تصريحات «الفيدرالي» المتشددة تمثيلية .. الأسواق عالقة في حلقة لا نهاية لها

تصريحات «الفيدرالي» المتشددة تمثيلية .. الأسواق عالقة في حلقة لا نهاية لها

الأسواق المالية المتقلبة عالقة في "حلقة لا نهاية لها"، حيث إن ردود أفعال المتداولين على تعليقات محافظي البنوك المركزية تجعل الأمر أكثر تعقيدا بالنسبة لصانعي السياسات في معركتهم مع التضخم، كما يقول المحللون ومديرو الصناديق.
وفي الأشهر الأخيرة، أشار محافظو البنوك المركزية إلى أن سلسلة الزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة للحد من ضغوط الأسعار قد تنتهي قريبا. وهذا من شأنه أن يضع حدا للسياسات التي شهدت ارتفاع أسعار الفائدة القياسية على الإقراض في الولايات المتحدة وأوروبا إلى أعلى مستوياتها منذ أكثر من عقد من الزمن.
لكن مع اقتراب دورة ارتفاع أسعار الفائدة من نهايتها، يجد صناع السياسات أن التوجيهات الأكثر صرامة للسوق توجد معضلة يصعب الخروج منها.
وأي إشارة إلى أن أسعار الفائدة ستبدأ في الانخفاض أدت إلى ارتفاع أسعار السندات، ما أدى إلى انخفاض العوائد. هذا يقلل من تكاليف الاقتراض، وهو ما يمكن بدوره أن يخفف من الظروف المالية الشديدة التي يحاول محافظو البنوك المركزية إيجادها من أجل إعادة التضخم إلى الهدف.
يقول المستثمرون والمحللون: إن هذا يضع العبء مرة أخرى على عاتق صناع السياسات للنظر في تمديد أسعار الفائدة الأعلى.
وقال داريو بيركينز رئيس قسم الاقتصاد الكلي العالمي في شركة الأبحاث تي إس لومبارد، إن الأسواق تجد نفسها الآن في "حلقة لا نهاية لها يشعر فيها الجميع بالإحباط. أعتقد أننا سنتحرك حتى نحصل على بعض الوضوح بشأن ما إذا كان الهبوط صعبا أو ناعما بالنسبة للاقتصاد الأمريكي".
وقد وجد محافظو البنوك المركزية والأسواق أنفسهم في هذه الحلقة المفرغة في الأسابيع الأخيرة.
وفي تتابع سريع، أبقى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وبنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي تكاليف الاقتراض على حالها.
وقد ساعدت خطوة الاحتياطي الفيدرالي على وجه الخصوص في تأجيج ارتفاعات حادة في السوق على جانبي الأطلسي. وعانت عوائد سندات الخزانة أكبر انخفاض أسبوعي لها منذ انهيار بنك وادي السيليكون في مارس الأسبوع الماضي، بينما ارتفع مؤشر إس أند بي 500 في وول ستريت لثماني جلسات متتالية بدءا من 27 أكتوبر، وهو أفضل أداء له منذ عام.
وكانت تلك التحركات تعادل خفض سعر الفائدة بمقدار 0.5 نقطة مئوية، وفقا لمحللي بنك جولدمان ساكس. تراجع مؤشر للظروف المالية الأمريكية – وهو بديل لظروف السوق التي تحدد تكاليف الاقتراض للشركات – إلى أدنى مستوى منذ أبريل عام 2022 للأسبوع المنتهي في نوفمبر، وفقا لمؤشر جمعه الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو.
وبعد أن ترك البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة عند 4 في المائة، أكدت رئيسته كريستين لاجارد أنه "من السابق لأوانه تماما" النظر في تخفيض أسعار الفائدة. ومع ذلك، تتوقع الأسواق تخفيضات بأكثر من 0.8 نقطة مئوية بحلول نهاية 2024.
وقال كريستيان كوبف، رئيس الدخل الثابت في شركة يونيون إنفسمنت: "يبدو أن هذا مبالغ فيه بعض الشيء ونواجه الآن جهدا منسقا من جانب صناع السياسة في البنك المركزي الأوروبي للضغط ضد التخفيضات الضمنية لأسعار الفائدة في السوق".
والبنك المركزي الأوروبي ليس وحده. فقد حذر أندرو بيلي، محافظ بنك إنجلترا، الأربعاء من أنه "من السابق لأوانه التفكير في تخفيضات أسعار الفائدة، بعد أيام من تصريح كبير الاقتصاديين لديه هوو بيل بأنه من المعقول للأسواق أن تتوقع انخفاض أسعار الفائدة بدءا من منتصف العام المقبل.
أخبر جيروم باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي، الخميس الأسواق ألا "تنخدع" بالبيانات الجيدة عن الأسعار، ما أثار عمليات بيع في أسواق السندات، ما أدى إلى ارتفاع عوائد سندات الخزانة لأجل عشرة أعوام بنسبة 0.08 نقطة مئوية هذا الأسبوع. وارتفعت عوائد السندات الألمانية، المؤشر القياسي لمنطقة اليورو، بنسبة 0.1 نقطة مئوية منذ الإثنين.
ويقول بعض المحللين: إن تعليقات باول المتشددة تشير إلى أن الاحتياطي الفيدرالي يفضل تشديد الأوضاع المالية عبر ارتفاع عوائد سندات الخزانة وليس زيادة أسعار الفائدة.
لكن هذا يوجد معضلة للاحتياطي الفيدرالي، لأن أي إشارة إلى أن العوائد المرتفعة تقوم بمهمة خفض التضخم قد تدفع المستثمرين إلى شراء السندات تحسبا لانخفاض أسعار الفائدة. وهذا الانخفاض في العوائد ينفي ما كان يحاول البنك المركزي تحقيقه.
قال بنجامين بيكتون، كبير استراتيجيي الاقتصاد الكلي في بنك رابوبنك: "إن شراء السندات أملا في إنهاء الاحتياطي الفيدرالي لدورة التشديد، لأن عوائد السندات المرتفعة هي التي أدت إلى تشديد السياسة النقدية، هو استراتيجية مدمرة للذات".
وبينما تحاول الأسواق ومحافظو البنوك المركزية تخمين تحركات بعضهم بعضا، قد يبدأ انخفاض العوائد في تخفيف شروط الائتمان للشركات التي تم تشديدها بسبب ارتفاع أسعار الفائدة.
قبل عمليات البيع المكثفة الخميس، ساعد الانخفاض السريع في العوائد القياسية على خفض تكاليف الاقتراض بالنسبة للشركات الأمريكية المحفوفة بالمخاطر. يبلغ متوسط العائد على السندات الأمريكية غير المرغوب فيها الآن نحو 9 في المائة، وفقا لبيانات مؤشر بنك أوف أميركا، بانخفاض عن أكثر من 9.5 في المائة قبل ثلاثة أسابيع فقط.
ويشعر بعض المستثمرين بالقلق من أن البنوك المركزية تريد رؤية مزيد من الأدلة على تأثير الزيادات المستمرة في أسعار الفائدة قبل الإعلان عن انتهاء دورة التشديد، خاصة وأن الأمر يستغرق عدة أشهر حتى يؤثر في اقتصاداتها.
وما يزيد المشكلة تعقيدا بالنسبة لصناع السياسات أن معنويات السوق وشروط الإقراض الأساسية قد تتباين. وأظهر أحدث استطلاع لآراء كبار مسؤولي القروض الذي أجراه الاحتياطي الفيدرالي أن "الأغلبية الكبرى من البنوك أبلغت عن تشديد معايير القروض التجارية والصناعية للشركات من جميع الأحجام" خلال الربع الثالث من عام 2023.
وستعطي بيانات التضخم التي ستصدر الأسبوع المقبل في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أحدث إشارة إلى مدى بدء السياسة المتشددة في التأثير.
وقال مارك داودينج، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة بلوباي للدخل الثابت، إن القراءة الأمريكية قد تكون أقوى مما تتوقع السوق. وقال: "نواصل العمل في بيئة من عدم اليقين الكلي، ويبدو أنه لا يزال هناك كثير من الأمور قبل انتهاء عام 2023".
لكن مع انخفاض أرقام التضخم، من المرجح أن تنمو القناعة بأن أسعار الفائدة قد بلغت ذروتها، ما يشجع السوق على توقع تخفيضات في أسعار الفائدة، ما يزيد من صعوبة تصديق محافظي البنوك المركزية.
إن "بيئة الإقبال على المخاطرة" الأخيرة في الأسواق وما يقابلها من تخفيف للأوضاع المالية "ليست بالأمر الجيد من وجهة نظر الاحتياطي الفيدرالي، ولهذا السبب أعتقد أننا حصلنا على تلك اللغة المتشددة من باول الخميس حول حقيقة أن الاحتياطي الفيدرالي غير مقتنع بأنه نجح في القضاء على التضخم في مراحله المبكرة"، كما قالت كريستينا هوبر، كبيرة استراتيجيي الأسواق العالمية في شركة إنفيسكو.
وأضافت هوبر: "سنحصل على مزيد من التصريحات المتشددة من الاحتياطي الفيدرالي. لكنها تمثيلية للغاية".

الأكثر قراءة