البنك الدولي وطريق توسع الميزانية العمومية .. الأنظار على مراكش
عندما عقدت الأمم المتحدة اجتماعها العام الأسبوع ما قبل الماضي، كان اهتمام وسائل الإعلام – والمتظاهرين - مركزا في الأغلب على السياسيين.
لكن في ظل ما جرى، كان هناك حدث آخر يقام ويحسن بالمستثمرين أن يلاحظوه: وهو أن "مختبر استثمارات القطاع الخاص" الذي تم تشكيله أخيرا لمصلحة البنك الدولي، عقد اجتماعه الافتتاحي لمناقشة كيفية تعزيز عمليات البنك.
لم يصدر أي تقرير عام عن هذه المجموعة المكونة من 15 عضوا - التي تضم كبار المسؤولين التنفيذيين مثل توماس بوبرل من شركة أكسا، ولاري فينك من شركة بلاك روك، وجيسيكا تان من شركة بينغ آن، كما لم يفعل ذلك رئيساها المشاركان، مارك كارني، محافظ البنك المركزي السابق، وشريتي فاديرا، رئيس شركة برودينشال.
مع ذلك، قيل لي إن هؤلاء الرؤساء التنفيذيين يفكرون في مجموعة من المقترحات للبنك. وأن ما يقررون فعله قد يكون حاسما في تحديد ما إذا كانت المؤسسة قادرة على جعل نفسها أكثر أهمية ومصداقية تحت قيادة رئيسها الجديد أجاي بانجا.
في النهاية، تم تعيين بانجا (وهو نفسه الرئيس التنفيذي السابق لشركة ماستركارد) بتفويض ضمني للإصلاح بعد أن تم إقصاء سلفه ديفيد مالباس بسبب تحفظه عن تمويل مكافحة تغير المناخ.
يحاول بانجا حاليا تحقيق ذلك. أخبر مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك الأسبوع الماضي أنه سيطلب من مساهمي البنك تغيير البيان الرسمي لمهمته عندما يجتمعون في مراكش هذا الشهر لحضور اجتماعه السنوي.
كما يريد، على وجه الخصوص، توسيع التكليف الحالي للبنك، الذي يقوم على "تخفيف حدة الفقر" و"الرخاء المشترك"، لمعالجة مشكلات أوسع مثل المناخ وانعدام الأمن الغذائي والجوائح.
وأوضح أن "الهدفين يجب أن يتغيرا إلى القضاء على الفقر، لكن على كوكب يصلح للعيش".
كشف بانجا أيضا عن أمله في زيادة قدرة الإقراض الجديدة للبنك بمقدار 100 إلى 125 مليار دولار على مدى العقد المقبل (مقارنة بإجمالي التزاماته الجديدة، بما فيها القروض والمنح والضمانات البالغة 145 مليار دولار في 2023).
يمكن تحقيق هذا الهدف جزئيا، لأن البلدان مثل الولايات المتحدة وألمانيا واليابان تقدم أموالا أكثر عبر ما يسمى بإطار "كفاية رأس المال". لكن بانجا يقول إنه يعتزم أيضا "توسيع الميزانية العمومية" من خلال "كل الهندسة المالية التي يمكنني فعلها" - حتى مع الحفاظ على تصنيف أيه أيه أيه للبنك.
يبدو ذلك مثيرا للإعجاب. لكن هناك مشكلة: حتى لو تحقق هذا الإقراض الجديد بقيمة 100 مليار دولار، فإن المبلغ ضئيل بالنظر إلى أن هناك حاجة إلى إنفاق إضافي بنحو ثلاثة تريليونات دولار سنويا بحلول 2030 لمكافحة تغير المناخ والفقر، وفقا لتقرير صدر أخيرا عن مجموعة إنديبندنت إكسببرت بتكليف من مجموعة العشرين. كما أنه متواضع، بالنظر إلى أن المجموعة دعت لجمع نحو 500 مليار دولار من تمويل التنمية الجديد كل عام حتى 2030، وسيتم توجيه 260 مليار دولار منه عبر بنوك التنمية متعددة الأطراف (التي يعد البنك الدولي أكبرها).
ومن هنا تأتي أهمية لجنة الرؤساء التنفيذيين المكونة من 15 عضوا: فالطريقة الوحيدة التي يأمل من خلالها بانجا في حشد الأموال التي يحتاج إليها هي إقناع مديري الأصول الغربيين بتحويل بعض استثماراتهم لدعم أهداف البنك. ولا يمكن للمبلغ الحالي من رأس المال الخيري، والأموال العامة، وقروض بنوك التنمية متعددة الأطراف أن يسد الفجوة. أو كما يقول بانجا: "إن رأسمالنا يشبه بثرة على غماز على الخد الأيسر لنملة، مقارنة بما نحتاج إليه في العالم".
هل يمكن أن يحدث هذا؟ لا يزال الأمر غير واضح. أحجمت الصناديق الغربية حتى الآن عن الاستثمار في مشاريع المناخ في الأسواق الناشئة على أي نطاق بسبب المخاوف من المخاطر السياسية ومخاطر الصرف الأجنبي. وتميل المشاريع أيضا إلى أن تكون صغيرة الحجم وغير واضحة بحيث يصعب تسعيرها أو تداولها.
مع ذلك، لجنة الرؤساء التنفيذيين تدرس حلولا لهذه المشكلات. تتلخص إحدى الأفكار في محاولة إزالة المخاطر من المشاريع باستخدام صناديق بنوك التنمية متعددة الأطراف أو الصناديق الخيرية لاستيعاب الموجة الأولى من الخسائر في المشاريع، وقد بدأت التجارب تظهر بالفعل في هذا الاتجاه.
أما الفكرة الثانية فتسعى إلى توريق قروض التنمية ـ مرة أخرى، لتوزيع المخاطر. والثالثة تستلزم أن يدير البنك الدولي أسواق الكربون، لوضعها على أسس أكثر مصداقية وشفافية، وهذا من شأنه أن يوجه الأموال من الشركات والمستثمرين في البلدان المتقدمة (الذين يشترون عادة أرصدة الكربون) إلى المناطق الأكثر فقرا (التي تزودهم بها).
يتمثل الاقتراح الرابع في أن يستخدم البنك قوته السياسية لإرغام البلدان النامية على إيجاد قدر أكبر من اليقين التنظيمي للمستثمرين. والمقترح الخامس هو أن يعدل المحاسبون قواعد الإبلاغ عن الكربون لتمكين المقرضين من توفير تمويل التحول لإنهاء الأنشطة ذات الانبعاثات الكبيرة دون معاقبتهم (كما هي حالهم حاليا).
كل هذه الأفكار تعد معقولة للغاية ومن الممكن، بل ينبغي، أن يتم اعتمادها في أقرب وقت ممكن.
في الواقع، إنه من المأساوي أن هذه الأفكار لم تنفذ قبل بضعة أعوام، عندما كانت الأموال رخيصة لدرجة أن مديري الأصول الغربيين كانوا يتوقون لقبول المخاطر. أما الآن فقد تحولت دورة الائتمان.
لكن، كما يقول المثل، أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا - وحقيقة أن بانجا أسس مجلسا للرؤساء التنفيذيين (وهو الأول من نوعه) تشير إلى أن الزخم من أجل التغيير آخذ في الازدياد.
لن يكون الأمر سهلا، إن فكرة استخدام رأسمال بنوك التنمية متعددة الأطراف لإزالة المخاطر من مشاريع القطاع الخاص مثيرة للجدل.
مع ذلك، المجتمع المالي العالمي لديه كل الأسباب التي تجعله يأمل في نجاح بعض هذه الأفكار على الأقل، كما يفعل الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم الذين يعانون آثار الفقر وتغير المناخ. كل الأنظار على مراكش.