الأخبار تثير القلق .. البيانات تبسطها

الأخبار تثير القلق .. البيانات تبسطها

عندما سألتني إحدى صديقاتي قبل بضعة أيام، "ألم تمنع إحدى ولايات الولايات المتحدة الإجهاض لتوها؟"، التفت إليها في ذهول. لم تسمع من قبل عن قضية رو ضد وايد (التي صدر فيها قرار يعطي حرية الإجهاض)، وردا على حاجبيي المرفوعين باستغراب قالت بصراحة، "أنا لا أقرأ الأخبار فهي كئيبة". وهي ليست وحدها.
كان عدد الأشخاص الذين يتجنبون قراءة الأخبار عمدا يزداد بشكل أوسع على مدى الأسابيع الستة الماضية، وفقا لتقرير أخير من معهد "رويترز". في 2017، كان 24 في المائة من المواطنين البريطانيين يتجنبون الأخبار، وقفز ذلك الرقم إلى 41 في المائة اليوم. يذكر أكثر من نصف هؤلاء أن التأثير السلبي في مزاجهم كان سبب قرارهم.
ليس من الصعب معرفة سبب ازدياد الرقم. في الأعوام القليلة الماضية مررنا بأول جائحة عالمية منذ قرن، وأكبر صراع مسلح في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وعودة العنف في الشرق الأوسط، وفيض من القصص المتعلقة بالمناخ التي تحذر من انقراض البشر. كل ذلك يؤدي إلى قراءة محاطة بالكآبة. "إدارة ظهري للأخبار هي الطريقة الوحيدة التي تشعرني أنني أستطيع التأقلم أحيانا"، كما قال أحد الأشخاص الذين تمت مقابلتهم من أجل دراسة معهد "رويترز". "يجب أن أبذل جهدا بوعي للابتعاد عنها من أجل صحتي النفسية".
إذا فكرت، كما فكرت أنا، أن الأخبار مهمة لإبقاء المواطنين منخرطين والديمقراطية فاعلة، فذلك مثير للقلق. أنشأت بعض المنظمات الإعلامية، مثل نيويورك تايمز وبي بي سي، خانات مخصصة للأخبار الإيجابية. لكن مواجهة محتوى إيجابي مدقق تشعرني بأنني أعامل كامرأة من العصر الفيكتوري بطبيعة رقيقة - أضعف من أن تتعامل مع الواقع.
عند محاولة إشراك الذين ينظرون إلى وضع العالم بتشاؤم، يكمن التحدي في كيفية عدم زيادة القلق دون داع أو إساءة توضيح الأحداث. يعني هذا أن علينا التفكير بطرائق أخرى للبقاء على اطلاع.
أثناء المراحل الأولى من جائحة كوفيد في مارس 2020، لم أستطع، مثل كثير من الناس حول العالم، الاكتفاء من قراءة الأخبار. كان هناك ارتفاع في استهلاك الأخبار حيث كان الناس يحاولون فهم ما الذي كان يحدث. لكن بعد عدة أسابيع انعكس الاتجاه، وزاد تجنب الأخبار - شعر الناس بالإرهاق. لكن بالنسبة إلى الذين يؤلمهم النظر إلى صور مستودعات الجثث المؤقتة أو المدافن الجماعية، قدمت لهم لوحات بيانات كوفيد - مثل تلك التي أعدتها جامعة جونز هوبكينز - بيانات مجردة: المعلومات بأبسط شكل.
الأخبار مليئة بالمواضيع الغنية بالبيانات، بما في ذلك تغير المناخ، التي تحدث باستمرار ويمكن رؤيتها في شكل قابل للتتبع بطريقة مفيدة. والأهم من ذلك يمكن أن توفر لوحات البيانات مساحة لنشر المقاييس التي تتحسن فيها - التي عادة ما تكون تدريجية فلا تكون ذات أهمية إخبارية.
تعد حقيقة أن كلا من معدلات الانتحار، ووفيات الأطفال والأمهات، والفقر الشديد، ومحو الأمية، وعمل الأطفال، وتوافر الماء، ومرافق الصرف الصحي تسير في الاتجاه الصحيح عالميا مصدر حقيقي للشعور بالراحة - هذه أخبار تستحق المعرفة وأسباب وجيهة للإحساس بشعور جيد.
بما أنني صحافية بيانات فإني أفهم أن حبي للإحصاءات لا ينطبق على كل الناس، لكن أظهرت الدراسات أن إلمام العامة بالبيانات قد ازداد بسبب كوفيد. يشير الاستخدام واسع النطاق للوحة بيانات جونز هوبكينز إلى أن الناس لا يخافون من البيانات كما نعتقد. لا تعد معدلات الإلمام بالبيانات المنخفضة سببا لتجنب استخدامها في إيصال الأخبار: تظهر تجربة الجائحة أن المحتوى الغني بالبيانات يمكن أن يساعد على صقل مهارات الناس في تفسيرها.
من الخطأ بالتأكيد المبالغة في حيادية البيانات، فإن تحديد ما يمكن إظهاره وكيفية ذلك قرارات سياسية بطبيعتها. سترى صورة مختلفة للغاية اعتمادا على ما إذا كنت تتحدث عن انبعاثات الكربون لكل دولة أو لكل شخص، وإذا كان سنويا أو إجمالا.
تقول بيث بلاور، التي كانت قائدة البيانات في مركز كورونا فيروس ريسورس الذي أعد لوحة بيانات جونز هوبكينز، إنه فيما يتعلق بالثقة، لوحة البيانات ساعدت على أن يعرف العامة أنها وزملاءها لم يكونوا يسعون لكسب أموال من المعلومات - وأنهم جعلوا كل برمجياتهم ومنهجياتهم واتخاذ القرارات مفتوحة للجميع وشفافة.
في نهاية المطاف، لا يعد أي مصدر للمعلومات مثاليا. لكن كلما تعددت المصادر كان ذلك أفضل - خاصة إذا كان ذلك يمنع الناس من الانزلاق في هوة الأشخاص المنفصلين عن العالم المتسعة.

الأكثر قراءة