فجوة المهارات .. عاصفة قوية تخيم على أرباب العمل
عندما كانت وزارة الزراعة في المملكة المتحدة تكافح من أجل العثور على عمال متخصصين جدد يتمتعون بمهارات في مجال الحوسبة السحابية والأمن السيبراني، قررت أن تأخذ الأمور على عاتقها.
بالشراكة مع مجموعة التوظيف هيز، أطلقت وزارة البيئة والغذاء والشؤون القروية أكاديمية السحابة والأمن - برنامجا مخصصا لتدريب الموظفين المحتملين على المهارات الرقمية، ثم تعيينهم في أدوار يصعب شغلها. تقدم ما يقارب 1400 شخص من مجموعة واسعة من الخلفيات بطلبات للتوظيف، أي أكثر 500 في المائة من المعتاد في وظائف مشابهة.
لكن تحديات التوظيف هذه لا تقتصر على الحكومة. يعاني أصحاب العمل في المملكة المتحدة فجوات واسعة في مهارات القوى العاملة، حيث تتزايد الحاجة إلى الموظفين - في قطاعات من الرعاية الصحية والاجتماعية إلى التكنولوجيا - بسرعة أكبر من اكتساب العمال المهارات والخبرة اللازمة لشغلها.
يقول بارني إيلي، المدير الإداري لجنوب شرق إنجلترا في شركة هيز: "من الصعب حقا تضييق نطاق الفجوة لأنه ينطبق على جميع المجالات. فلا يوجد عدد كاف من الأشخاص في سوق العمل، وهي مشكلة في حد ذاتها. وليس هناك ما يكفي من الأشخاص الذين يتمتعون بمهارات عالية (...) وأفضل وصف لها هو أنها هيكلية. إنه تحد حقيقي، وهو تحد قائم منذ عقد".
وبينما تكافح المملكة المتحدة تداعيات كوفيد، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وارتفاع معدلات التضخم، وخفض الإنفاق على التعليم، تزيد خطورة المشكلة. وفقا للمسح الحكومي "إمبلوير سكيلز"، وهو استطلاع للرأي شمل أكثر من 70 ألف صاحب عمل ونشر الشهر الماضي، فإن نقص المهارات حاد خاصة في قطاع البناء، وتكنولوجيا المعلومات، والتصنيع، والعمل الاجتماعي.
وجد البحث أن 23 في المائة من أماكن العمل كان لديها وظيفة شاغرة واحدة على الأقل في العام الماضي، وأفاد 10 في المائة منها بوجود وظيفة شاغرة واحدة على الأقل بسبب نقص المهارات. كان ذلك ارتفاعا من 20 في المائة و6 في المائة، على التوالي في 2017. وعند حساب جميع الوظائف الشاغرة في المملكة المتحدة في 2022، كان 36 في المائة منها بسبب نقص المهارات - ارتفاعا من 22 في المائة في 2017.
تقول تيرا ألاس، مديرة الأبحاث والاقتصاد في شركة ماكينزي الاستشارية، إن بعض الوظائف، في قطاعات مثل الضيافة أو الرعاية، يصعب شغلها نظرا لانخفاض الراتب وظروف العمل السيئة. وحتى عندما تكون هذه الوظائف تتطلب مهارات، فإن هذه الحوافز الضعيفة تعني أن احتمال تقديم الأشخاص بطلب للعمل فيها ضعيف، أو التدريب على المهارات التي تتطلبها وظائف كهذه.
تضيف ألاس: "يستمر الطلب على العاملين في مجال الرعاية في النمو، لكن المعروض لا ينمو بالسرعة نفسها. إنها مسألة تعليم وتدريب".
في الوظائف الرقمية، تعني الحاجة إلى مزيد من المهارات الفنية أن أصحاب العمل يدفعون أكثر. ومع ذلك، لا يزال هناك نقص في القوى العاملة، ويرجع ذلك في كثير من الأحيان إلى أن احتياجات الصناعة تتطور بسرعة أكبر من تطور التعليم.
"هناك دائما لغز في المملكة المتحدة حول سبب النقص في علماء الكمبيوتر. الإجابة المتناقلة هي أن ما تدرسه الجامعات ليس دائما ما يحتاج إليه أصحاب العمل (...) والطلب ينمو بشكل أسرع من العرض، لا يهم أن الوظيفة مجزية ماديا"، كما تشير ألاس.
يقول أنتوني ووكر، نائب الرئيس التنفيذي لاتحاد التجارة تيك يو كيه، إنها مشكلة لأصحاب العمل، "فالمنافسة عالية جدا على المهارات المطلوبة أكثر من غيرها".
وهذه أيضا مشكلة للموظفين الحاليين. نحو 15 في المائة من أماكن العمل لديها موظف واحد على الأقل لم يكن كفؤا بشكل كامل في دوره، وفقا لمسح "إمبلوير سكيلز" في المملكة المتحدة، ويفتقر 5.7 في المائة من إجمالي القوى العاملة إلى المهارات المطلوبة، ارتفاعا من 4.4 في المائة في 2017.
يقول ووكر: إن العثور على أشخاص يتمتعون "بالتركيبة المناسبة" من المعرفة الفنية، مثل هندسة أوامر الذكاء الاصطناعي أو البرمجة، وما يسمى بالمهارات الشخصية، كالعمل الجماعي، في الأغلب ما يكون الجانب الأكثر صعوبة في التوظيف.
منذ جائحة كوفيد، التي حرمت الناس من الخبرة الشخصية في مكان العمل، أصبح هذا النقص أكثر عمقا، خاصة بين العمال الشباب، كما تقول كيرستي ماكي، رئيسة قسم المهارات الحياتية في بنك باركليز في المملكة المتحدة.
تشير إلى أنه نتيجة لذلك، في الأغلب ما يكون المتقدمون غير قادرين على رؤية قدراتهم القابلة للتحويل من وظيفة إلى أخرى.
وتقول: إن الثقة في أدنى مستوياتها على الإطلاق. إنه لأمر محزن حقا أن أتحدث إلى الشباب الآن - في الأغلب ما يقولون إنهم ليس لديهم أي مهارات، لكن هذا ليس صحيحا".
أدى انخفاض في دعم التعلم المستمر مدى الحياة إلى زيادة صعوبة العثور على العمال المهرة. في العقد الماضي، انخفض استثمار حكومة المملكة المتحدة في تعليم البالغين إلى النصف، وانخفض الإنفاق على التدريب في أماكن العمل 28 في المائة منذ 2005، وفقا لبيانات من معهد التعلم والعمل "إل دبليو آي"، وهو مؤسسة فكرية.
يقول ستيفن إيفانز، الرئيس التنفيذي لمعهد إل دبليو آي: "إنها عاصفة قوية. فقد انخفض الاستثمار في تدريب أصحاب العمل، كما أن إنفاق الحكومة انخفض على تعليم البالغين، إضافة إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وعدم استقرار السياسات وعدم الاستقرار السياسي.
تختلف استجابات أصحاب العمل للمشكلة. إذ تقول ألاس من ماكينزي إن بعضهم "خامل للغاية" أو يتبنى أساليب "قصيرة الأجل"، مثل تحسين الأجور أو الامتيازات، لجذب العمال المهرة. لكن "أصحاب العمل المستنيرين - الذين لديهم الموارد والبصيرة يقولون: لا يمكننا الاعتماد فقط على السوق هنا – يفعلون كثير". وقد يشمل ذلك إعادة التدريب داخل الشركات: حيث تحدد الشركات العمال الذين يمكن توظيفهم في أدوار مبتدئة ثم يتم تدريبهم على الوظائف التي عليها طلب. مثلا، يمكن إعادة تدريب موظف مركز الاتصال ليصبح مهندس برمجيات.
كما أن العمال يتوقون إلى تحسين مهاراتهم، ما يعني أن أصحاب العمل الذين يقدمون فرص إعادة التدريب قد يجدون أنه من الأسهل جذب المواهب، فضلا عن تعزيزها داخل الشركة.
"إن الأشخاص الذين يعملون في هذه المجالات يفهمون(...)، لذلك هم مهتمون حقا بأرباب العمل الذين سيساعدونهم على تطوير تلك المهارات. وأعتقد أن مسؤولي التوظيف أفضل بكثير في ذلك، وأعتقد أن هذا ينتشر ببطء في أوساط الشركات"، كما يقول ووكر.