هل تستطيع الصين إطعام شعبها بمفردها؟
لا يقتصر سعي الصين لتحقيق الاكتفاء الذاتي، مع تدهور روابطها التجارية مع الولايات المتحدة، على المنتجات المتطورة مثل أشباه الموصلات وتكنولوجيا الصواريخ. حيث إن فول الصويا المتواضع يثقل كاهل زعماء البلد، وقد أصبح موضوعا غير متوقع لحملة وطنية لتعزيز الإنتاج.
باعتباره مصدرا رخيصا ومتعدد الاستخدامات للبروتين لكل من البشر، وبشكل خاص للحيوانات (التي تستهلك ثلاثة أرباع المحصول العالمي منه)، فهو جزء أساسي من النظام الغذائي العالمي. وهو أيضا سلعة تعتمد فيها الصين بشكل كبير على الموردين الأجانب - الأمر الذي يزعج حكومتها.
يقول سكوت روزيل، خبير اقتصادي في مجال التنمية وخبير في الزراعة الصينية في جامعة ستانفورد: "الأمن الغذائي قضية متجذرة لدى صناع السياسات الصينيين". وتكمن هذه الجذور في الخراب الذي خلفته "القفزة الكبرى إلى الأمام" التي قادها ماو جيدونج، وهي حملة جماعية كارثية تسببت في مجاعة واسعة النطاق.
يضيف روزيل أن الحصار الغذائي الأمريكي على اليابان خلال الحرب العالمية الثانية كثف هوس بكين بالأمن الغذائي. وفي الآونة الأخيرة، أدت التوترات مع الشركاء التجاريين الزراعيين الرئيسين وارتفاع أسعار المواد الغذائية العالمية في أعقاب جائحة كوفيد - 19 والحرب الروسية الأوكرانية إلى تجدد بروز هذه القضية. ويأتي ذلك بعد عقود من الإصلاحات التحررية التي أدت إلى زيادة الاعتماد على بعض الأطعمة ذات المصادر الأجنبية.
تزرع الصين قسما كبيرا من السلع الأساسية التي تستهلكها، حتى لو تم إنتاجها بتكلفة أعلى من تلك التي يتحملها المنتجون العالميون الكبار الآخرون. وعبر التعرفات الحمائية، والإعانات المقدمة للمزارعين، ومستودعات الحبوب الضخمة التي تديرها الحكومة، حافظ البلد على درجة عالية من الاعتماد على الذات في المواد الغذائية الأساسية: يقدر الباحثون أن معدلات الاكتفاء الذاتي في الصين من الأرز والقمح بلغت 98.6 في المائة و96.8 في المائة على التوالي عام 2020.
لكن الاستثناء الواضح هو فول الصويا. حيث يأتي نحو ثلاثة أرباع ما تستهلكه الصين من فول الصويا من الولايات المتحدة والبرازيل. ومن بين 95 إلى 97 مليون طن من فول الصويا الذي تستورده الصين سنويا، تتم معالجة أكثر من 80 في المائة منها وتحويلها إلى علف للحيوانات.
وترى الصين أن 120 مليون هكتار من الأراضي المزروعة ضرورية لضمان الاكتفاء الذاتي
وتفتقر الصين إلى ظروف النمو المواتية التي تتمتع بها الولايات المتحدة والبرازيل. كما أنها لم تعتمد بعد الأصناف المعدلة وراثيا على نطاق واسع، بسبب مقاومة المستهلك للفكرة والخوف من الاعتماد على البذور المعدلة وراثيا المستوردة.
ونتيجة لذلك، فإن تكلفة زراعة فول الصويا أعلى بنحو 1.3 مرة في الصين منها في الولايات المتحدة، كما أن العائد أقل بنسبة 60 في المائة.
دفعت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، التي بدأت عام 2018 عندما شرع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بفرض الرسوم الجمركية على الواردات الصينية، دفعت بكين إلى التنويع بعيدا عن مصدرها الرئيس لفول الصويا وإلى توجيه المزارعين لزيادة الإنتاج المحلي.
استصلحت السلطات الصينية أكثر من 170 ألف هكتار من الأراضي منذ عام 2021 لزراعة الذرة وفول الصويا لتعزيز الأمن الغذائي. كما وجهت الحكومة المزارعين إلى زراعة فول الصويا إلى جانب المحاصيل الأخرى لزيادة الإنتاج.
وفي العام الماضي، زادت الصين مساحة حقول فول الصويا إلى 10.3 مليون هكتار، وهي أكبر مساحة منذ عام 1958، ورفعت الإنتاج إلى أعلى مستوياته بما يزيد قليلا على 20 مليون طن.
مع ذلك، يقول دارين فريدريكس، مدير أبحاث السوق في سيتونيا كونسولتنج، وهي شركة استشارية زراعية مقرها شنغهاي، إن الإمدادات المحلية لا يمكنها تعويض النقص من الولايات المتحدة. ويقول: "مهما حاولت الصين زيادة الإنتاج المحلي، فليس هناك طريقة يمكنها أن تحل محل فول الصويا الأمريكي، نظرا لحجم الطلب في السوق ومحدودية الأراضي الصالحة للزراعة".
لكن الرئيس الصيني شي جين بينج يظل ملتزما بالسياسة الزراعية المحلية. وقال في خطاب ألقاه العام الماضي: إن السلطات يجب أن تتخذ "إجراءات صارمة تساعد على النمو" للحفاظ على 120 مليون هكتار من الأراضي المزروعة حول الصين – المستوى الذي يراه المسؤولون ضروريا للاكتفاء الذاتي. وقال شي: "يجب أن تكون الصين قادرة على إطعام شعبها بمفردها. سنقع تحت سيطرة الآخرين إذا لم نكتف بطعامنا".
حملة بكين لخفض اعتمادها على الزراعة الأجنبية – حتى عندما تكون أرخص من البدائل المحلية – وتحفيز المزارعين على استبدال المحاصيل ذات الدخل المرتفع مثل الفواكه والخضراوات بالحبوب الأساسية لها بالفعل تأثير مضاعف في تدفقات التجارة الزراعية العالمية.
ومع ذلك، يقول الخبراء: إن قوى السوق لا تزال مهيمنة وإن الحكومة الصينية لديها قدرة محدودة على إجبار المزارعين على مواءمة خططهم الزراعية مع أهدافها الخاصة بالاكتفاء الذاتي.
يقول روزيل: "خزائن الحكومة فارغة. لا توجد قدرة كبيرة على التدخل وقلب السوق". الطبيعة المجزأة للقطاع الزراعي – حيث يبلغ متوسط حجم المزرعة أقل من هكتار – تعني أيضا أن التوجيهات عالية المستوى لا يتم تطبيقها في كثير من الأحيان.
يقول فريدريكس: إن المزارع الصغيرة في الصين توجد أيضا اختناقات في اعتماد ممارسات زراعية عالية التكنولوجيا، مشيرا إلى استخدام أجهزة مراقبة نظام تحديد المواقع العالمي في المزارع الصناعية في الولايات المتحدة والبرازيل، ما يساعد المزارعين على اتخاذ قرارات دقيقة بشأن موعد الزراعة وكمية الأسمدة التي يجب استخدامها. يقول: "معظم المزارعين الصينيين لا يشتغلون على هذا النطاق".
وعلى نحو مشابه، تجنبت الصين المحاصيل المعدلة وراثيا، التي يقول الخبراء: إن من شأنها تعزيز الأمن الغذائي.
يقول كيم أندرسون، أستاذ الاقتصاد الفخري في جامعة أديليد والخبير في الزراعة الصينية: "كانت الصين على وشك اعتماد الأرز المعدل وراثيا منذ نحو عقد من الزمن. لكن في كل مرة يأتي القرار، اختاروا عدم السير في هذا الطريق". ويقول إن بكين مترددة في "إثارة الجدل" مع المستهلكين.
من المتوقع أن يزداد تركيز بكين على الأمن الغذائي. وتشهد الصين مزيدا من الظواهر الجوية المتطرفة، بما في ذلك حالات الجفاف في الجنوب في العام الماضي، التي أثرت فيما يقدر بنحو 2.2 مليون هكتار من الأراضي، والفيضانات في مقاطعة خنان العام السابق. وأدى ارتفاع درجات الحرارة في مناطق زراعة الأرز في الجنوب إلى تفاقم المخاوف الرسمية بشأن الأمن الغذائي وقدرة الصين على إطعام سكانها البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة.
ويقول فريدريكس: "يتعلق الأمر بحجم السوق الصينية. إذا كان لدى تايلاند محصول أرز سيئ، فيمكنك الاستيراد من السوق العالمية. لكن نظرا لحجم الصين، فإذا تعرضت لفشل كبير في المحاصيل، فليس هناك طاقة إنتاجية في العالم، ولا ما يكفي من الحبوب، ولن يكون هناك ما يكفي من السفن لتلبية احتياجاتها".