الطاقة النووية ليست الاختيار الأمثل
أوشكت حالة الحرج من التحدث عن الحاجة إلى بناء مرافق لتوليد الطاقة البديلة على الزوال، بعد أن كان السائد على المستوى الرسمي لدينا هو اعتبار تبني أي مصدر جديد للطاقة تهديداً لمصالحنا القومية وخطراً على مستقبل ثروتنا النفطية. ومع التوجه الجديد نحو الاستثمار في الطاقة المتجددة نسمع كثيراً عن رغبة بعض دول الخليج في بناء محطات توليد نووية، ربما بناء على توصيات من شركات أوروبية وأمريكية. ونأمل ألا تقدم أي جهة في الخليج على خطوة كهذه دون التريث وإجراء دراسات وافية للتثبت من أن توليد الطاقة النووية في بيئتنا هو الأنسب، مع وجود وسائل ومصادر أخرى ربما تكون أكثر ملاءمة لوضعنا الاجتماعي والمستوى العلمي والمهني وأدنى تكلفة، وحتماً أقل خطورة على مستقبل حياتنا وسلامة بيئتنا. ويتبادر إلى الذهن أهمية التركيز على مصادر الطاقة الشمسية المتوافرة في بلادنا دون حدود، وسهولة تصميم وبناء وتشغيل مرافقها، إلى جانب منافسة أسعارها لمعظم مصادر الطاقة الأخرى، إن لم تكن هي الأفضل على المدى البعيد. وقد يكون سبب ميول البعض منا إلى تبني فكرة استخدام الطاقة النووية، ذات التقنية العالية، يعود إلى بريق اسمها وعدم الإلمام بكل ما يُحيط بهذه الصناعة من المخاطر والتعقيدات الفنية والأمنية والتشغيلية ومدى خطورتها على البيئة وعلى المجتمع، وكذلك مستقبلها المحدود بقرب نضوب اليورانيوم.
فالطاقة النووية، رغم انتشار استخدامها في عدة بلدان مثل روسيا واليابان وفرنسا وأمريكا ودول مُتقدمة أخرى، إلا أن عليها كثيرا من المآخذ التي تجعل استخدامها في دول الخليج غير مناسب على الإطلاق. فتوليد الطاقة النووية يستخدم عنصر اليورانيوم كوقود، وكمية احتياطي مادة اليورانيوم الثابت وجودها اليوم في العالم محدودة ولا تُغطي أكثر من 100 عام حسب معدل الاستهلاك الحالي. ومن المؤكد أن بناء مرافق توليد الطاقة النووية سيتضاعف خلال العقود القليلة المقبلة، نتيجة للنقص المُتوقع للإمدادات النفطية. وهذا يعني أن وقود اليورانيوم الثابت وجوده لن يكفي أكثر من 50 عاماً، وهو عمر قصير إذا قورن بمصادر الطاقة المتوافرة الأخرى، أضف إلى ذلك ما ينتج من استخدام وقود اليورانيوم من المخلفات المشعة التي يستحيل التخلص منها. وخطورة وجود المرافق النووية على سلامة البشر من أهم العوامل التي يجب أن نحسب لها ألف حساب. فأي خطأ بشري داخل غرف التحكم، وهو أمر وارد، أو حدوث خلل فني كبير من الممكن أن يكون سبباً في حدوث كارثة قد يمتد تأثيرها إلى مسافات طويلة، ومع انتشار إشعاعاتها القاتلة في جميع الاتجاهات يصبح كل ما تُلا مسه ملوَّثاً لعشرات السنين. والأشد خطراً على حياة الإنسان وعلى البيئة لو لا قدر الله أصبحت هدفاً للأعمال الإرهابية.
وتصميم وبناء المرافق النووية يختلف كثيراً عن مثيلاتها من مرافق مصادر الطاقة الأخرى من حيث مستوى التقنية المطلوبة وعوامل السلامة، وكونها تستغرق أكثر من ضعفي المدة قبل أن تكون جاهزة للتشغيل. ولعل المؤهلات العلمية والخبرات العملية الطويلة التي يتطلبها التشغيل والصيانة وشؤون السلامة غير المتوافرة في بلدان الخليج نعتبرها من أهم عوامل عدم قبولنا لهذا الاختيار الذي يعني أننا سنعتمد اعتماداً كلياًّ على الأيدي العاملة الأجنبية لعقود طويلة قبل أن نتمكن من تدريب وتأهيل أبناء الوطن لتحمل كامل المسؤولية. ولك أن تتخيل وضع مصير مرفق حيوي مثل توليد الطاقة من المصادر النووية بأيدٍ غير وطنية ولمدة طويلة! ولكن العامل الأهم الذي غالباً ما يكون غائباً عن الأذهان هو أن أسعار وقود محطات التوليد النووية وقطع الغيار وأعمال الصيانة تتجه دائماً نحو الصعود مع مرور الوقت. ولعله من المناسب أن نذكر هنا صعوبة أو ربما استحالة الحصول على معلومات تُبين مقدار تكلفة إنتاج وحدة الطاقة الكهربائية من مرافق التوليد النووية الجديدة في منطقة الخليج من أجل مقارنتها بالمصادر غير النفطية الأخرى. والسبب أن جميع المرافق النووية الموجودة في أماكن أخرى تُشيَّد بمساعدات مباشرة وضمان من الحكومات دون أن ينعكس ذلك على التكلفة الحقيقية. ولذلك فمن المؤكد أن التكلفة الإجمالية لأي مشروع نووي في منطقتنا ستكون باهظة. ولا يختلف اثنان على أن التكلفة التشغيلية لهذا النوع من المشاريع وتكلفة الصيانة مُرشحة للصعود المستمر مع مرور الوقت. إضافة إلى أن عنصر اليورانيوم لا يُوجد إلا في أماكن محدودة، مما يجعله عُرضة للاحتكار واحتمال مضاعفة أسعاره من فترة إلى أخرى. فإذا أخذنا في الحسبان عموم النواحي الاقتصادية وأضفنا إليها العوامل السلبية التي ذكرناها آنفا ظهرت الصورة أكثر وضوحاً.
أما استخدام الطاقة الشمسية كمصدر للطاقة هو دون أي جدال الأمثل من بين أغلب المصادر التقليدية، وعلى وجه الخصوص في منطقة الخليج التي تسطع عليها الشمس معظم أيام السنة. فهو مصدر لا ينضب ويمكن الاعتماد عليه إلى الأبد. كما أن تصميم وبناء مرافقها في متناول إمكاناتنا المحلية والبشرية، إلى جانب كونها سهلة التشغيل والصيانة ولا تحتاج إلى الاستعانة بموارد بشرية أجنبية. ولها أيضا مميزات أخرى، فهي مصدر نظيف وليس من طبيعتها تلويث البيئة, ومستوى السلامة في جميع مرافقها عال، وليست هدفاً مغرياً للمخربين. وهناك كثير من مواد بنائها مُتوافر لدينا ومن الممكن تصنيعها محلياًّ. وعلى عكس مُتطلبات الطاقة النووية، فإننا نتوقع أن تقل تكلفة توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية مع تقدم الوقت وتحسين الأداء.
والآن، وبعد توضيح بعض الجوانب التي تكتنف مسألة المفاضلة بين إنشاء محطات توليد طاقة نووية في منطقة الخليج وبين خيارات أخرى متوافرة تفي بالغرض نفسه، أبرزها الطاقة الشمسية، فإن مجرد التفكير في إنشاء مرافق نووية في أي من الدول الخليجية يُعد هاجسا غير منطقي وبعيدا عن الواقع.