مخلفات الفضاء .. من سيتولى زمام السيطرة؟

مخلفات الفضاء .. من سيتولى زمام السيطرة؟

لقد كان تعليقا بنية حسنة، أكد على الحاجة إلى أن تكون البشرية واعية بينما تواصل التوسع إلى الحدود النهائية. "نحن بحاجة إلى جريتا للفضاء"، كما قالت مسؤولة بريطانية في قمة نيويورك للاستدامة في الفضاء هذا الصيف، في إشارة إلى جريتا ثونبرج، الناشطة التي ألهمت الاحتجاجات على تغير المناخ في جميع أنحاء العالم. "إذا أراد شخص ما أن يكون مثل جريتا، فنرجو منه النهوض".
لكن هذا النداء من ريبيكا إيفرندن، مديرة قسم الفضاء في وزارة العلوم والابتكار والتكنولوجيا في المملكة المتحدة، يؤكد فقط مدى سوء إدارة الحكومات للأصول الفضائية التي تعتمد عليها كثير من أشكال الحياة الحديثة، مثل الاتصالات العالمية. أكثر من ستة عقود من عمليات الإطلاق طوقت الأرض بهالة من القمامة التي تهدد الأقمار الاصطناعية الأساسية وتدهور البيئة خارج كوكب الأرض.
في حين غرمت لجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية هذا الأسبوع شركة دش نتوركس بمبلغ 150 ألف دولار لفشلها في التخلص بمسؤولية من قمر اصطناعي بثه معطل، فإنها تعد أول حالة – كما تبدو التسوية تافهة مقارنة بإيرادات شركة دش السنوية البالغة 16.7 مليار دولار. بعيدا عن الحظر المفروض على اختبار الأسلحة النووية في الفضاء، تظل مسألة التزامات الشركات والحكومات خارج مدار الأرض غامضة وغير ملزمة بموجب معاهدات الفضاء الخارجي.
هذا الإشكال يبدو مهملا الآن، نظرا لجنون الاهتمام المتجدد في الفضاء، على المستوى الوطني والشركات. إن أي محاولة لحماية عالم الفضاء - سواء من فرط ازدحام الأقمار الاصطناعية أو التعدين على القمر الذي يستحوذ فيه الفائز على كل شيء - تتطلب مفاوضات دبلوماسية وقانونية جادة من الحكومات، وليس صوت احتجاج وحيد يتردد في فراغ. يجب أن تكون قمة المستقبل التي ستعقدها الأمم المتحدة في إندونيسيا العام المقبل، التي من المقرر أن تناقش مسألة حوكمة الفضاء، محور عملية إعادة ضبط كبيرة.
مع انخفاض أسعار الأقمار الاصطناعية، فقد ارتفعت أعدادها أكثر، بما في ذلك المجموعات الكبيرة. وفي نهاية عمرها التشغيلي، يسقط كثير منها بشكل طبيعي في الغلاف الجوي للأرض حيث تحترق فيه - ولكن قليلا جدا مما تبقى منها يتم إسقاطها بأمان أو تحويلها إلى "مقابر مدارية".
في الفترة بين إطلاق روسيا للقمر سبوتنيك في 1957 و2012، انطلق نحو 150 قمرا اصطناعيا إلى الفضاء سنويا. وارتفع عددها إلى 600 في 2019، و1200 في العام التالي، وما يقارب 2500 في 2022.
وتقول وكالة ناسا: إنه من بين نحو 11 ألف قمر اصطناعي تم وضعها في المدار، لا يزال هناك 60 في المائة منها، لكن 35 في المائة فقط منها تعمل.
يمكن أن تتساقط قطع منها، ما يوجد حطاما يسير بسرعة تراوح بين 10 و15 كيلومترا في الثانية تقريبا، كل شظية يمكن أن تتسبب في مزيد من الآثار التعاقبية. وهذا يجبر الأقمار الاصطناعية النشطة على القيام بمناورات لتجنب الاصطدام، حيث تمكنت محطة الفضاء الدولية من تفادي الحطام أكثر من 30 مرة. كما فجرت الدول أقمارها الاصطناعية كتحذير لمنافسيها.
لا توجد آلية متفق عليها لتنظيم حركة الأقمار الاصطناعية أو إزالة الحطام. وفقا لوكالة الفضاء الأوروبية، "يبدو أن سلوكنا غير مستدام على المدى الطويل".
في حين أن المدارات المزدحمة والحطام الفضائي يشكلان مجموعة واحدة من مشكلات الحوكمة، فإن الشهية المتزايدة للنهب الفضائي واستكشاف الفضاء السحيق بطاقم بشري تثير مشكلات أخرى. ناسا والصين والهند وروسيا من بين الذين يأملون التنقيب عن المعادن الثمينة على القمر مثل المعادن الأرضية النادرة أو الهيليوم 3، وهو نظير يمكنه تشغيل المفاعلات النووية دون إنتاج نفايات. لا توجد قواعد متفق عليها بشأن التنقيب واستخراج المعادن على القمر.
أما بالنسبة إلى الاستكشاف بطاقم بشري في المستقبل، فإن أصحاب المليارات الذين تخدم شركاتهم الفضائية الخاصة الآن الوكالات الوطنية يتحدثون باستمرار عن الاستعمار خارج كوكب الأرض.
إيلون ماسك، الذي تعمل شركته سبيس إكس باعتبارها مقاولة لوكالة ناسا، يحلم بمستعمرة مريخية تضم مليون ساكن، واقترح تدمير الأغطية الجليدية فيه لجعله صالحا للعيش. أما مؤسس أمازون، جيف بيزوس، الذي يملك شركة بلو أوريجن المنافسة، فيتصور مستعمرات بشرية داخل أسطوانات معدنية عملاقة دوارة تطفو عبر الفضاء.
هذه الأجندة التكنولوجية المثالية، التي كثيرا ما ترسخ النقاش العام حول الاستكشاف خارج كوكب الأرض، تعرضت للانتقاد في العام الماضي في كتاب "أستروتوبيا: الديانة الخطيرة لسباق الشركات على الفضاء"، الذي كتبته ماري جين روبنشتاين، أستاذة الدين والعلوم في جامعة ويسليان في ولاية كونيتيكت. تشير روبنشتاين إلى الحماسة شبه العقيدية التي يملكها إيلون ماسك "المنقذ الفلكي" وأتباعه: الكوكب هالك، كما يقول أغنى رجل فيه، الذي يعد بالخلاص في مكان آخر.
ليس صوته هو الوحيد الذي يهم. ماذا عن أمة نافاجو، التي تعد العوالم الأخرى مقدسة؟ لا ينبغي لنا أن نضحي بجريتا الفضاء للمتصيدين عبر وسائل التواصل الاجتماعي في سبيل جدال عقيم، نحن بحاجة إلى حكومات تتحلى بالشجاعة الكافية لوضع قواعد جديدة في الفضاء تحترمنا وتفيدنا جميعا.

الأكثر قراءة