البريد الإلكتروني نوع من التعذيب .. نكرهه ولا يمكن التخلص منه
إن المجموعة المتنوعة من رسائل البريد الإلكتروني هي التي تسبب الارتباك. كرسالة تنص على مراجعة منقولة لمطعم للدجاج المقلي، تقترحه كمكان لموعد. ورسالة مهمة، كان من الممكن كتابتها على الورق في ستينيات القرن الماضي. ومذكرة من جو إلى صديقه بريان يقترح فيها طريقة لكسب القليل من المال، التي تبين أنها الوثيقة التأسيسية لشركة آيربي إن بي.
كل رسالة من رسائل البريد الإلكتروني هذه، مطبوعة بشكل كبير ومعروضة على جدار متحف التصميم في لندن، هي جزء من معرض مؤقت بعنوان "البريد الإلكتروني انتهى". تم إنشاء العرض بالشراكة مع إحدى شركات التسويق عبر البريد الإلكتروني وتمويل منها، لذلك فهو ليس مكانا مناسبا لإجراء تقييم موضوعي لنقاط القوة والضعف لهذه الوسيلة.
ومع ذلك، تظل رسائل البريد الإلكتروني هذه عالقة في الذهن. فهناك حوار متبادل بين شاب يعلن إعادة إطلاق شركته وبين والديه الفخورين به واللذين يخبرانه بمدى حبهما واحترامهما له. كان من الممكن أن تكون هذه المحادثة المحفوظة دائما ذات معنى، لكن دلالتها وأهميتها تغيرت عندما توفي الشاب في اليوم التالي بنوبة قلبية مفاجئة.
أو "نهاية العالم بسبب الرد على الجميع" في جامعة نيويورك، عندما ذهب رد الطالب ماكس ويسلتير على رسالة بريدية إلكترونية من إدارة الجامعة عن غير قصد إلى 40 ألف طالب آخر. لم تكن هذه هي المشكلة، كما أنها لم تكن رسالته الإلكترونية الثانية، التي اعتذر فيها 40 ألف مرة. بل إن 40 ألف طالب أدركوا بخبث أن كل واحد منهم لديه القدرة على الوصول إلى مجموعتهم بأكملها بأي هراء يرغبون في الحلم به.
(أنا أتعاطف مع ويسلتير، الذي أصبح يعرف باسم "الفتى الذي رد على الجميع". فقد فعلت الشيء نفسه تقريبا في إحدى وظائفي الأولى وأعتقد اعتقادا راسخا أن المشكلة تكمن في نظام البريد الإلكتروني الذي سمح بإرسال البريد الإلكتروني المفخخ، وليس في الشخص المنحوس الذي بعث الرد. لكن القصة كان لها نهاية سعيدة. حيث أدت شهرة الفتى الذي رد على الجميع إلى مقابلة المرأة التي ستصبح قريبا زوجة الفتى صاحب الرد على الجميع).
ثم هناك البريد الإلكتروني الذي تلقاه دان أنغوس بعد ظهوره كخبير تلفزيوني في نشرة الأخبار المسائية الوطنية في أستراليا. كان من أحد اختصاصيي سرطان الجلد الذي حذره من أنه يبدو أنه مصاب بسرطان الجلد الخطير: "لم أستطع إلا أن ألاحظ الآفة المصطبغة غير المنتظمة والواضحة على خدك اليمين.. عند البحث عن صورك على جوجل أرى أن هذه الآفة جديدة، أو أنها تنمو في الحجم. هذا شيء مخيف بالتأكيد. لكن طبيبه قابل أنغوس بالصد والمماطلة بالفعل، ودفعته تلك الرسالة الإلكترونية من شخص غريب تماما إلى الإصرار على الأخذ برأي ثان الذي أنقذ حياته.
إن البريد الإلكتروني، وأنا لست بحاجة إلى إخبارك بهذا، هو نوع خاص من أنواع التعذيب. ومعظم العاملين في المكاتب يعتمدون عليه بشكل كامل. نحن نكرهه أيضا. كما أننا نجده مفيدا للغاية. وهو ليس سهل الاستخدام نوعا ما في ضوء معين مثل إنستجرام أو منصة إكس، ولكنه ضروري، مثل محرك البحث أو فأرة الحاسوب. إن البريد الإلكتروني هو حشرة الحوسبة. إن مثل برامج المحادثة الفورية من شركة بلاك بيري وبرنامج فريندز يونايتيد، قد تأتي وتذهب ولكن لا يمكن التخلص من البريد الإلكتروني.
إن رسائل البريد الإلكتروني المتنوعة والمعروضة على جدار المعرض توضح السبب. قد يكون أي إشعار جديد في صندوق الوارد رسالة هجران من المحبوب، أو من صديق يقترح عليك فكرة من شأنها أن تجعلكما ثريين، أو من شخص غريب لديه معلومة يمكن أن تنقذ حياتك. حتى زحمة الرسائل اليومية ستحتوي على رسائل غير مرغوب فيها مضيعة للوقت ورسالة من زميل أعلى مرتبة منك تتجاهلها على مسؤوليتك الخاصة. قد تكون هناك معلومات إدارية شبه مفيدة (لا ترد بها على الجميع)، أو أشياء لطيفة من أحد الزوجين، أو مزحات من الأصدقاء مضحكة لمرة واحدة، أو طلبات مصوغة بأدب من أشخاص غرباء تماما، أو رسائل إخبارية مثيرة للاهتمام، وغير ذلك الكثير. كل شيء موجود هناك. لا عجب أننا نشعر بغمرته. ولا عجب أننا لا نستطيع الاستغناء عنه.
إن هذا النطاق الواسع من الأهمية في رسائل البريد الإلكتروني التي تتدفق إلى صناديق بريدنا الوارد كل يوم، من الرسائل التافهة إلى الرسائل التي تغير حياتنا، هو ما يفسر سبب الإدمان على البريد الوارد إلى هذا الحد. اكتشف عالم النفس بي إف سكينر ذات مرة، بالمصادفة، أثناء خفض إمدادات الطعام للفئران، أن الفئران في مختبره كانت مدفوعة بالمكافآت الغذائية التي لا يمكن التنبؤ بها أكثر من تلك التي يمكن التنبؤ بها: وقد استحوذت مسألة عدم اليقين على انتباههم بطريقة لا يمكن أن تحققها المكافآت الثابتة. عندما نتحقق من بريدنا الوارد، نصبح مثل فئران سكينر. لقد مرت 90 ثانية على الأقل منذ آخر مرة قمنا فيها بتفقد البريد الوارد. هل ستقدم لنا آلة القمار الخاصة بالبريد الإلكتروني الفوز بجائزة كبرى أم كارثة؟ أم مجرد فرصة للضغط على "تحديث الصفحة" والقيام بدورة تفحصية أخرى؟
على الرغم من كل الجهود، ما زلت اتفقد بريدي الإلكتروني كثيرا، ولكن حتى بالنسبة إلى الأشخاص الذين لديهم عادات أفضل مني، فإن هذا النطاق من الاحتمالات يشكل تحديا. لقد جادلت من قبل بأن إحدى العادات التي يتم التقليل من شأنها لأي شخص منتج هي توضيح ما يجب القيام به - إن وجد - مع كل شيء جديد وارد. نادرا ما يستغرق الأمر وقتا طويلا لاتخاذ القرار برسالة بريد إلكتروني واحدة، ولكن نظرا إلى أن نطاق الردود المحتملة يمكن أن يراوح من "الحذف" إلى "العثور على محام جيد"، فليس من المستغرب أن نتعثر ونترك رسائل البريد الإلكتروني التي لم نقرر بخصوصها بعد تتراكم.
إذا ماذا نفعل؟ بعض الأشخاص فقدوا الأمل منذ فترة طويلة، وتجاهلوا رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهم وتحولوا إلى شيء مثل خدمة المراسلة الفورية من تطبيق واتساب للقيام بالمهمة نفسها. نظرا إلى أن تطبيق واتساب يحتوي على معظم سلبيات البريد الإلكتروني وعديد من المضايقات الأخرى، فإن هذا لا يحل سوى القليل. كما يحتفظ آخرون، مثل كال نيوبورت، مؤلف كتاب عالم بلا بريد إلكتروني، بعناوين بريد إلكتروني متعددة مع صناديق بريد وارد متعددة، مصممة لكبح هذا التنوع الجامح. يهدف نيوبورت إلى تقسيم رسائل البريد الإلكتروني الخاصة به فيما يتعلق بمنصبه الجامعي بعيدا عن بريده الإلكتروني الشخصي ورسائل البريد الإلكتروني من محبي كتبه ورسائل البريد الإلكتروني من محرريه.
من الواضح أن هذا هو ما يناسبه، لكنني كنت دائما أرفض احتمال تأسيس نظام إنتاجية آخر. لطالما فضلت بساطة صندوق وارد واحد، على الرغم من كل المعاناة معه. مكان واحد للتحقق من الرسائل، مكان واحد للتوضيح واتخاذ القرار، ومكان واحد للتنظيف وتركه فارغا. ودورة أخرى بينما أنتظر الفوز بالجائزة الكبرى.