صناعة السيارات الأمريكية تتخارج من موطنها .. التحرك جنوبا
تجري المعركة من أجل مستقبل السيارات في أمريكا الآن في أماكن مثل مزرعة القطن في بلدة فلورنسا الصغيرة في ولاية كارولينا الجنوبية، حيث تقوم الحفارات الصفراء والحمراء كل يوم باستخراج ما يكفي من التراب والحجارة لدفن ملعب كرة قدم كامل تحت خمس أقدام من التراب.
في ديسمبر الماضي، أعلنت إنفجين أيه أي إس سي، وهي شركة تصنيع يابانية، أنها ستستثمر 810 ملايين دولار لتجميع خلايا بطاريات أيون الليثيوم في فلورنسا، وهي مركز للسكك الحديدية كانت تهيمن عليه الصناعة الزراعية في الولاية ذات يوم. وسيتم استخدام البطاريات في مصنع المركبات الكهربائية التابع لشركة بي إم دبليو، الذي يقع على بعد 160 ميلا على الطريق في سبارتانبورغ.
يقول جريج روبنسون، رئيس شركة التنمية الاقتصادية في مقاطعة فلورنسا: "إننا نستولي على الحقول ونحولها إلى تصنيع". توجد جرافة فضية لامعة من حفل افتتاح المصنع تقف كالنصب التذكاري في مكتبه. "هذا تغيير أجيال".
وتنتشر الآن مشاريع مثل ذلك المشروع المقام في فلورنسا في جنوب شرق الولايات المتحدة، التي أصبحت على نحو متزايد المنطقة المفضلة لمصنعي السيارات والبطاريات الأجانب الذين يتطلعون إلى تأسيس موطئ قدم في سوق السيارات الكهربائية الأمريكية سريعة النمو.
كان نزيف صناعة السيارات الأمريكية خارج موطنها التقليدي في ديترويت يجري منذ عقود من الزمن، حيث ساعد المصنعون الأوروبيون واليابانيون على قيادة هذا التحول. وإضافة إلى اختيار شركة بي إم دبليو لمدينة سبارتانبورغ، افتتحت شركة مرسيدس أكبر مصنع لها في أمريكا الشمالية في توسكالوسا في ولاية ألاباما، واختارت شركة تويوتا جورج تاون في ولاية كنتاكي.
لكن هذا التحول قد ذهب إلى أبعد من الحد في الأعوام الأخيرة حيث أدت أكبر شركات صناعة السيارات في العالم - وحفنة من المنافسين الصغار - بازدهار صناعة البطاريات والمركبات الكهربائية عبر الجنوب العميق. وقد ساعدت الإعفاءات الضريبية الضخمة والإعانات الخضراء في قانون الحد من التضخم الذي أقرته إدارة بايدن على تغذية هذا الاتجاه.
ومنذ 2010، تم استثمار أكثر من 70 مليار دولار في تصنيع المركبات الكهربائية والبطاريات في المنطقة، مقارنة بـ51 مليار دولار في الغرب الأوسط. ولا تزال ولاية ميشيجان في المقدمة بنحو 24 مليار دولار، وفقا لإي في جوبز هب، لكن جورجيا وتينيسي تقتربان منها.
يقول كريستوفر تشونج، رئيس التنمية الاقتصادية في ولاية كارولينا الشمالية، حيث تقوم شركة تويوتا ببناء أكبر مصنع للبطاريات خارج اليابان: "هناك على المحك أكثر من مجرد حقوق التفاخر بالنسبة إلى المجتمعات والولايات. تحاول كل ولاية هنا في الجنوب - الشرقي أن تدعي أنها عاصمة الطاقة النظيفة أو عاصمة المركبات الكهربائية في العالم".
لكن المدافعين عن مدينة موتور سيتي (ديترويت) الحالية، والمنطقة المحيطة بها، يقولون إن الأرقام مضللة. ويشير الخبراء إلى أن المصانع الجديدة في الجنوب - الشرقي تتصدر عناوين الأخبار وتحتاج إلى مزيد من الاستثمار لأنها عبارة عن مشاريع تطوير من الصفر إلى حد كبير. في ميشيجان، وجزء كبير من الغرب الأوسط الصناعي، يمكن لشركات صناعة السيارات تحديث البنية التحتية القائمة بنفقات رأسمالية أقل.
ويقول نيك نيجرو، مؤسس شركة أطلس بابليك بوليسي الاستشارية: "إنهم يبدأون من الصفر في الجنوب. عليهم بناء مصنع، بدلا من إعادة تجهيز وتعديل مصنع".
شركة فورد مثال على ذلك. ستبدأ بناء سيارتها رفيعة المستوى إف-150 لايتنينج، وهي النسخة الكهربائية من شاحنتها البيك أب الأكثر مبيعا، في مجمع روج الذي يعود تاريخه إلى قرن من الزمان في ميشيجان.
لكن شركة فورد ليست الوحيدة بين الشركات الثلاث الكبرى التقليدية. فقد اختارت ستيلانتيس، الشركة الأم لكرايسلر، ولاية إنديانا لإنشاء مصنع بطاريات جديد في مشروع مشترك مع شركة سامسونج إس دي آي. وتخطط شركة جنرال موتورز لتصنيع شاحنات صغيرة كهربائية في أحد مصانع ميشيجان بعد إعادة تجهيزه. كما أنها اختارت الغرب الأوسط لإنشاء ثلاثة من مصانع البطاريات الأربعة المخطط لها.
وحتى مع البراعة المتنامية في الجنوب الشرقي، فإن الغرب الأوسط يظل موطنا لنحو 44 في المائة من مليون عامل في مجال صناعة السيارات في الولايات المتحدة. ويمكن للجنوب-الشرقي أن يدعي أنه موطن لما نسبته 28 في المائة فقط.
لكن المحللين والمسؤولين يعتقدون أن هذا من المرجح أن يتغير - خاصة في أعقاب الإضراب المؤلم لعمال صناعة السيارات المتحدين الذي امتد لأسابيع. لدى الولايات ذات الميول الجمهورية في الجنوب - الشرقي قوانين تجعل من الصعب على العمال تشكيل النقابات. وغيرت ميشيجان قوانين العمل الخاصة بها قبل عقد من الزمن تحت قيادة الجمهوريين لجعل الولاية أقل ترحيبا ودعما للنقابات، لكن حاكمها الديمقراطي ألغى التشريع في وقت سابق من هذا العام.
لقد نجح عمال صناعة السيارات المتحدون بالفعل في الضغط على شركة جنرال موتورز لقبول إنشاء نقابات لمصانع البطاريات الخاصة بها، دون الحاجة إلى إجراء انتخابات لكل مصنع على حدة.
ويقول بات ويلسون، مفوض التنمية الاقتصادية في جورجيا: "من المؤكد أن حقيقة حدوث هذه الإضرابات العمالية الضخمة في الولايات الاتحادية التقليدية ستفيد الولايات الجنوبية حيث تتطلع الشركات إلى النمو".
ووفقا للمؤتمر الوطني للمجالس التشريعية في الولايات، قامت 26 ولاية - معظمها في الجنوب - بسن قوانين الحق في العمل، التي تحدد أن العمال لا يحتاجون إلى دفع مستحقات النقابات حتى لو كانت إحداها تمثلهم. وينظر إلى القوانين على أنها مقياس لمدى ود الولاية تجاه أصحاب العمل، وقد ذهبت 85 في المائة من استثمارات المركبات الكهربائية والبطاريات حتى الآن إلى الولايات التي تتمتع بالحق في العمل، وفقا لإي في جوبز هب.
ويشكل هذا مشكلة لإدارة بايدن، التي ادعت مرارا وتكرارا أن التحول إلى المركبات الكهربائية سيوجد الآلاف من الوظائف "النقابية ذات الأجر الجيد". تشير تقديرات أي في جوبز هب إلى أن خمس مصانع المركبات الكهربائية والبطاريات في الولايات المتحدة هي نقابات، رغم أن كثيرا منها لم يتم بناؤها بعد.
المجيء إلى أمريكا
قوانين العمل ليست السبب الوحيد الذي يدفع شركات صناعة السيارات إلى التحرك جنوبا. منذ إقرار قانون الحد من التضخم العام الماضي، شكل المستثمرون الأجانب ثلثي الاستثمار في مشاريع المركبات الكهربائية والبطاريات واسعة النطاق، وفق تحليل أجرته صحيفة "فاينانشال تايمز". وقد خصصت الشركات الكورية الجنوبية أكبر مبلغ لهذا الغرض، إذ أعلنت نحو 30 مليار دولار.
ويعود هذا التدفق جزئيا إلى الإعفاء الضريبي الذي قدمه قانون الحد من التضخم بقيمة 7.500 دولار، الذي يشترط من أجل التأهل للحصول على الدعم، يجب تجميع المركبات في الولايات المتحدة، ويجب الحصول على جزء كبير من البطاريات من أمريكا الشمالية.
لكن المسؤولين التنفيذيين يقولون إن التواصل من قبل الولايات نفسها هو في كثير من الأحيان عامل حاسم - بما في ذلك الإعانات والحوافز التي تضيفها الحكومات المحلية وحكومات الولايات.
عندما كانت شركة فولكس فاجن تدرس مكان بناء أول مصنع لها في الولايات المتحدة للمركبات الكهربائية تحت علامتها التجارية سكاوت موتورز التي تم إحياؤها، فكرت في 74 موقعا في جميع أنحاء البلد، بما في ذلك الغرب الأوسط، وفقا لجان سبايز، كبير مسؤولي الإنتاج في شركة سكاوت. مع ذلك، كان لدى ساوث كارولينا موقع جاهز، وقوى عاملة تنتظر، وعرضت حوافز بقيمة 1.3 مليار دولار - وهي أكبر حوافز في تاريخ الولاية. وقد رحبت بالمديرين التنفيذيين الألمان بحفل عشاء خاص في ملعب كرة قدم قريب.
ومن المتوقع أن ينتقل نحو 80 مسؤولا تنفيذيا من ألمانيا للمساعدة على إدارة المصنع المقام على قطعة أرض مساحتها ألف فدان في إحدى ضواحي كولومبيا، عاصمة ولاية ساوث كارولينا.
يقول سبايز، وهو مقيم جديد في ولاية كارولينا الجنوبية، متحدثا في مزرعة تمت إعادة توظيفها كمكتب مؤقت: "عليك أن ترى حجم المكان - إنه كبير للغاية بحيث لا يمكنك إيقافه".
وكانت الولايات الجنوبية من بين الولايات الأكثر جرأة في تقديم ذلك النوع من الإعانات والحوافز التي جذبت شركة فولكس فاجن إلى كولومبيا، التي تحظى بتقدير خاص من قبل شركات صناعة السيارات في وقت يكون فيه نقص في اليد العاملة والبنية التحتية متهالكة في المواقع التي تتنافس على الاستثمار.
فقد عرضت جورجيا، على سبيل المثال، على شركة هيونداي ما لا يقل عن 1.8 مليار دولار من الحوافز، بما في ذلك تمويل تحسين الطرق والمواقع، ومركز تدريب مخصص، واتصال حكومي للتعامل مع التوظيف وتخطيط المشاريع.
ومع ذلك، لم يتخل الغرب الأوسط عن الاستثمار في الخارج. حيث عرضت ميشيجان حوافز بقيمة 1.7 مليار دولار لشركة فورد من أجل إنشاء مصنع للبطاريات يستخدم تكنولوجيا كاتل الصينية. وفي الوقت نفسه، في وكالة جوبز أوهايو الحكومية، لدى جوناثان بريدجز، رئيس قطاع السيارات، فرق تعمل في ثماني دول، من بينها اليابان وكوريا، لاستقدام المستثمرين.
يقول بريدجز: "التكنولوجيا لا توجد هنا في الولايات المتحدة، وبالتالي فإن الشركاء الفكريين هم شركات غير محلية". وفي العام الماضي، أعلنت شركة هوندا مبلغ 4.4 مليار دولار لإعادة تجهيز مصانعها في أوهايو لإنتاج المركبات الكهربائية وبناء مصنع للبطاريات مع شركة إل جي إنرجي سولوشن الكورية الجنوبية.
وكانت إنديانا أيضا ترسل وفودا إلى الخارج. تقول آن لاثروب، رئيسة القسم الاستراتيجي في مؤسسة إنديانا للتنمية الاقتصادية، إنها وحاكم الولاية إريك هولكومب زارا اليابان أخيرا للقاء المديرين التنفيذيين في شركات سوبارو، وتويوتا وهوندا، التي تمتلك جميعها مرافق في الولاية. وتقول: "دارت كثير من تلك المحادثات حول خططهم مع استمرارهم في تسريع العمل في أسواق المركبات الهجينة والكهربائية على حد سواء".
ومع ذلك، تواجه الولايات الجنوبية عقبات خاصة بها للتعامل معها - خاصة التهديدات الصريحة المتزايدة من كثير من الجمهوريين في المنطقة بإلغاء الإعفاءات الضريبية التي منحها قانون الحد من التضخم والتي اجتذبت المطورين إلى الولايات المتحدة.
أكثر من ثلاثة أرباع مشاريع تصنيع الطاقة النظيفة التي تم إعلانها منذ صدور قانون الحد من التضخم تم التخطيط لها في المناطق التي يسيطر عليها الجمهوريون في الكونجرس، وفقا لتحليل صحيفة "فاينانشال تايمز". ويأتي هذا رغم عدم وجود دعم جمهوري لمشروع القانون في الكونجرس.
ويأمل آخرون أنه مع انتشار الفوائد الاقتصادية للمرافق الجديدة، فإن الإعانات الدافعة لها ستحظى بمزيد من الدعم من الحزبين.
ويصر نيل سيترون، المستشار العام لشركة سكاوت موتورز التابعة لشركة فولكس فاجن، التي يوجد مقرها في مقاطعة صوتت لمصلحة جو بايدن لكن يمثلها عضو جمهوري في الكونجرس وحاكم جمهوري، على أن الشركة تجد "شراكة مثالية هناك".
وتتحدث التقارير عن مواقف مشابهة في المناطق المحافظة في الغرب الأوسط. مشروع مثل مصنع بطاريات شركتي جنرال موتورز وسامسونج في نيو كارلايل، على بعد نحو 80 ميلا شرق شيكاغو، سيعمل على تنمية القاعدة الضريبية للمجتمع، وتوفير فرص العمل وتغذية ازدهار المنطقة، كما يشير كارل باكسميير، رئيس مجلس مفوضي مقاطعة سانت جوزيف، إنديانا، ولاية جمهورية رحبت بإنتاج المركبات الكهربائية.
يقول باكسماير: "إن مجتمعنا يبتعد عن محركات الاحتراق الداخلي. يقوم مصنع للمركبات الكهربائية هنا، في مقاطعة سانت جو، باستيفاء كثير من العناصر التي يرغب الناس في رؤيتها من حيث الاستثمار، وعدد الوظائف، والتأثير في البيئة. يمكنني بالتأكيد أن أفهم سبب رغبة المجتمعات في الغرب الأوسط والجنوب وأجزاء أخرى من البلد في أن تكون جزءا من هذا الاقتصاد المتنامي".