الاقتصاد السلوكي .. الدفع مقابل عدم الذهاب

الاقتصاد السلوكي .. الدفع مقابل عدم الذهاب

إحدى الكلاسيكيات الحديثة للاقتصاد هي مقالة من عام 2006 بعنوان لا يحتاج إلى شرح "الدفع مقابل عدم الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية"، حيث قام الباحثان ستيفانو ديلافيغنا وأولريكي مالمندير بدراسة سلوك ما يقرب من ثمانية آلاف عضو في صالات الألعاب الرياضية ووجدا أنه "من الصعب" جمع التفضيلات والمعتقدات النموذجية".
وبذلك كانا يقصدان أن أعضاء الصالة الرياضية بدوا متوهمين أو ضعفاء الإرادة أو كليهما. فالأشخاص المشتركون بعقود شهرية يدفعون أكثر عند كل زيارة مقارنة بالذين يحضرون ببساطة ويدفعون عند الدخول، وهو ما يشير إلى أنهم إما يواجهون مشكلة أساسية للغاية في الحساب، وإما على الأرجح، يعانون توقعات متفائلة حول عدد المرات التي سيمارسون فيها التمارين الرياضية. يميل المشتركون بعقد شهري متجدد أيضا إلى ترك فترة أكثر من شهرين تنقضي بين زيارتهم الأخيرة ولحظة قيامهم بإلغاء عضويتهم.
بالنسبة إلى المنكبين على أنفسهم مثلي، تحمل المقالة رسالة مهمة عن مجال الاقتصاد السلوكي. سنصل إلى ذلك. وهناك أيضا سؤال أشمل. فقد توسع نموذج أعمال الاشتراك من المنتجات التقليدية، مثل الصحف والعضوية في الصالات الرياضية إلى برامج الحاسوب ووسائط البث وصناديق الخضراوات وأدوات الحلاقة والمكياج والملابس ودعم الأنواع الإبداعية عبر منصة باتريون أو سابستاك. يجب علينا جميعا أن نسأل أنفسنا، إذا كان كثير من الناس يدفعون مقابل عدم الذهاب إلى الصالة الرياضية، فما الذي ندفعه أيضا مقابل عدم القيام به؟
تحاول ورقة عمل جديدة من إعداد الاقتصاديين ليران إيناف وبنجامين كلوباك ونيل ماهوني الإجابة عن هذا السؤال. باستخدام بيانات من مزود بطاقات الائتمان والبطاقات المصرفية، قاموا بفحص ما يحدث للاشتراكات في عشر خدمات شائعة عند استبدال البطاقة التي تدفع مقابلها. في هذه اللحظة، يتوقف مزود الخدمة فجأة عن تلقي الدفعات ويجب عليه الاتصال بالعميل لطلب تفاصيل الدفع المحدثة.
يمكنك أن تخمن ما سيحدث بعد ذلك: بالنسبة إلى عديد من الأشخاص، يذكرهم هذا الطلب باشتراك توقفوا عن التفكير فيه ويحثهم على إلغائه فورا. ومقارنة بالشهر العادي، ترتفع معدلات الإلغاء في الأشهر التي يتم فيها استبدال بطاقة الدفع - من 2 إلى 8 في المائة على الأقل. يستخدم إيناف وزملاؤه هذه البيانات لتقدير مدى السهولة بالنسبة إلى عديد من الأشخاص في السماح باستمرار الاشتراكات التي لا معنى لها عندهم. بالنسبة إلى المعيار الذي يقوم فيه المشتركون المعصومون بالإلغاء على الفور بمجرد أن يقرروا أنهم لا يحصلون على قيمة كافية، يتوقع الباحثون أن المشتركين سيستغرقون عدة أشهر إضافية - في المتوسط 20 - حتى يقوموا بالإلغاء.
لا تأخذ الأرقام الدقيقة على محمل الجد، فكما هي الحالة مع معظم العلوم الاجتماعية، هذه ليست تجربة يتم التحكم فيها بدقة، ولكنها محاولة لاستخلاص المعنى من البيانات الصاخبة للعالم الحقيقي. ما يجب أن تأخذه على محمل الجد هو احتمالية أنك تسبح في اشتراكات بالكاد تلاحظها، التي ستختار إلغاء بعضها إذا أجبرت على الانتباه لها لعدة دقائق. ربما يجب عليك ذلك. تعال وفكر في الأمر، ربما ينبغي لي ذلك.
لكنني وعدت بإعطاء درس متخصص حول الاقتصاد السلوكي أيضا. لا بد أن القراء المخلصين لاحظوا بعض الفضائح الأخيرة في العلوم السلوكية: حيث تبين (في رأي خبراء مستقلين) أن التجارب التي أجراها اثنان من الباحثين المشهورين بشكل منفصل، وهما دان أريلي وفرانشيسكا جينو، أنها تحتوي على بيانات تم التلاعب بها أو تلفيقها. كلاهما ينفي ارتكاب أي مخالفات.
في ضوء هذا الوضع المروع، سيكون من المفهوم أن يفقد الناس بعض الثقة بمجال الاقتصاد السلوكي. لذا من الجدير أن نذكر أنفسنا بما يحاول الاقتصاد السلوكي تحقيقه. لطالما كان هذا المجال يهدف إلى جلب بعض الواقعية النفسية إلى الاقتصاد، الذي لا يوجد في نموذج كتابه التقليدي مكان للأشخاص الذين ينضمون إلى صالة الألعاب الرياضية، ولا يذهبون إليها، ثم يهملون إلغاء الاشتراك في صالة الألعاب الرياضية.
العضو المؤسس له هو المؤلف المشارك لكتاب نادج الحائز جائزة نوبل التذكارية ريتشارد ثالر. كان مشروع ثالر دائما عن عدم المجادلة في أن نموذج الكتاب يتناقض مع التجارب المعملية، بل يتناقض مع الطريقة التي تعمل بها الأسواق المهمة في العالم الحقيقي.
من المؤكد أنه من المعقول أن نتساءل عن عدد التجارب في علم النفس الاجتماعي التي ربما تم التلاعب بها عن طريق التلفيق. الأمر الأقل سوءا، لكنه أهم من الناحية العملية، احتمال أن عديدا من التجارب في علم النفس الاجتماعي تم الإبلاغ عنها وتحليلها بشكل سيئ. وكما جادلت أخيرا، نحن بحاجة إلى تعزيز أسس الممارسة العلمية في سبيل منع ذلك.
من المؤكد أن خبراء الاقتصاد قادرون على التعلم من التجارب، ولكن الاتصال بالواقع ينبغي أن يكون جزءا مهما من الاقتصاد، الذي هو ـ أو ينبغي أن يكون ـ موضوعا عمليا.
وسواء أكنا ملتزمين بشكل وثيق بنموذج الكتاب القديم أو تبني أحدث الأفكار من العلوم السلوكية، ينبغي أن تؤخذ مفاهيمنا على محمل الجد عندما تشرح ما نراه حولنا كل يوم.
إذا كان الناس حقا كسالى، وقصيري النظر، وغير منتبهين، كما يشير الاقتصاد السلوكي، فإن الاشتراكات تعد نموذجا تجاريا جذابا للغاية. إذ إن مسألة تقديم الأشياء كاشتراك تشير إلى أن الشركات قد لاحظت الأمر.
هناك بعض الأفكار الغريبة في العلوم السلوكية، وبعضها لن يصمد أمام اختبار الزمن. لكن المقترح المحوري لكتاب نادج ليس غريبا: وهو أن الوضع الافتراضي يهم أكثر بكثير مما نتصور، ليس داخل تجربة معملية ولكن في الأسواق حيث المليارات أو التريليونات على المحك.
يفوض الناس القرارات المهمة التي تغير حياتهم - على سبيل المثال، حول المساهمات في معاشاتهم التقاعدية - إلى المسار الذي يوفر أقل مقاومة. إذا كانت السياسة العامة السلوكية تعني أي شيء، فهي تعني تشكيل تلك المواقف الافتراضية من أجل المصلحة العامة. إنها فكرة ما زلت أؤيدها.

الأكثر قراءة