الشواغر تزداد في سوق المكاتب .. ليس كل شخص يحتاج إلى مكتب

الشواغر تزداد في سوق المكاتب .. ليس كل شخص يحتاج إلى مكتب

لم يكن مفاجئا حقا أن تقرر شركة ميتا، عملاق التكنولوجيا المعروف سابقا باسم فيسبوك، فسخ عقد إيجار أحد المبنيين اللذين أخذتهما في مشروع تطوير شركة بريتش لاند في الطرف الغربي من لندن.
فقد تراجعت خطط التوظيف والتوسع الجريئة لشركات التكنولوجيا الكبرى. حيث تبنت قوتها العاملة العمل عن بعد سواء على الساحل الغربي أو في الطرف الغربي. إن التنقلات الطويلة والمكلفة في لندن تعني أن العمل "الهجين" أثبت أنه أكثر ديمومة بعد القيود التي فرضت بسبب الجائحة مقارنة بالأسواق الأوروبية الأخرى.
والأمر المثير للاهتمام هو أن الشركة التي أسست في 2004 فقط وقعت على عقد إيجار لمدة 20 عاما ببنود لا تجيز لأحد الطرفين أن يفسخ العقد دون موافقة الطرف الآخر- وهو عقد دفعت ما يعادل نحو سبعة أعوام من الإيجار للخروج منه. بدأ هذا النوع من عقود الإيجار الصارمة وطويلة الأجل يبدو وكأنه من بقايا حقبة أخرى.
لقد كانت هناك توقعات منتظمة بهلاك المكاتب منذ أن ثبت في الجائحة أن ليس كل شخص يحتاج إلى مكتب، وبالتأكيد ليس طوال الوقت. حيث أشار بنك جيفريز الأسبوع الماضي إلى أن الشواغر في لندن وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ 30 عاما، ما يضغط على الإيجارات. فقد قام المستأجرون بتخفيض متطلباتهم من المساحة بشكل كبير، مطالبين بوسائل راحة أفضل وبمزيد من المرونة.
وقالت ماري دورمويل، من شركة جرين ستريت المتخصصة في تحليلات الصناعة "لقد زاد كوفيد حدة الرغبة في المرونة بشكل كبير. كان قطاع المكاتب هادئا للغاية. وأصبح أكثر كثافة من الناحية التشغيلية".
هذه هي الحالة على الأقل في القطاع الراقي من السوق، حيث تشغل الأسماء الكبرى مساحات كبيرة في مباني "مستدامة بيئيا" باهظة الثمن تتمتع بأفضل مؤهلات الاستدامة. إن ندرة المباني التي تتوافق مع المعايير البيئية الصحيحة تعني أن أصحاب العقارات ما زالوا يتمتعون بالنفوذ، الشركات التي تنفق على تجهيز مقرها الرئيس تريد أيضا تأمين حقها في إشغال المساحات.
ولكن رغم ذلك، فإن 15 عاما أصبحت كالـ20 عاما. فقد كان إيجار شركة كليفورد تشانس البالغة مساحتها 320 ألف قدم مربع لمقرها الرئيس الجديد في حي المال عبارة عن عقد إيجار لمدة 20 عاما يمنح المستأجر حق الفسخ بعد 15 عاما، ولكنه تضمن أيضا خيارا لفسخ العقد في وقت مبكر خلال فترة قصيرة، وخيارين آخرين بفسخ العقد لطوابق معينة أثناء عقد الإيجار.
وخارج هذه الفئة النادرة، فإن السوق في حالة تغير مستمر. كانت لندن دائما غير عادية في عقود الإيجار الصديقة للمالك: متوسط مدة الإيجار في المدينة للمساحة الرئيسة هو عشرة أعوام، مقارنة بستة أعوام في باريس، وخمسة في برلين وثلاثة في مدريد، وفقا لشركة سافيلز. وبالنسبة إلى السوق ككل، فقد انخفضت مدة الإيجار بشكل حاد في الأعوام الأخيرة.
يرجع ذلك جزئيا إلى ظهور المساحات المكتبية المرنة، مثل مكاتب العمل المشتركة والمكاتب المزودة بالخدمات، التي (بفضل الهيكل التقليدي غير اللين للسوق) استحوذت على حصة أكبر من سوق المكاتب في لندن مقارنة بالمدن الأوروبية الأخرى. ومع ذلك، فإن السوق المتوسطة تطالب بشكل متزايد بمزيد من الملاك أيضا. تمتلك شركة بريتيش لاند ستوري، وهي علامتها التجارية للمكاتب المدارة بالكامل، بينما تخطط شركة لاند علامة سيكيوريتيز لمضاعفة حجم عرضها من المساحات المكتبية المرنة هذا العام ثلاث مرات.
تريد شركة جريت بورتلاند إستيتس أن يكون ربع محفظتها على الأقل مرنا، مع تأجير المكاتب الأصغر مساحة بعقود إيجار أقصر تراوح من ثلاثة إلى سبعة أعوام مع التجهيز ومجموعة كاملة من خدمات المباني التي يقدمها المالك بشكل عام. وقال توبي كورتولد، رئيس شركة جي بي إي: "بدأت صناعة العقارات في تقديم بعض فوائد الاستعانة بمصادر خارجية والتكنولوجيا لتسهيل حياة العملاء".
وهذا، بصراحة، يؤدي إلى عمل أكثر صعوبة وتكلفة أعلى لقطاع كان يمكن أن يتجاهل المستأجرين إلى حد كبير في السابق بمجرد توقيعهم على عقد الإيجار. ويجب أن تتكيف تقييمات المكاتب وتمويلها، التي كانت مدعومة دائما بعقود إيجار طويلة يمكن التنبؤ بها، لتتناسب مع مخاطر أكبر. لكن القطاع تمكن حتى الآن من انتزاع ثمن مقابل زيادة المرونة والخدمات، ما ساعد على دعم إيجارات السوق بشكل عام.
يمكن أن يبدأ هذا الطلب على المرونة في التسرب إلى الجزء الرئيس من السوق، مع اختيار شاغلي الشركات الكبرى لتكملة المساحة الأساسية ببدائل مرنة. وقد أصبح المستأجرون أقل استعدادا للدفع مقابل مساحة "احتياطية" للأمور الطارئة، خاصة بعد أن كانوا مثقلين بالفائض في الماضي. ويتحدث الملاك عن اهتمام الشاغلين التقليديين الحاليين بالمساحة الزائدة أو العرضية في المكاتب المرنة والمصممة مع وضع الشركات الصغيرة في الحسبان.
في عالم ما بعد الجائحة، ليس العاملون في المكاتب فقط هم الذين يريدون نهجا هجينا.

الأكثر قراءة