أسواق النفط لن تتأثر بوقف الصادرات الإيرانية ولن ترتفع الأسعار
رغم افتتاح أسواق النفط بزيادة نحو دولار على سعر البرميل يوم الإثنين الماضي، وذلك في ردة فعل سريعة على قرار عطلة نهاية الأسبوع الأسبق بإحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن والتخوف من رد فعل إيراني يؤثر في الإمدادات، إلا أن الأسعار تراجعت في اليوم التالي، مستوعبة من ناحية حقيقة أن هناك فترة شهر قبل بلورة الخيارات، ولتشير وبوضوح إلى أن القرار لن يؤدي مباشرة إلى فرض خطوات عقابية من قبل المجلس يمكن أن ترد عليها إيران بوقف صادراتها النفطية، وهي الخطوة التي نفى أكثر من مسؤول إيراني أنهم بصدد القيام بها.
فمن ناحية هناك القناعة التي بدأت تتزايد بأن وقف الصادرات النفطية الإيرانية يمكن استيعابه، لأن كل باحث عن إمدادات نفطية سيجدها رغم أن الأسعار قد ترتفع نتيجة لخطوة مثل هذه.
وتشير القراءة الحالية إلى أنه بمزيج من اللجوء إلى المنتجين الذين لديهم قدرات إضافية للمزيد من الإنتاج وعلى رأسهم السعودية، وإلى حد ما روسيا وآخرين، والسحب من المخزون الاستراتيجي الأمريكي يمكن بسهولة التغطية على حجم الصادرات النفطية الإيرانية، فيما إذا حجبت عن السوق، ويبلغ حجمها نحو المليونين ونصف المليون برميل يوميا، وذلك كما أشارت دراسة لشركة بوتين وشركائه في نيويورك أواخر الشهر الماضي تحت عنوان: إيران على طريق التصادم. وتتزايد إمكانية التعويض عن أي وقف إيراني للصادرات مع مرور الوقت ودخول مشاريع جديدة لزيادة الطاقة الإنتاجية حيز التشغيل.
ووفقا لشركة "سوسيته جنرال" فإن لمنظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" تنشئ نحو 100 مشروع لزيادة طاقتها الإنتاجية بتكلفة 100 مليار دولار يتم تنفيذها بصورة متدرجة حتى نهاية هذا العقد ومن حقول عاملة أو تحت التطوير (انظر الجدول رقم 1).
وحسب قراءة وضع العرض والطلب، فإن معظم إن لم يكن كل هذه الطاقة ستكون عاطلة وغير مستغلة وفي شكل طاقة إنتاجية فائضة ستجد مكانا لها في السوق حال حدوث انقطاع من أحد المنتجين.
ويقدر التقرير أن حجم الإنتاج الإيراني في الوقت الحالي يبلغ 4.1 مليون برميل يوميا، وأن الاستهلاك الداخلي يستوعب 1.6 مليون منها، وأن 1.5 مليون برميل يوميا يمكن الحصول عليها من السعودية وآخرين، إلى جانب توفير المليون الأخرى من الاحتياطيات الأمريكية وغيرها، وهو ما يدفع إلى السؤال إذا كانت إيران ستستطيع الصمود في غياب العائدات النفطية والى أي مدى؟
ويشير التقرير إلى المتاعب التي يعاني منها الإنتاج النفطي الإيراني، إذ إن 60 في المائة منه يأتي من ستة حقول تجاوزت قمة قدرتها الإنتاجية، الأمر الذي يدفع في اتجاه التراجع الإنتاجي بمعدل 240 ألف إلى 300 ألف برميل سنويا.
ووفقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، التي بثت تقريرا عن إيران الشهر الماضي، فإن عائدت النفط تشكل ما بين 80 و90 في المائة من جملة العائدات، و40 إلى 50 في المائة من الإيرادات الحكومية.
ويلعب النفط دورا رئيسيا في نسبة النمو الاقتصادي، التي بلغت عام 2004 معدل 4.8 في المائة، ووصلت العام الماضي إلى 5.6 في المائة، ويخطط لها أن تبلغ هذا العام 4.8 في المائة، وذلك في الوقت الذي يقدر فيه حجم التضخم بنحو 15 في المائة سنويا.
ورغم التحسن الذي شهدته أسعار النفط خلال فترة الأعوام الماضية، إلا أن الإنفاق الحكومي كبير ولا يزال يشكل عبئا، خاصة وهناك دعم للمحروقات التهم 4.7 مليار دولار عام 2004.
وكان البرلمان الإيراني قد رفض اقتراحا برفع الدعم وقرر في أواخر العام الماضي تثبيت أسعار الوقود المحلية في المعدل الذي كانت عليه في عام 2003.
وبسبب هذه الأسعار المنخفضة فإن هناك نموا سنويا في استهلاك الجازولين يتراوح بين 8 و10 في المائة، كما وافق البرلمان على تخصيص مبلغ ثلاثة مليارات دولار خلال السنة المالية الحالية لدعم المحروقات ورفع حجم المبلغ المخصص لاستيراد المشتقات النفطية، خاصة الجازولين، إلى أربعة مليارات دولار من 2.8 مليار العام الماضي. ويعتقد أن الاستهلاك المحلي للمحروقات ينمو بنسبة تصل إلى ضعف نمو الناتج المحلي الإجمالي.
وخلال السنوات الخمس الماضية حاولت الحكومة رفع الطاقة التكريرية المحلية عبر المصافي التسع الموجودة ووصلت بها إلى 1.64 مليون برميل يوميا من 1.3 مليون، ويخطط لها أن تبلغ مليوني برميل على المدى القصير، كما يجري إعداد خطط للعمل في مصفاة للمكثفات بطاقة 240 ألف برميل يوميا والاستفادة من موارد حقل بارس الجنوبي للغاز، حيث يمكن إنتاج الجازولين وبالتالي التعويض عن حجم الوارات الضخمة من هذه المادة، الذي يمثل ثلث الاستهلاك.
ووفقا لإدارة معلومات الطاقة، فإن حجم المخزون الإيراني المؤكد من النفط يبلغ 125.8 مليار برميل في العام الماضي أو ما يمثل نسبة 10 في المائة من الاحتياطي النفطي العالمي، ولو أن وزارة النفط الإيرانية تضع حجم المخزون في حدود 132 مليارا بعد إضافة الاكتشافات الأخيرة التي تمت في كوشك والحسينية في ولاية خوزستان قرب الحدود مع العراق.
ويعود تاريخ بعض الاكتشافات إلى عام 1995، عندما حققت شركة النفط الوطنية الإيرانية اكتشافات عديدة مثل حقل دارخقين باحتياطي يبلغ 3.5 مليار برميل، وأناران باحتياطي ملياري برميل، كما تخطط لتطوير خمسة حقول قديمة في إقليم هرمز.
ولإيران نحو 60 حقلا منتجا، منها 27 فوق اليابسة و13 مغمورة (انظر الجدول رقم 2)، والخام النفطي الإيراني من النوع المتوسط وتتراوح نوعيته بين 28 و35 درجة وفق مقياس معهد البترول الأمريكي. ومع أن الإنتاج بلغ 4.1 مليون برميل، إلا أن التقرير يرى أن الطاقة الإنتاجية المستدامة، أي تلك التي يمكن الإنتاج بها لفترة ستة أشهر متصلة في حدود 4 ملايين برميل يوميا فقط، الأمر الذي يجعلها أقل من الحصة التي خصصتها لها "أوبك" بنحو 100 ألف برميل يوميا.
وتحتاج الحقول إلى عمليات صيانة مكثفة ورفع قدراتها الإنتاجية عن طريق الحقن بالغاز، وذلك حتى يمكن رفع نسبة الاستراجاع الحالية التي تتراوح بين 24 و27 في المائة إلى المعدل العالمي في حدود 35 في المائة.
يذكر أن حجم الطاقة الإنتاجية بلغ ستة ملايين برميل يوميا عام 1974، ثم تراجعت بعد ذلك لأسباب سياسية وأخرى تتعلق بضعف الطلب العالمي طوال عقدي الثمانينيات والتسعينيات.
وفي الوقت الحالي تخطط إيران لرفع طاقتها الإنتاجية إلى خمسة ملايين برميل بنهاية العقد الأول من هذا القرن، ثم إلى ثمانية ملايين عام 2015. وبما أنه بعد الثورة أصبح حصول الشركات الأجنبية على حصص في الصناعة النفطية أمرا محظورا، إلا أنه ومنذ بضع سنوات فتحت نافذة تسمح للشركات الأجنبية بالاستثمار، حيث هناك حاجة ماسة إلى الرساميل الأجنبية والتقنية.
ومن أبرز الاتفاقيات التي تم التوصل اليها ذلك الذي وقع مع كونسورتيوم ياباني بقيادة "إنبيكس" بقيمة ملياري دولار لتطوير حقل أزاداغان المكتشف عام 1999، وهو أكبر اكتشاف نفطي إيراني في غضون فترة 30 عاما، قرب الحدود مع العراق، ويعتقد أنه يحتوي على 26 مليار برميل، ولو أنه معقد جيولوجيا ويحتاج إلى خبرات وقدرات تقنية لاستخراج النفط الخام. ويأمل الكونسورتيوم في الحصول على عون من "توتال" الفرنسية أو "ستات أويل" النرويجية أو "صينوبيك" الصينية.
ويتوقع أن يبدا الحقل في الإنتاج العام المقبل، وأن يصل ذروته بإنتاج 260 ألف برميل يوميا عام 2012، ولو أنه لم يحدث تقدم يذكر حتى نهاية العام في الجوانب المالية.