حقيقة أمريكية صادمة .. القبول في الجامعة على أساس القرابة
وجه رئيس جامعة جونز هوبكنز، رون دانيالز، تحذيرا للعائلات الأمريكية الثرية ذات النفوذ. حيث يتوقع إلغاء واسع النطاق لنظام القبول القائم على الوراثة، وهي ممارسة مثيرة للجدل تتبعها جامعات النخبة الأمريكية التي تمنح مقاعد دراسية بشكل تفضيلي لأبناء خريجيها.
ويقول دانيالز، الذي ألغى المقاعد الدراسية القائمة على الوراثة بالكامل في جامعته عام 2020: المناقشات جارية في عدد من مجالس الإدارة في الجامعات الأمريكية الرائدة. لن يفاجئني أن أرى كثيرا من المؤسسات الأخرى تقرر أن الوقت قد حان لإنهاء هذه الممارسة التاريخية الخاطئة في نهاية العام الدراسي الحالي.
ستزعج كلماته تلك الأسر الأمريكية التي يسعى الشباب الأثرياء فيها إلى الالتحاق بالجامعات المرموقة التي درس فيها آباؤهم أو أجدادهم. وليس فقط في أمريكا. بل في مختلف أنحاء العالم، يحمل خريجو الجامعات الأمريكية من الأثرياء طموحات مشابهة لذرياتهم.
يقول دانيالز، الذي بدأ مهاجمة هذه السياسة بعد فترة وجيزة من توليه رئاسة الجامعة عام 2009: "منذ اللحظة الأولى التي تم تعييني فيها، واجهت رأيا واسع النطاق وغير خجول بشكل ملحوظ بشأن استخدام القبولات على أساس القرابة. كان من الصادم للغاية عندما رأيت إلى أي مدى لم تكن مجرد ممارسة هادئة بل جلية وصريحة".
يقول المحامي كندي المولد والبالغ من العمر 64 عاما "إنها مفارقة في هذا البلد الذي لديه التزام عميق بتكافؤ الفرص والجدارة، لكنه يدير هذا البرنامج الذي يمنح الطلاب ممن لديهم علاقات معينة ميزة كبيرة".
تنتشر المقاعد الدراسية القائمة على الوراثة على نطاق واسع، ليس فقط في كليات أيفي ليج (رابطة اللبلاب) الثمانية التاريخية، بما في ذلك جامعات هارفارد، وييل وبرينستون، لكن في العشرات من الجامعات الخاصة الأخرى وبعض الجامعات الممولة من القطاع العام، من جامعة نورث وسترن في إلينوي إلى جامعة ويليام أند ماري في فيرجينيا وستانفورد في كاليفورنيا. ينتقدها البعض بوصفها غير عادلة وتعيق الحراك الاجتماعي، ويدافع عنها آخرون كوسيلة لرعاية مجتمعات الكلية والتمويل.
وقد تم إحياء هذا النقاش من جديد بعد صدور حكم تاريخي من المحكمة العليا في يونيو الماضي: تتعرض الجامعات فجأة لضغوط غير مسبوقة بشأن سياسات القبول.
ألغى القضاة التمييز في القبول على أساس العرق، وهو ممارسة تخصيص مقاعد الدراسة للطلاب على أساس عرقهم جزئيا. ثم فتحت وزارة التعليم تحقيقا في الطلاب المستفيدين من نظام التوارث، وارتأت توجيهات الحكومة الفيدرالية أن إلغاء هذه الممارسة قد يكون واحدة من الطرق للحفاظ على تنوع الطلاب الدارسين.
وقد أدى ذلك إلى إعادة المشكلة إلى أجندة الكليات، والمتقدمين ومستشاريهم والخريجين، والناشطين على حد سواء. وقد خضعت بعض المؤسسات المرموقة: في الأشهر الأخيرة، قالت جامعات كارنيجي ميلون، وأمهيرست، ويسليان، وجامعة مينيسوتا توين سيتيز، إنها لن تأخذ نظام التوارث في الحسبان بعد الآن في عملية القبول. وتفكر جامعات أخرى، ومن بينها جامعة رايس، في هيوستن، بجدية في القيام بالشيء نفسه.
لكن الصحافي دانيال جولدن، الذي انتقد هذه الممارسة في كتابه ذا برايس أوف أدميشين (ثمن القبول) عام 2006، يرى أن هناك مقاومة مستمرة للإصلاح. "في الواقع - حتى هذه الأشهر القليلة الماضية - أصبحت ميزة الإرث أكبر. إن قبول شخص ما على أساس هوية والديه وليس على أساس الجدارة لا يحظى بشعبية لدى عامة الناس وينظر إليه على أنه أمر غير أمريكي. لكن لم تكن هناك أبدا أي رغبة سياسية حقيقية لتغيير هذا".
ويضيف جولدن: "إنها لعبة مشتركة بين الحزبين، مع وجود مؤسسة في مجلس الشيوخ الذين هم أنفسهم أو أبناؤهم استفادوا من نظام التوارث. لا يريدون تغيير النظام". ويستشهد بأمثلة من دونالد ترمب، الذي تبعته ابنته إيفانكا إلى جامعة وارتون، وآل جور، نائب الرئيس الديمقراطي السابق، الذي درس أبناؤه الأربعة في جامعة هارفارد مثله.
وفي غياب البيانات المؤكدة، هيمنت الأمثلة المتناقلة مثل هذه على النقاش الدائر حول تأثير نظام التوارث. لقد قامت الجامعات بإخفاء المعلومات حول كيفية عمل هذا النظام وانتشاره بالضبط. فقد رفضت جامعة هارفارد مناقشة عمليات القبول الخاصة بها من أجل هذا المقال - حتى بعبارات عامة.
لكن رؤى جديدة جاءت من الدعاوى القضائية التي أدت إلى حكم المحكمة العليا. تبين عبر الاكتشاف القانوني عن مدى انتشار هذه الممارسة: خلال الفترة من 2014 إلى 2019، تم قبول ثلث الطلاب المستفيدين من الإرث الذين تقدموا لجامعة هارفارد - نحو ستة أضعاف معدل المتقدمين غير المستفيدين من الإرث. وشكلوا 14 في المائة من إجمالي الطلاب المقبولين، عند دمجهم مع الفئات ذات الصلة من الرياضيين، وأقارب المانحين وأعضاء هيئة التدريس، فقد شكلوا ثلث إجمالي العام الدراسي.
ويقول بيتر أرسيدياكونو، أستاذ الاقتصاد في جامعة ديوك الذي قام بتحليل البيانات: "التفضيل كبير حقا. قد يكون الأمر مختلفا لو كان "نظام التوارث" عاملا في قبول الطلاب ذوي الفرص المتساوية، لكنه ليس قريبا من ذلك حتى. أنت تمنح المزايا للأشخاص الذين يتمتعون بمزايا أصلا".
وكان الأمر الأقل وضوحا هو الرابط الدقيق بين التبرعات، والطلاب المستفيدين من الإرث والقبول. لكن ليس هناك شك في أن جمع التبرعات أمر محوري بالنسبة إلى جامعات النخبة، التي تعمل على ترسيخ خريجيها بوصفهم مانحين رئيسين. ومن الأمثلة الصارخة على ذلك جامعة دانيالز نفسه، جونز هوبكنز، حيث قدم طالبها السابق الملياردير مايكل بلومبيرج 1.8 مليار دولار لدعم وصول الطلاب بغض النظر عن خلفياتهم "لم تلتحق بناته بالجامعة التي تخرج منها".
وفي العام الماضي، حققت الجامعات الأمريكية مجتمعة مبلغا مذهلا قدره 60 مليار دولار من التبرعات، بما في ذلك ربع المبلغ تقريبا من الخريجين، وفق دراسة أجراها مجلس تطوير ودعم التعليم. كان نحو 90 في المائة من المنح التي قدمها الطلاب السابقون من أولئك الذين تخرجوا منذ أكثر من 21 عاما.
كما سلطت الدعاوى القضائية الضوء على الأصل القبيح للطلاب المستفيدين من الإرث. لقد تم تقديمهم في منتصف عشرينيات القرن الماضي من قبل رئيس جامعة هارفارد آنذاك، لورانس لويل، لمعالجة ما أسماه "المشكلة اليهودية". كانت النخبة البروتستانتية من الذكور البيض التي هيمنت على الطلاب المقبولين قبل قرن من الزمان، تحت تهديد واضح من عدد متزايد من المتقدمين اليهود المؤهلين للقبول.
عبر إدخال متطلبات للمتقدمين لتقديم خطابات الطلب، والمعرفين، وذكر دينهم وإجراء مقابلات معهم، أضافت جامعة هارفارد سلطة تقديرية كبيرة لعملية الاختيار الخاصة بها. وانخفضت نسبة اليهود من أكثر من 25 إلى 15 في المائة خلال العقد التالي.
واليوم، تؤكد كثير من العائلات المستفيدة من الإرث على القيم المشتركة مع جامعتهم الأم بدلا من السعي للحصول على ميزة خاصة. يقول جيمي بيتون، رئيس الخدمة الاستشارية الجامعية في مؤسسة كريمزون إيديوكيشين "أرى كثيرا من الطلاب الذين يتقدمون إلى الجامعات نفسها التي يتقدم إليها آباؤهم. وذلك يزيد من احتمال قبولهم ويعكس إحساسا بالتقاليد وروابط الأجيال بالمؤسسة".
توافقه سالي (اسم مستعار) الرأي. ولأن ابنها طالب مستفيد من الإرث الآن في جامعة هارفارد، حيث درست هي وزوجها والتقيا، فلا تريد الكشف عن هويتها. وتقول "لقد كانت تجربة غيرت حياتي، فهي المرة الأولى التي أوجد فيها في بيئة يحب الناس التعلم فيها حقا. هذا ما أردت أن أنقله إلى ابني".
"ينبغي أن تكون الجدارة المعيار الأساسي، لكن في حالة وجود اثنين من المتقدمين المؤهلين بالقدر نفسه، ليس هناك شيء غير أخلاقي أخذ الإرث في الحسبان وجعلهم يحصلون على ميزة صغيرة. الأغلبية العظمى من الذين عرفتهم كانوا مؤهلين بشكل استثنائي، ولديهم فهم فريد لما يعنيه الاندماج في تلك الجامعة بالذات، وكيف يوجد ذلك قاعدة خريجين أكثر تفاعلا تمضي قدما".
ديفيد يون، وهو ابن لاثنين من المهاجرين الكوريين الذين لم يكن لديهما أي صلة بأحد مستفيد من الإرث، يشاركها هذا الشعور بالولاء. لقد درس في جامعتي هارفارد وستانفورد، والتقى بزوجته عبر شبكة خريجي جامعة ستانفورد: لقد بدأ بالفعل التفكير في طلبات الالتحاق بالجامعة لابنه البالغ من العمر عشرة أعوام.
يقول: "أنا مدين لستانفورد بكل شيء. الجامعة هي مجتمع من الناس أعتقد أنه بالنسبة إلى الخريجين النشطين الذين يردون الجميل للجامعة، ليس فقط من الناحية المالية لكن من حيث الوقت والجهد، ينبغي أن يكون هناك بعض التقدير لهم. على أمل، عندما يتقدم ابني، أن ينعكس ذلك على طلبه. ليس كميزة معطاة مسبقا وغير مكتسبة، لكن إذا كان مرشحا مستعدا جيدا، نأمل أن يكون بمنزلة عامل في قبول ابنه بفرصة متساوية".
وازدادت المنافسة على المقاعد مع عرض جامعات، مثل دارتماوث من أيفوري ليج، قبولا "أعمى" للمتقدمين العالميين بغض النظر عن قدرتهم على الدفع. لكن من عجيب المفارقات أن الميزة النسبية لمقاعد الدراسة القائمة على الإرث ترتفع، لأن المنافسة على هذه المقاعد لا تزيد بالضرورة بقدر الطلب المتزايد على مقاعد الدراسة غير القائمة على الإرث.
يقول كريس هاثاواي، رئيس شركة أدفانتج أيفي توترينغ، إن نظام الاستفادة من الإرث يظل مهما لمساعدة عملائه في الحصول على القبول في الجامعات التي يتقدمون إليها. "إذا كانت هناك ميزة نسبية أخلاقية وقانونية، فسنستخدمها".
وعلى المدى الطويل، تشعر الجامعات بالقلق من أن يؤدي إلغاء نظام الاستفادة من الإرث إلى تقويض عملية جمع التبرعات. يقول جوناثان مير، أستاذ الاقتصاد في جامعة تكساس إيه آند إم، الذي درس الموضوع "من الصعب أن نقول بجدية إن التبرعات لن تساعد على قبول ابنك، رغم أنه لا يمكننا أن نحدد لأي مدى".
ويحذر ألين كوه، رئيس كاردينال إيدوكيشين، خدمة استشارات جامعية، من أنه كان هناك بالفعل تأثير سلبي في التمويل، حيث يسعى مسؤولو القبول إلى قطع الرابط بين التبرعات وطلبات التقديم. "العشرات من الأشخاص لديهم مبالغ من ثمانية خانات. ويحجبونها عن الجامعات، ووجهة نظرهم هي أنه "إذا كانوا لا يهتمون بي، فمن الأفضل أن أعطي الأموال لقضية أخرى".
لكن مات ماكغان، عميد القبول في جامعة أمهرست، التي شهدت انخفاض حصتها من الطلاب المستفيدين من الإرث إلى النصف إلى 6 في المائة هذا العام منذ إلغاء أي تفضيل، يقول إن الرأي بين الخريجين كان "مختلطا"، مع وجود عدد "سعيد جدا باستمرار جامعة أمهرست في لعب دور قيادي". ويقول إن التبرعات لا تزال تتماشى مع احتفاظ الجامعات الأخرى بطلابها المستفيدين من الإرث.
ومع ذلك، يرى البعض أن أقوى حجة لعدم إلغاء نظام الاستفادة من الإرث هي أن ذلك لن يغير أي شيء أو يؤدي إلى قبولات أكثر تنوعا. سيلتحق كثير من أبناء الخريجين على أي حال، بالنظر إلى جميع المزايا الأخرى لخلفياتهم.
يقول إيليا ماكجيل، وهو طالب في جامعة هارفارد درس والداه وأحد أجداده هناك أيضا: "لست من محبي الاستفادة من الإرث، لكنني ربما استفدت منه. لقد حصلت على مزايا في هذه العملية بالفعل: والدان يقدران التعليم حقا وكرسا كثيرا من الوقت لتعليمي عندما كنت طفلا. كانا يعرفان كيف تتم عملية القبول. لقد حصلت على ردود فعل على طلب التحاقي. سيكون بمقدور كثير من أبناء الخريجين الاستفادة من مزاياهم الخاصة".
على سبيل المثال، يشير ديفيد ديمينج، الاقتصادي في جامعة هارفارد، إلى أن فريق أوبورتونتي إنسايتس التابع للجامعة أظهر أخيرا أن أغنى الطلاب المستفيدين من الإرث (في أعلى 0.1 في المائة من دخل الأسرة الأمريكية) كانوا أكثر احتمالا للقبول بسبع مرات من المتقدمين غير المستفيدين من الإرث الحاصلين على درجات القبول الجامعي نفسها (سات) في جامعات النخبة الـ12 الرائدة في البلد.
لكنه يعترف "إذا كانت المشكلة تكمن في تركز الطلاب ذوي الدخل المرتفع للغاية في الحرم الجامعي، فلا أعتقد أن التخلص من الطلاب المستفيدين من الإرث من شأنه أن يغير ذلك. ليس جميع الطلاب المستفيدين من الإرث ذوي دخل مرتفع، ومعظم الطلاب ذوي الدخل المرتفع ليسوا مستفيدين من الإرث. لقد أصبح الأمر منتقدا لأنه واضح جدا، ويعده الناس مهينا".
ويرى أن أفضل الطرق لتعزيز الجدارة هي زيادة العدد الإجمالي للطلاب المقبولين، أو وضع معيار ثابت للامتحان ثم الاختيار عشوائيا من بين الطلاب الذين نجحوا فيه.
وفي وقت تتزايد فيه الشكوك العامة حول التعليم العالي في مجتمع متزايد الشعبوية والاستقطاب، فإن الدور المستمر الذي يلعبه الطلاب المستفيدون من نظام التوارث من شأنه أن يؤدي إلى تأجيج مزيد من التوتر.
يمكن أن يؤدي التحقيق الذي تجريه وزارة التعليم الأمريكية، الذي يركز على جامعة هارفارد، إلى مطالبة الكلية بإلغاء القبول على أساس القرابة أو مواجهة التقاضي والعقوبة النهائية المتمثلة في سحب كل التمويل الفيدرالي: وقد يشكل هذا سابقة للمؤسسات. أيا كانت النتيجة، فإن الرأي العام يتحول بقوة ضد هذه الممارسة.
يقول دانيالز من جامعة جونز هوبكنز: "فكرة بناء مجتمع حول الانتماء بين الأجيال فكرة معيبة. إننا نوجد إحساسا مجتمعيا قويا حقا استنادا إلى مزايا، ونقاط قوة وتطلعات كل عام دراسي تلتحق به. إن الاستخدام المستمر لأنظمة الاستفادة من الإرث لا يمكن إلا أن يؤدي إلى استنزاف الدعم والثقة بدور الجامعات في دعم المثل الأساسية للديمقراطية".