أسعار إيجارات مفرطة .. كابوس مالي في أمستردام
كانت تيودورا وصديقها جورج مليئين بالحماس عندما تم قبوله لدراسة الماجستير في جامعة أمستردام. لكن حلمهما بالانتقال أصبح كابوسا ماليا بعد أن بدأ الاثنان البحث عن منزل.
بالاعتماد على أجرها البالغ 25 ألف يورو ودعم والديها، انتهى الأمر بالزوجين من رومانيا إلى دفع 1.850 يورو شهريا مقابل شقة متهالكة مكونة من غرفة نوم واحدة، مساحتها 30 مترا مربعا تقع في علية مبنى سكني عام سابق.
وقالت مصممة الجرافيك تيودورا، التي لم ترغب في نشر لقبها لتقليل احتمالية انتقام مالك العقار: "كان هناك ميكروويف معطل، ولا مكان للفرن وسرير مكسر. كان علي أن أضع أرضيات جديدة وأعيد طلاء الجدران بنفسي".
"كان بإمكاننا تدفئة غرفة النوم فقط إذا قمنا بإطفاء التدفئة في جميع الغرف الأخرى. لكننا أخذناها لأنه لم يكن هناك أي شيء آخر يمكننا تحمل تكلفته".
إن هذه الحكايات شائعة في العاصمة الهولندية، حيث قام ملاك العقارات الخاصة برفع الإيجارات وحتى بيعها استجابة لأسعار الفائدة الآخذة بالارتفاع والضرائب العالية، بينما من المقرر أن تحد اللوائح الحكومية بشكل أكبر من العقارات المسموح بتأجيرها لأولئك الذين لا يمكنهم الحصول على الإسكان الاجتماعي.
وارتفع متوسط الإيجارات 7.6 في المائة بين أبريل ويوليو، ليصل إلى 26.55 يورو للمتر المربع، وفقا لبيانات من موقع تأجير العقارات باراريوس دوت كوم Pararius.com.
"إنه أمر جنوني"، كما قالت شانتال ستورمان، التي تدير وكالة التأجير في أمستردام. "لم تكن الأسعار مرتفعة قط كما كانت في باريس ولندن، لكنني أعتقد أننا وصلنا إلى نقطة اللاعودة. فالشقة المكونة من ثلاث غرف نوم والتي كانت تكلف 2.750 يورو شهريا العام الماضي تكلف الآن أربعة آلاف يورو".
وتلقي ستورمان اللوم جزئيا على نظام الإسكان المكون من مستويين في هولندا، الذي تم العمل به في العام الماضي. يتم تصنيف العقارات حسب الحجم ووسائل الراحة وإذا كانت النتيجة أقل من مستوى معين فستقتصر المنازل على مستأجري الإسكان الاجتماعي - أولئك الذين يكسبون أقل من 44.035 يورو سنويا أو 48.625 يورو للشريكين.
ويبلغ الحد الأقصى للإيجار الاجتماعي 808 يورو في الشهر. وقالت ستورمان: "إذا انخفض دخل الإيجار الخاص بك بوصفك مالكا من ألفي يورو إلى 800 يورو، فستخسر المال. وبمجرد أن يغادر المستأجر، فإنك تبيع".
حسب موقع باراريوس دوت كوم Pararius.com أنه مقارنة بالعام الماضي، كان هناك عدد أقل بمقدار الخمس من العقارات غير المنظمة المتاحة في أمستردام في الربع الثاني من 2023.
قال جاسبر دي جروت، الرئيس التنفيذي لموقع باراريوس، إن القصة هي نفسها في جميع أنحاء هولندا. "إن الحصة السوقية الوطنية للعقارات المعدة للإيجار غير الخاضعة للتنظيم والتي تبلغ 8 في المائة فقط تتناقض بشكل صارخ مع حصة الإسكان الاجتماعي البالغة 32 في المائة. ونتيجة لذلك، ارتفعت أسعار إيجار العقارات المتبقية في سوق الإيجار غير المنظمة بشكل كبير".
ويعتزم هوجو دي جونغ وزير الإسكان خفض عتبة ما يمكن وصفه سكنا اجتماعيا العام المقبل. من شأن هذه الخطوة أن ترحل 327.500 عقار مستأجر غير منظم - أي نحو نصف إجمالي العدد الحالي - إلى قطاع الإيجار الاجتماعي على مستوى البلد، وفقا لشركة الاستشارات العقارية سي بي أر إي.
كما زادت الحكومة الهولندية الضرائب على الملاك هذا العام. وقالت ستورمان إنه مع ارتفاع أسعار الفائدة وزيادة تكلفة الرهن العقاري، فقد كان هذا عاملا آخر دفع كثيرين إلى البيع، ما أدى إلى تقليل المعروض بشكل أكبر. وأضافت: "يعتقد السياسيون أن ملاك العقارات هم أناس أثرياء يستغلون الفقراء، لكن الأمر ليس كذلك".
كما أسهم تدفق العمال ذوي الياقات البيضاء في مرحلة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في ارتفاع إيجارات المباني الخاصة إلى مستويات عالية جديدة. أنشأت كثير من الشركات متعددة الجنسيات مقارها الأوروبية في أمستردام ومنذ خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، كان هناك تدفق للمديرين التنفيذيين من لندن.
إن المنافسة على الشقق في أمستردام شديدة لدرجة أن الناس على استعداد للدفع للحصول على إشعارات بمجرد توافر عقار جديد. تتقاضى شركة رينتسالم 30 يورو شهريا لإرسال رسائل إلى العملاء خلال 30 ثانية من إعلان عقار يمكن أن يناسبهم.
وقال بيتر دي فريدي، الرئيس التنفيذي لشركة رينتسلام: "السوق غير متوازنة لدرجة أن لديك نحو ثلاث دقائق للرد على عقار يتم عرضه عبر الإنترنت. هناك ما بين 50 إلى 200 شخص يردون ويتوقف الوكيل عن الرد بعد أول عشرة إلى 15 شخصا".
يمتلك دي فريدي مكانا يؤجره وقال إنه يمكن أن يكسب من عرضه على موقع أير بي إن بي، الذي يقتصر على 30 يوما سنويا في أمستردام، من تأجيره لمدة طويلة. وأضاف أن ملاك العقارات الآخرين اختاروا القيام بمثل هذه الخطوة، مضيفا أن الحل الوحيد هو بناء مزيد من المساكن.
ارتفع النقص في المساكن في هولندا من 315 ألف منزل عام 2022 إلى 390 ألفا هذا العام، وفقا للتوقعات السنوية للحكومة من شركة أيه بي إف ريسيرش. يريد دي جونغ بناء 900 ألف منزل بحلول 2030، لكن شركة أيه بي إف تتوقع أنه سيكون من الممكن بناء 834 ألف منزل فقط. وقال الباحثون إنه لمعالجة النقص بشكل صحيح، يحتاج البلد إلى 981 ألف منزل جديد بحلول 2030.
الأراضي المتوافرة نادرة وباهظة الثمن حول أمستردام، وقد أدى ارتفاع تكاليف مواد البناء والعمالة إلى قيام المطورين التجاريين بتجميد خططهم.
وبدأت شركات الإسكان الاجتماعي في العاصمة البناء مرة أخرى، لكنها تقول إنها بحاجة إلى بيع بعض المباني غير المبيعة لديها لتمويل بناء منازل جديدة، وتعتزم تحديث 1.200 منزل بحيث تقع خارج فئة الإيجار الاجتماعي. وتشجع المدينة أيضا كبار السن على الانتقال من المنازل ذات الحجم العائلي إلى شقق أصغر أو دور التقاعد.
وقالت وون، وهي منظمة معنية بحقوق المستأجرين تدعمها الحكومة، إن تدفق المغتربين وملاك العقارات المؤسسيين الكبار الذين يقومون بترقية مخزون الإسكان الاجتماعي السابق أدى إلى جعل الحياة مكلفة بشكل يستحيل معه البقاء بالنسبة إلى السكان القدامى وتغيير نسيج المدينة.
قال مستشار وون جيرت جان باكر: "لا يمكن لأبناء البلد تحمل تكاليف أمستردام. أنت تدفع الناس إلى الانتقال من مكان إلى آخر، ولا يمكنك بناء مجتمع. ما هو جيد لملاك العقارات ليس دائما جيدا للمدينة".
قررت تيودورا وجورج الذهاب إلى محكمة الإيجار لتكون القشة التي قصمت ظهر البعير بعد أن رفض المالك دفع تكلفة إصلاح سخان يسرب المياه. وخفضت المحكمة إيجارهما الشهري إلى 561 يورو فقط، وقالت إنه ينبغي إعادة نحو عشرة آلاف يورو لهما على شكل دفعات زائدة لأن الشقة عدت أقل من الجودة المطلوبة لأسعار الإيجار في السوق الحرة.
رغم المتاعب الأولية، لا يزال الاثنان في مكانهما في الوقت الحالي. ويقولان إنهما ما زالا ينتظران استرداد أموالهما وليسا مستعدين للانضمام مجددا إلى الآلاف الذين يطاردون عقارا جديدا. قالت تيودورا: "لقد استثمرنا في هذا المكان. لا نريد أن ننتقل مرة أخرى".