الاقتصاد الأمريكي مهدد .. أمامه طريق أكثر وعورة
الفترة العصيبة التي تشكلت من ارتفاع أسعار الفائدة، وارتفاع أسعار النفط، والدولار القوي، تعمل على تحويل إجماع الأسواق المالية بشأن النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة بعيدا عن فكرة الهبوط السلس المريحة.
وفقا لحساباتي، ستكون هذه هي المرة السادسة خلال الـ15 شهرا الماضية التي يتغير فيها التصور السائد بالنسبة إلى الاقتصاد الأكثر تأثيرا في العالم. من المؤسف أن هذا التحول من المرجح أن يستمر فترة أطول هذه المرة، مهددا الاقتصاد الأمريكي الذي كان قويا في وقت من الأوقات إلى حد مبهر، ومقوضا الاستقرار المالي الحقيقي، ومصدرا التقلبات إلى بقية العالم.
في الأسبوعين الماضيين فقط، ارتفع العائد على السندات الأمريكية القياسية لأجل عشرة أعوام نحو 0.5 نقطة مئوية إلى نحو 4.8 في المائة كجزء من تحول شامل في هيكل أسعار الفائدة برمته. رفعت هذه الخطوة التغير في العوائد نقطة مئوية واحدة لافتة للنظر منذ نهاية يونيو، ما أدى إلى ارتفاع معدلات الاقتراض للشركات، وزيادة قروض السيارات المرهقة للأسر، وتدفق الودائع خارج النظام المصرفي بوضوح وتفاوت مع تحويل المستثمرين النقد إلى حسابات سوق المال. الجدير بالذكر أن تكلفة الرهون العقارية لأجل 30 عاما على وشك أن تتجاوز 8 في المائة، ما يجعل شراء المنازل باهظة الثمن أصلا أبعد منالا.
تشمل التداعيات الدولية الناجمة عن هذا التحول تمويلا أكثر تكلفة وأقل موثوقية، وبالنسبة إلى اليابان، خروجا أكثر تعقيدا من نظام سياسة نقدية غير مستدام على نحو متزايد بتأثيرات غير مباشرة على الولايات المتحدة.
إن دفع العوائد إلى الارتفاع بطريقة غير منظمة على نحو متزايد هو مزيج من إدراك الأسواق أن أسعار الفائدة الأعلى التي حددها الاحتياطي الفيدرالي ستستمر لفترة من الوقت، والحاجة إلى استيعاب كمية كبيرة من سندات الخزانة بسبب العجز الضخم في الميزانيات.
ومما يزيد الطين بلة ارتفاع أسعار النفط وسط الطلب القوي والمخزونات المستنفدة بشدة. هناك خطر ملموس من أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع التضخم في مجموعة واسعة من البضائع والخدمات.
هذه تطورات لا يستمتع بها الاقتصاد والأسواق. فهي تثبط النمو وتزيد من خطر الركود التضخمي. تنشأ مخاطر الاستقرار المالي مع عدم تطابق أسعار الفائدة داخل بعض البنوك، واحتياجات إعادة التمويل لدى المشاركين الآخرين في القطاع المالي، ومخاطر الاضطرابات الائتمانية.
بينما تتكيف الأسواق بسرعة مع أسعار الفائدة الأعلى، فإن الاقتصاد الحقيقي لا يزال في مرحلة مبكرة للغاية من التكيف، أمامه طريق أكثر وعورة الآن.
منذ أكثر من عام، جادلت بأن الولايات المتحدة قادرة على تجنب الركود في 2023 الذي توقعه كثيرون مرارا وتكرارا. إنني الآن أقل ثقة بشأن ما يخبئه 2024، نظرا إلى أن الارتفاع الأخير في أسعار الفائدة يضاعف تقويض المرونة المالية والبشرية والمؤسسية.
اهتزت ثقتي أيضا بسبب الاحتياطي الفيدرالي الذي لم يدرك بعد أن توجيهاته السياسية المستقبلية - إضافة إلى إطار سياسته النقدية والطريقة التي ينقل بها المسؤولون هدف التضخم المناسب - بحاجة إلى التكيف بسرعة مع واقع النموذج الاقتصادي المتغير.
الواقع أن البنك المركزي الأكثر نفوذا على مستوى العالم لم يتبن بالقدر الكافي بعد التغيير الجوهري في الوصف الأساسي للاقتصاد من عالم يتسم بعدم كفاية الطلب إلى عالم يكون فيه قطاع العرض أقل مرونة بكثير لعدة أعوام. وكلما طال أمد تكيف الاحتياطي الفيدرالي، تعاظم الخطر على الرفاهية الاقتصادية.
لقد كان العام الماضي يدور حول تكيف الأسواق مع دور البنوك المركزية في اللحاق بالواقع السلبي للتضخم. ويدور هذا العام حول استيعاب الأسواق للاحتمال الكبير بأن تظل أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول، ما يزيد من الزخم الانكماشي الجاري. وكما قال أحد محافظي الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع ما قبل الماضي، "السؤال الأكثر أهمية في هذه المرحلة ليس ما إذا كانت هناك حاجة إلى زيادة إضافية في أسعار الفائدة هذا العام أم لا، بل إلى متى سنحتاج إلى الاحتفاظ بأسعار الفائدة عند مستوى مقيد بما فيه الكفاية لتحقيق أهدافنا".
في اجتماع مفتوح في نهاية سبتمبر، صرح جاي باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي: "عندما ننشر أنا وزملائي توقعاتنا للمسار الأكثر ترجيحا للاقتصاد وأسعار الفائدة، كما فعلنا قبل بضعة أسابيع، فإن أحد أهدافنا هي التأثير في قرارات الإنفاق والاستثمار اليوم وفي الأشهر المقبلة".
إذا اتسع نطاق الخلل الوظيفي في الكونجرس، واستمر الاحتياطي الفيدرالي في التلكؤ في تغيير الأسس الرئيسة لصياغة سياساته، فإن التحول في المفاجآت الاقتصادية الأمريكية لن يكون سارا سواء للاقتصاد المحلي أو بقية العالم.
* رئيس كلية كوينز في كامبريدج ومستشار لأليانز وجراميرسي