الحوسبة الكمومية .. هل حان وقت الجدية بشأنها؟
إن النكتة القديمة القائلة إن الحوسبة الكمومية هي تكنولوجيا المستقبل - وستظل كذلك إلى الأبد - لم تعد مضحكة بعد الآن.
إن التحديات الهندسية لبناء حاسوب كمي قوي بما يكفي للوفاء بوعده النظري الاستثنائي لا تزال هائلة. لكن النماذج الأولية المبكرة تتطور بسرعة وقد يأتي المستقبل بشكل أسرع مما كان متوقعا. يجب على كل هيئة غنية بالبيانات أن تبدأ التفكير في كيفية الانتقال إلى عالم كمي، حيث من المقرر أن يصدر المعهد الوطني الأمريكي للمعايير والتكنولوجيا معايير التشفير لحقبة ما بعد الكم في العام المقبل.
تعمل أجهزة الحاسوب الكمومية، التي تستغل السلوك المخيف لفيزياء دون الذرية، بطريقة مختلفة عن أجهزة الحاسوب التقليدية، وهو ما يؤدي إلى توسيع مجموعة الحلول الممكنة لعديد من المشكلات. تقوم بعض الشركات حاليا باستكشاف إمكانات الأساليب الهجينة، حيث تجمع بين القدرات الحالية لأجهزة الحاسوب الكمومية البدائية وأشباهها الكلاسيكية لتحسين لوجستيات الموانئ، وجداول شركات الطيران، وتوصيل طلبات البقالة، وبرمجة الإعلانات التلفزيونية، مثلا.
يقول آلان باراتز، الرئيس التنفيذي لشركة دي وايف، وهي شركة حوسبة كمومية أمريكية: "لقد أصبحت الكمومية حقيقية اليوم".
لكن التهديدات الخطيرة للحوسبة الكمومية قد تظهر بشكل أسرع من إمكاناتها. حيث يحذر خبراء الأمن من مخاطر "كيو داي"، وهو عندما قد يتمكن الحاسوب الكمي من اختراق نظام التشفير آر إس أيه، الذي تستخدمه شركات التكنولوجيا والبنوك والحكومات في بياناتها على نطاق واسع.
في وقت سابق من هذا الشهر، حذر رؤساء وكالة الاستخبارات "العيون الخمس" التي شمل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، من مخاطر أنشطة الصين في الحوسبة الكمومية والذكاء الاصطناعي وعلم الأحياء التركيبي. قال كين ماكالوم، المدير العام لجهاز الاستخبارات البريطاني إم أي 5: "إذا كنت قريبا من أحدث التكنولوجيات، فقد لا تكون مهتما بالجغرافيا السياسية، لكن الجغرافيا السياسية مهتمة بك".
منذ 1994، عندما كتب عالم الرياضيات بيتر شور خوارزمية يمكن تشغيلها على حاسوب كمي لم يتم اختراعه بعد لاختراق نظام آر إس أيه، شعر خبراء الأمن بالقلق بشأن الأسرار الرقمية للعالم. وقد يستغرق الأمر عقدا آخر (أو أكثر) قبل أن يصبح لدينا جهاز حاسوب كمي مستقر بما يكفي لتشغيل خوارزمية شور، لكن لا يمكننا أبدا التأكد متى سيأتي ذلك اليوم.
مع ذلك، يعد هذا المجال واحدا من تلك المجالات التكنولوجية النادرة، حين الحل يتوقع المشكلة. منذ 2016، كان المعهد الوطني الأمريكي يقوم بطلب وتقييم التشفير المضاد للكم. وسيصدر أربعة معايير معتمدة في العام المقبل، سيتم تبديلها بعد ذلك من قبل الوكالات الأخرى حول العالم.
ووفقا لإلهام كاشفي، كبيرة العلماء في المركز الوطني للحوسبة الكمومية في المملكة المتحدة، سيكون الأمر "مقلقا للغاية" إذا كانت أي منظمة تحتفظ ببيانات حساسة غير متأهبة فعلا للتهديد الذي يشكله "كيو داي". وقالت في قمة سيفتيد في وقت سابق من هذا الشهر: "ينبغي أن تشعروا بالقلق الشديد".
قالت كاشفي إن أحد المخاوف هو أن يستطيع الخصوم تسخير البيانات اليوم وفك تشفيرها لاحقا عندما تكون أجهزة الحاسوب الكمومية قد تطورت. قد لا يكون ذلك مهما إذا كانت البيانات القديمة المخترقة عبارة عن سجلات مبيعات يومية للسوبرماركت. ولكن الأمر سيكون مختلفا إذا كانت البيانات تحتوي على سجلات صحية أو معلومات شخصية حساسة.
سيستغرق التحول من نظام تشفير إلى آخر عبر آلاف مؤلفة من المؤسسات أعواما لتنفيذه. ولهذا السبب يحث خبراء الإنترنت الشركات على بدء التفكير الآن في كيفية تبني معيار التشفير المعتمد من المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا.
إن الانتقال إلى عالم مقاوم للكم سيكون بمنزلة مكسب لبعض شركات الأمن السيبراني. هذا ما تأمله شركة بي كيو شيلد، وهي شركة ناشئة مقرها أكسفورد عقدت أخيرا مؤتمرا للخبراء لدراسة ما إذا كانت المسودات الرياضية للمعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا تستطيع العمل في عالم الأجهزة "السيئ". والخبر السار، وفقا لعلي القعفراني، مؤسس شركة بي كيو شيلد، هو أنها تستطيع.
قال لي: "هل هناك حل أمني مثالي على الإطلاق؟ لا. إنه غير موجود أبدا. لكن وجهة نظري الشخصية هي أن هذه المخططات آمنة جدا وقوية ومن الصعب جدا اختراقها سواء على جهاز حاسوب كلاسيكي أو كمي".
عندما تحدثت مع شور في وقت سابق من هذا العام، توقع أن الحاسوب الكمي اللازم لتشغيل خوارزميته ربما لا يزال على بعد عدة عقود من الزمن. لكن في هذه الأثناء، قام بتأليف قصيدة لشرح اللغز الكمي:
"إذا كانت أجهزة الحاسوب التي تقوم ببنائها كمية،
فسيبتغيها الجواسيس من جميع الفصائل.
ستفشل جميع رموزنا.
سيقرأون جميع رسائل بريدنا الإلكتروني.
إلى أن نحصل على التشفير الكمي، ونخيفهم بقوته".