الحرب والدولار والسلاح النووي المالي «1من 3»
رويدا رويدا نقترب من أول صراع عالمي في عصر ما بعد الحرب الباردة. إبان الحرب الباردة، ساعـد اثنان من العوامل اليقينية الثابتة للحفاظ على استقرار الأمور "على الرغم من خطورتهما"، الآن لم يعد لهذين العاملين وجود: توازن الرعب النووي "الدمار المتبادل المؤكد" وهيمنة الدولار الأمريكي، الذي يـنـظـر إليه على نطاق واسع على أنه سلاح نووي مالي.
كانت الـسـمة الفريدة المشتركة بين هاتين الأداتين اللتين تتمتعان بقوة مادية ومالية متفجرة أن استخدام أي منهما لم يكن واردا حقا. ذلك أن استخدام أي من الخيارين كان يعني فعليا تدمير الذات، نظرا إلى كل التأثيرات الارتدادية، والأضرار الجانبية، والعواقب غير المقصودة التي قد تترتب على ذلك. وعلى هذا، فإن القوة الكامنة فيهما كانت تجريدية أكثر من كونها ملموسة.
الآن، تغير الموقف. فلا يخلو الأمر من صراعات مستمرة، حيث قد يشعر أحد الأطراف بالإحباط إلى الحد الذي يجعله يستخدم سلاحا نوويا، كما دأب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على التهديد بأن يفعل منذ حرب أوكرانيا. وكان الدولار يـسـتـخدم بالفعل كسلاح بشكل كامل كوسيلة لنشر العقوبات المالية والحفاظ على الردع.
صحيح أن المشكلات الناجمة عن هيمنة الدولار كانت قائمة لفترة طويلة ـ طويلة إلى الحد الذي يجعل أولئك الذين يتنبأون بزواله يلقون معاملة "الصبي الذي صرخ... الذئب". في أواخر ستينيات القرن الـ20، تصدى رجل الاقتصاد روبرت مونديل، الحائز جائزة نوبل، لمن أعلنوا انحدار الدولار في عصره "وأغلبهم في فرنسا"، بإطلاق تكهن غير عادي من ثلاثة أجزاء بدا بعيد الاحتمال في ذلك الوقت. فقد توقع، على وجه التحديد، تفكك الاتحاد السوفياتي، وسعي أوروبا إلى إنشاء اتحاد نقدي، وبقاء الدولار بوصفه العملة الدولية الرائدة طوال حياته. وتبين أنه كان مـحـقا في كل ما تكهن به "توفي قبل عامين".
لكن الدولار أصبح اليوم عـرضة على نحو متزايد للاضطرابات المالية، وهو ما يتجلى بوضوح في أسواق السندات التي تدقق في الدين العام الأمريكي طويل الأجل. هذه المشكلات ذات طبيعة فنية جزئيا، بطبيعة الحال، لكنها أيضا سياسية. ففي غياب أسباب انعدام اليقين بشأن موقف أمريكا المالي في الأمد البعيد، ستظل الأسواق هادئة... يتبع.