثر الشكوك حول ما إذا كانت لدى أوروبا أي فرصة ليكون لها أي أهمية في عصر الذكاء الاصطناعي.
لكن نيل أثبت خطأ كثير من الناس في الماضي. "لقد بنيت مسيرتي المهنية على تشاؤم الآخرين"، كما قال.