فرار جماعي من الصناديق المتداولة في سندات الشركات
سحب مستثمرون مبالغ قياسية من الصناديق المتداولة في سندات الشركات وضخوا الأموال في سندات حكومية منخفضة المخاطر الشهر الماضي حيث ارتفعت أسعار فائدة الإقراض القياسية إلى أعلى مستوياتها منذ 16 عاما.
تسرب من صناديق الاستثمار المتداولة في سندات الشركات صافي قدره 9.4 مليار دولار في أكتوبر، وفقا لبيانات من شركة بلاك روك لإدارة الأصول، متجاوزة الرقم القياسي السابق البالغ 9.2 مليار دولار في يونيو من العام الماضي، عندما أثارت بيانات التضخم الأمريكية القوية مخاوف من ارتفاعات قاسية في أسعار الفائدة.
في المقابل، اجتذبت صناديق الاستثمار المتداولة في السندات الحكومية 30.4 مليار دولار، أي ما يقارب ضعف المستوى في سبتمبر، مع توجه كل هذه الأموال تقريبا إلى صناديق سندات الخزانة الأمريكية.
جاء التحول في التدفق مع ارتفاع عائدات السندات الحكومية الأمريكية وأسعار الإقراض في أكتوبر وسط توقعات بأن الاحتياطي الفيدرالي سيبقي الفائدة أعلى فترة أطول للقضاء على التضخم.
وصل سعر فائدة الإقراض الرئيس في الولايات المتحدة، معدل التمويل اليومي المضمون "سوفر"، إلى 5.3 في المائة الشهر الماضي، وهو أعلى مستوى منذ ارتفاع سلفه "ليبور"، سعر الفائدة بين بنوك لندن، قبل الأزمة المالية.
قال نيت جيراسي، رئيس شركة الاستشارة المالية ذا إ تي إف ستور: "إن مغير الوضع هو سعر فائدة لإقراض قصير الأجل وخال من المخاطر يزيد على 5 في المائة".
"تزداد فئة من المستثمرين قلقا إزاء حدوث تباطؤ محتمل في الاقتصاد، الذي سيوسع فروق الائتمان. هؤلاء المستثمرون مطمئنون تماما لمجرد البقاء في صناديق الاستثمار المتداولة في سندات الخزانة الأمريكية قصيرة الأجل التي تحقق عائدا يزيد على 5 في المائة وتقليل مخاطر ائتمان الشركات أو حتى تجنبها".
"الفائض من الائتمان ليس أهم من تضييق فروق الأسعار الآخذة في الاتساع".
"امتدت موجة البيع عبر سوق سندات الشركات. شهدت صناديق الاستثمار المتداولة في السندات ذات العائد المرتفع تدفقات خارجة بقيمة 4.8 مليار دولار، وفقا لشركة بلاك روك. تحمل صندوق أي شيرز آيبوكس لسندات الشركات ذات العائد المرتفع وصندوق سبايدر بلومبيرج للسندات عالية العائد العبء الأكبر، مع تدفقات خارجة بلغت 2.8 و1.6 مليار دولار، على التوالي، وفقا لبيانات شركة فيتافي.
لكن صناديق الاستثمار المتداولة ذات المخاطر المنخفضة لم تكن في مأمن، إذ شهدت تدفقات خارجة بلغت 4.6 مليار دولار - أكبر تراجع لها على الإطلاق باستثناء انهيار كوفيد في مارس 2020 - ويمثل صندوق "فانجارد" لسندات الشركات قصيرة الأجل 1.9 مليار دولار منها.
قال تود روزنبلوث، رئيس الأبحاث في فيتافي الاستشارية: "لقد شهدنا ارتفاعا في عائدات السندات وتوقعات بأن ارتفاع أسعار الفائدة فترة أطول سيكون حقيقة واقعة في 2024، وقلل المستثمرون من بعض انكشافهم على المخاطر".
قال كريم شديد، رئيس استراتيجية الاستثمار في ذراع أي شيرز التابعة لـ"بلاك روك" في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا: "نشهد بيئة نمو منخفض في الولايات المتحدة. وربما نشهد ركودا في أوروبا. نحن في بيئة سيطلب فيها المستثمرون مزيدا من علاوة المخاطر لامتلاك ائتمان. التقييمات ليست رخيصة وهذا ما يحفز بعض التخفيف من المخاطر".
يعتقد جيراسي أنه قد نرى مزيدا من التخفيف من المخاطر في المستقبل إذا ظلت عوائد سندات الخزانة مرتفعة وفقا للمعايير الأخيرة.
"يتخذ مستثمرو السندات موقفا أكثر حذرا عموما في الوقت الحالي، في تناقض صارخ مع السلوك الجريء في البحث عن العائد الذي شهدناه قبل عدة أعوام. ما دامت العوائد الخالية من المخاطر مرتفعة، لا أتوقع أن يتغير هذا السلوك الأخير تغيرا ملموسا عما قريب"، كما قال جيراسي.
لكن، عزا آدم جولد، الرئيس العالمي للأسهم في منصة تريدويب، وهي سوق إلكترونية، معظم عمليات البيع إلى تقلبات العوائد العالية جدا في أكتوبر، وهو أمر قد لا يتكرر، فضلا عن احتمال حدوث عمليات بيع موسمية من أجل تقليل الضرائب في الولايات المتحدة.
قال: "بالنظر إلى العام العصيب الذي مرت به كثير من سندات الشركات، قد يقدم الناس على تقليل الضرائب".
لكن التدفقات الداخلة زادت في سوق سندات الخزانة. في الأشهر الأخيرة، ولى المستثمرون تركيزا خاصا على السندات قصيرة الأجل، لكن في أكتوبر كانت السندات طويلة الأجل تحظى بشعبية كبيرة، مسجلة صافي تدفقات يبلغ 10.4 مليار دولار، مقابل 12.6 مليار دولار للسندات قصيرة الأجل.
انعكس ذلك في صندوقين من صناديق الاستثمار المتداولة للدخل الثابت الأكثر شعبية في أكتوبر، صندوق سبايدر بلومبيرج لسندات الخزانة المتبقي على استحقاقها شهر- ثلاثة أشهر، وصندوق أي شيرز لسندات الخزانة لأجل يزيد على 20 عاما، اللذين اجتذبا ستة مليارات دولار و2.9 مليار دولار على التوالي، حسبما قال روزنبلوث. في سمة بارزة لهذا العصر، برز أيضا صندوق متداول مدار بنشاط، صندوق بيمكو المعزز قصير الأجل النشط، بجذبه 1.1 مليار دولار، وفقا لبيانات "فيتافي".
يعتقد جيراسي أن التدفقات إلى صناديق الاستثمار المتداولة في سندات الخزانة طويلة الأجل "تشمل تحوط المستثمرين ضد عجز الفيدرالي الأمريكي عن تنظيم هبوط سلس، ما سيؤدي إلى انخفاض نهاية منحنى العائد - سندات لأجل عشرة أعوام فأكثر".
قال شديد إن "بلاك روك" اتخذت قرارها التكتيكي بتقليل انكشافها في الأجل بالنظر إلى تدفقات المستثمرين.
لكن الأسواق الناشئة لم تحظ بشعبية في أكتوبر. شهدت صناديق المؤشرات المتداولة في سندات الأسواق الناشئة عمليات بيع بلغت 3.2 مليار دولار، أكبر تدفق خارج منها منذ عام، في حين تسرب من صناديق المؤشرات المتداولة في أسهم الأسواق الناشئة 1.7 مليار دولار، وهو أول صافي تدفق خارجي لها منذ منتصف 2021.
قال شديد إن المعنويات تجاه الأسواق الناشئة تضررت بسبب قوة الدولار الأمريكي الذي ارتفع 6 في المائة منذ يوليو. طالما أظهر الدولار وأصول الأسواق الناشئة علاقة سلبية.
علاوة على ذلك، "إذا كان المستثمرون يجدون فرصا جيدة في الأسواق المتقدمة، ففي عالم فيه غالب ومغلوب، من المرجح أن يؤدي ذلك إلى إضعاف جاذبية الأسواق الناشئة.
قال روزنبلوث إن 2.2 مليار دولار سحبت من صندوق أي شيرز إم إس سي أي المتداول في الأسواق الناشئة و1.2 مليار دولار من صندوق أي شيرز جيه بي مورجان للسندات المقومة بالدولار في الأسواق الناشئة، وهو أمر عزاه إلى أكتوبر لكونه "شهر عقلية تجنب المخاطرة".
مع ذلك، أشار إلى أن إحدى النقاط المضيئة كان صندوق أي شيرز إم إس سي أي المتداول في الأسواق الناشئة باستثناء الصين الذي حصل على 1.6 مليار دولار، وهو مبلغ كبير لصندوق يدير حتى الآن 7.2 مليار دولار فقط من الأصول.
وقال روزنبلوث "لبعض المستثمرين إنها حالة مثل دعونا نذهب إلى حيث الأسس أقوى ونتخلص من الصين التي كانت ضعيفة الأداء".
نقطة مضيئة أخرى كانت صناديق الاستثمار المتداولة في الأسهم اليابانية، التي حصلت على 3.7 مليار دولار على غير العادة، معظمها من مستثمرين محليين.
قال شديد "لهذا محرك هيكلي رئيس. لقد وصل التضخم إلى اليابان. وهذا يقود تحولا في ثقافة الاستثمار: ليس من السهل الاحتفاظ بالنقد عندما تشهد تضخما مرتفعا. فتستثمر في الأسهم".