كيف يتقبل المبدعون الأخطاء والإخفاقات؟
بعد خسارة صاروخ آخر من طراز ستارشيب الأسبوع الماضي، بعد عشر دقائق من الإقلاع، نشرت شركة سبيس X التابعة لإيلون ماسك بيانا من 400 كلمة. يحتوي البيان على ثماني إشارات مباشرة إلى نجاح المهمة، التي وصل خلالها أقوى صاروخ تم إطلاقه إلى الفضاء لأول مرة، ولو لفترة وجيزة. واختتم البيان: "مع اختبار كهذا، يأتي النجاح مما نتعلمه".
يعد ماسك من أبرز مؤيدي ثقافة تجريبية متمثلة في "خاطر. تعلم عن طريق تفجير الأشياء. راجع. كرر"، على حد تعبير السيرة الذاتية التي كتبها والتر إيزاكسون عن رائد الأعمال الملياردير. وبعد انتهاء عملية إطلاق سابقة بـ"تفكيك سريع غير مجدول"، أعلن ماسك: "لا نريد أن نصمم بهدف إزالة كل المخاطر. وإلا فلن نصل إلى أي مكان أبدا".
يضيف أغنى رجل في العالم دفعة كبيرة إلى المراجع الوفيرة التي تحث المبدعين على الاحتفاء وتقبل الأخطاء والنكسات والإخفاقات. إن هذه الكتب، بما تحتويه من معاينات لا نهاية لها لما أنت على وشك قراءته، ونقاط تفصيلية لما قرأته للتو، وملخصات لما كان يجب أن تتعلمه، نادرا ما تحظى بشعبية واسعة. لكن في بعض الأحيان، ينجح البعض منها.
النوع الصحيح من الخطأ، وهو دليل إيمي إدموندسون الجديد والممتاز لكيفية الترويج لـ"الإخفاقات الذكية" والتعلم منها، هو أحد هذه الأمثلة. إنها في مهمة للقضاء على "الحديث السطحي عن الفشل"، وإزالة الالتباس حول ما يشكل "النوع الصحيح من الخطأ". فرسالتها لا تتعلق فقط برجال وادي السيليكون، بل بأي شخص عمل في أي مؤسسة، بدءا من المستشفيات "حيث بدأت إدموندسون أبحاثها" حتى الشركات الاستشارية.
وكتبت إدموندسون: "جنون الفشل -ثقافة "الفشل السريع، والفشل في كثير من الأحيان التي تريد منا أن نتقبل الفشل بشكل عشوائي على ما يبدو- يستلهم من الإخفاقات الذكية المتأصلة في الابتكار لكنه يخاطر بالتستر على مشهد الفشل الواسع والمتنوع الذي يتضمن أيضا الفشل الأساسي والمعقد".
الاعتراف بضرورة مناقشة الفشل بشكل علني يجب أن يكون في حد ذاته علامة إيجابية. فقد أخبرني جيم كولينز، وهو مؤلف ذائع الصيت في مجال الأعمال، ذات مرة بأن كتابه المفضل بعنوان 2009، الذي نصح فيه الشركات بكيفية تجنب الانحدار. لكنه قال "إن مبيعاته كانت منخفضة بسبب حقيقة أن الناس لا يحبون القراءة عن الفشل".
ورغم تلك القاعدة القديمة في النشر، يبدو أن هذه هي أوقات مناسبة لكتب عن الإخفاقات والانهيارات والأخطاء الفادحة. ربما تكون الجائحة -"وهي فشل معقد وهائل"، وفقا لإدموندسون- قد أثارت اهتماما صحيا بأسباب سوء الأمور وكيفية التعلم من الكارثة.
يقدم كتاب "النوع الصحيح من الخطأ" نموذجا وتصنيفا مفيدا للفشل الجيد، لكن إدموندسون تثبت أنه لا يرحم، كما قد تتوقع من أستاذة في جامعة هارفارد أن تتحدث عن أولئك الذين يتخذون الشعارات القديمة التي تقول "ابتكر، أخطئ، غير" عن الفشل كذريعة لعدم قيامهم بواجبهم.
وأوضحت أنه من الصواب محاولة التخلص من الإخفاقات الأساسية، بدءا من وضع الحليب عن طريق الخطأ في الخزانة وليس في الثلاجة، إلى إفساد تجربة ما بسبب استخدام القطارة بشكل خاطئ. ومع ذلك، فإن النقطة التي تسوء عندها الأمور مهمة كذلك.
تميز إدموندسون، على سبيل المثال، بين السياقات المتسقة والمتغيرة والجديدة. فعندما وافق طاقم طيران فلوريدا وهم شاردو الذهن على تعطيل أدوات مكافحة الجليد في الظروف الشتوية في عام 1982، ارتكبوا فشلا أساسيا في سياق متغير: فقد أدى ذلك إلى تحطم الطائرة المميت في نهر بوتوماك المتجمد. وعلى نحو مشابه، ينبغي لنا أن نتوقع مستوى عاليا من النجاح من جراحي القلب المعاصرين، بينما ندرك أنهم يعتمدون على سياسة التجريب المدروس التي انتهجها الرواد من أسلافهم.
إن الأهداف الحقيقية لانتقادات إدموندسون هي المؤسسات التي تقمع صورة الإخفاقات الذكية التي يمكنها تعزيز الفهم وتشوهها. فترجمة الطبعة الأمريكية من كتاب إدموندسون هو "علم الفشل الجيد"، لأن "معدل الفشل يبلغ 70 في المائة".. ليس أمرا غير معتاد بالنسبة إلى العلماء في قمة مجالهم". وفي سياقات جديدة، من الممكن إجراء التجارب، كما فعل جراحو القلب الأوائل، والتعلم من الفشل الذكي. من الصواب أن نحاول القضاء على الإخفاقات الأساسية، لكن معرفة النقطة التي تسوء عندها الأمور أمر مهم جدا.
حالة ماسك لا تستحق الذكر في كتاب إدموندسون، لكنه يظهر بقوة في كتاب The Geek Way لأندرو مكافي، وهو إضافة أخرى قوية لهذا النوع من الأدب. إن هذا الكتاب ليس بالمعنى الدقيق للكلمة كتابا عن الفشل، بل هو استخلاص وفحص للثقافة التي يروج لها ماسك وآخرون: "ثقافة الصراحة والمساواة".. فهم لا يخشون الفشل، أو تحدي رؤسائهم في العمل، أو إثبات أنهم على خطأ".
يستخف مكافي، الذي بدأ أبحاثه في جامعة هارفارد ويعمل الآن في مكان قريب في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، بكليات إدارة الأعمال. لكن هناك كثيرا من القواسم المشتركة بينه وبين إدموندسون. في تعريفه للعلم والملكية والسرعة والانفتاح باعتبارها مفاتيح ثقافة مهووسي العلوم، يعتمد بقوة على عمل إدموندسون الرائد في مجال "السلامة النفسية" مثلا.
تضمن المنظمات الآمنة نفسيا ألا يخشى الزملاء من ذكر حالات الفشل وانتقاد الأخطاء من أجل المصلحة العامة للفريق. وحالة كلاسيكية ومأساوية حدثت أخيرا لمنظمة تعاني انخفاض السلامة النفسية شركة بوينج. ففي رسائل البريد الإلكتروني التي ظهرت بعد الفشل المعقد الذي أدى إلى حوادث تحطم طائرات 737 ماكس في عامي 2018 و2019، كتب أحد المهندسين عن "موقف ثقافي قمعي تجاه انتقاد سياسة الشركة، خاصة إذا كان هذا النقد يأتي نتيجة لحوادث مميتة".
وعلى النقيض من ذلك، تمدح إدموندسون "سلك أندون" الذي طورته شركة تويوتا لصناعة السيارات، حيث يستطيع أي عضو في فريق خط الإنتاج سحبه، للإشارة إلى وجود مشكلة للمشرف عليه. تنقضي 60 ثانية بينما يعمل الفريق على تحديد ما إذا كان من الممكن حل المشكلة بسهولة، فإذا لم يكن الأمر كذلك، فسيتم إيقاف الخط بالكامل مؤقتا. إن 11 من أصل 12 عملية سحب هي إنذارات كاذبة، لكن، كما توضح إدموندسون، حتى تلك، يتم استخدامها كمحفز، "تعليم مرحب به حول كيفية سير الأمور بشكل خاطئ، وكيفية التكيف لتقليل هذا الاحتمال".
ورابط آخر هو أن كلا الكاتبين تتلمذ على يد كريس أرجيريس، الذي حدد نموذجين تنظيميين. في النموذج الأول تهدف الشركات إلى الحفاظ على السيطرة، والسعي للفوز، وقمع المشاعر السلبية، وهذه هي المواقف التي أدت، من بين كوارث أخرى، إلى تفكك شركة آرثر أندرسن، التي أثارها دور المدققين في الفضيحة التي أسقطت شركة إنرون في عام 2001. يمثل "النموذج رقم 2" مسارا أكثر تحديا، لكنه قد يكون أكثر فائدة، "يبدأ بالرغبة في اكتشاف عيوبك"، على حد تعبير إدموندسون.
يربط مكافي النهج الأول بالشركات الصناعية ذات الطراز القديم التي تدافع عن الوضع الراهن وتسحق المعارضة. وعلى النقيض من ذلك، فهو يحدد الرغبة في الفشل في قلب الثقافة التي تعززها شركات التكنولوجيا سريعة الحركة كشركتي سبيس X وتسلا التابعتين لماسك، أو أمازون التابعة لجيف بيزوس.
وتشمل السمات المشتركة بين هؤلاء القادة والفرق القدرة على "التكرار" بسرعة، وتطوير المنتجات في "سباقات السرعة المتكررة"، وإغلاق المشاريع التي لا تؤدي إلى أي نتيجة. وأحيانا، تؤدي النكسة إلى "التحول" إلى سوق مختلفة تماما: بدأ موقع يوتيوب كموقع للمواعدة عبر الفيديو، وتم إطلاق إنستجرام كلعبة تعتمد على الموقع، وكان بنتيريست Pinterest ذات يوم تطبيقا للتسوق عبر الهاتف المحمول.
قال أحد المسؤولين التنفيذيين في شركة تاكيدا لإدموندسون، إنه بدلا من الاحتفال بالفشل، وهو ما "يعني ضمنا.. نهاية سيئة"، تحب شركة الأدوية اليابانية الاحتفال عند تحول أوضاعها.
وهناك سمة أخرى مشتركة بين القادة الذين يفشلون بسرعة، وهي أنهم ما زالوا في الأغلب رجالا بيضا. فكما تشير إدموندسون، "يمكن أيضا اعتبار الفشل بمنزلة امتياز"، وغالبا ما تفتقر الأقليات العرقية والنساء والمجموعات الأخرى الممثلة تمثيلا ناقصا إلى "ترف الفشل بشكل غير ملحوظ".
ويجادل مكافي بأن الشركات المهووسة بالعلم تنجح من خلال تسخير ميل البشر نحو التواصل الاجتماعي. وهو يصوغ ذلك في "قاعدة أساسية مهووسة نهائية" تدعم نجاح جميع هذه الشركات، "لتشكيل الجانب الاجتماعي الفائق لأعضاء المجموعة بحيث يكون التطور الثقافي للمجموعة سريعا قدر الإمكان في الاتجاه المطلوب". ويعبر باتريك كوليسون، الرئيس التنفيذي لشركة سترايب للمدفوعات، عن الأمر بشكل أكثر وضوحا. فعندما سئل عن نوع السلوك الذي قد يشعره بالكآبة إذا شهده في شركته، أجاب "أي شيء يمكن أن يصنفه المرء على أنه معاد للمجتمع وليس اجتماعيا".
يقول مكافي "إنه لتحرير الفرق للتصرف بهذه الطريقة التعاونية، يتعين على القادة العمل باستمرار من أجل القضاء على البيروقراطية والهيكلية الزائدة، اللتين تثقلان كاهل الشركات النامية ببيروقراطية غير ضرورية وتشجع على تسييس الابتكار الداخلي".
بالطبع، لا توجد ثقافة المهووس بالعلوم في شركات التكنولوجيا فقط. لكن مكافي يستشهد بأدلة مستمدة من تحليلات ثقافة الشركات التي أجراها الباحثان دون وتشارلي سول، على أن "عمالقة التكنولوجيا" وشركات الإنترنت مثل نتفليكس وأبل وأمازون تتفوق على القطاعات الأخرى في المرونة والابتكار والتنفيذ.
والسؤال هو كيفية الحفاظ على هذه القيادة. فقد كادت مايكروسوفت، التي كانت ذكية ذات يوم، أن تنهار تحت وطأة بيروقراطيتها الخاصة حتى تولى ساتيا ناديلا رئاستها وبدأ تغييرا حادا في العقلية. وكافحت نتفليكس في العام الماضي في التعافي من تباطؤ الاشتراكات. تم الاستشهاد بشركة ميتا مالكة فيسبوك في كتاب The Geek Way كمثال لشركة تنزلق نحو الموقف الدفاعي الموضح في نموذج 1 لأجريريس.
وبعيدا عن وادي السيليكون، تعرض راي داليو من صندوق بريدجووتر، الذي حظي بالثناء في الكتابين لسياسة الشفافية الراديكالية التي تنتهجها مجموعة صناديق التحوط التابعة له، تعرض للهجوم بسبب ترؤسه منظمة مختلة وظيفيا "ادعاءات ينفيها". إن العلم الأكاديمي نفسه يمر بجولة عقابية من النقد الذاتي حول الإخفاقات المزعومة. حتى "ماسك" يبدو أنه يقع فريسة للثقة المفرطة في ملكيته مجموعة التواصل الاجتماعي إكس.
لكن حتى لو كانت بعض الشركات أو القادة الذين استشهدوا بهم قد يتلاشون، فقد حدد مكافي وإدموندسون بعض المعايير المهمة التي تدعم المؤسسات الأكثر إثارة للإعجاب والأسرع نموا في العالم. فغالبا ما يتم رفض الثقافة باعتبارها سمة مؤسسية "في الأشخاص" يصعب تقييمها، علاوة على تغييرها. ومع ذلك، فإن الثقافة المعيبة أو المقيدة يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة، وأحيانا مميتة، على أولئك الذين يتأثرون بها، سواء أكانوا ممرضين ومرضاهم، أو طيارين وركابهم، أو محامين وعملاءهم.
تؤكد هذه الكتب أن الانفتاح والتحدي والتجربة والفشل الذكي توفر منصة انطلاق قوية للمخاطرة المعقولة. وليس من قبيل الصدفة أن تكون هذه مبادئ العلم الجيد، الذي يظل -على حد تعبير مكافي- "أفضل عملية توصلنا إليها على الإطلاق لتقليل الأخطاء بمرور الوقت".