"دايسون" مثالا .. مديرون على هيئة أساتذة مدارس: مراقبو دوام
بعد ستة أسابيع من أول عملية إغلاق ناجمة عن الجائحة في المملكة المتحدة، تلقى الموظفون في مجموعة دايسون الهندسية البريطانية رسالة بريد إلكتروني من رولاند كروجر الرئيس التنفيذي، وجاء في الرسالة بتاريخ 15 مايو عام 2020 أن المقر في المملكة المتحدة، وهو مجمع مترامي الأطراف في ريف ويلتشير، قد "أعيد فتحه".
كانت الحكومة البريطانية أعلنت قبل خمسة أيام من ذلك أن الأشخاص الذين لم يتمكنوا من العمل من المنزل يمكنهم العودة إلى مكان العمل. وكان سيتم تنظيم الموظفين في شركة دايسون تكنولوجي المحدودة، المعروفة بمكانسها الكهربائية المبتكرة ومرشحات الهواء، إلى فريقين: أ و ب. ومن المتوقع أن يعودوا إلى مكتب مالمسبري الإثنين التالي.
لكن المدارس والمتاجر غير الأساسية لا تزال مغلقة، والشركات التي أمكنها فتح أبوابها كانت تعمل عن بعد. كان الفيروس لا يزال متفشيا، وفي يوم إرسال البريد الإلكتروني، كان هناك 1337 شخصا ثبتت إصابتهم بكوفيد - 19 على أجهزة التنفس الصناعي في مستشفيات المملكة المتحدة.
وتراجعت "دايسون" عن القرار بعد أقل من 24 ساعة إثر جلبة من الموظفين، وتم السماح بمواصلة العمل من المنزل كما كان من قبل. لكن هذا الصدام المبكر كان إيذانا ببداية انقسام ثقافي في الشركة بين كبار المسؤولين التنفيذيين الذين اتبعوا نهجا متشددا تجاه الحضور الشخصي للموظفين مع رفع عمليات الإغلاق، وبين مجموعة من الموظفين الذين رفضوا الإجراءات الأكثر صرامة التي اتخذتها شركة دايسون لضمان الحضور إلى مقرها الرئيس في المملكة المتحدة.
ترسم المقابلات التي أجريت مع 27 موظفا تركوا الشركة الآن صورة لكيفية دعم كبار الموظفين في مواقع العمل في المملكة المتحدة للقيود الصارمة في الأشهر التي تلت إعادة فتح عالم الشركات.
أخضع الموظفون لمراقبة صارمة وتم تحذيرهم من العواقب المهنية إذا لم يحضروا شخصيا. يقول بعض الموظفين السابقين: إن طلبات العمل المرن قد تم رفضها بأغلبية ساحقة، ويصف البعض شعورهم بالضغط لترك الأطفال والمعالين مع مخصصات للرعاية التي تقدمها الشركة حتى يتمكنوا من الاستمرار في العمل.
وتوضح شركة دايسون أن جعل الأشخاص يعملون معا جسديا هو جوهر فلسفتهم التي تبناها مؤسس الشركة الشهير السير جيمس دايسون. وأخبرت "فاينانشيال تايمز" في بيان: "نعمل بشكل تعاوني، جنبا إلى جنب، ونجري الاكتشافات عبر التجارب وإثارة الأفكار من بعضنا البعض. ببساطة، لا يمكنك القيام بهذا النوع من العمل من المنزل".
دعت الشركة "فاينانشيال تايمز" إلى مقرها في أغسطس الماضي، لإجراء مقابلات مع الموظفين والاطلاع على مدى ترابط فرقها.
التسويق، على سبيل المثال، يعمل بالتعاون والتزامن مع أقسام المبيعات والهندسة وغيرها من الأعمال. وتقول الشركة: إن هذا النوع من التنظيم يسمح لها بحل المشكلات، والتعاون ودعم العملاء بشكل أفضل.
ويشير أحد الأشخاص المطلعين إلى أن توقع الحضور إلى العمل شخصيا لا ينبغي أن يكون مفاجأة للموظفين "هذا هو نوع شركتنا، نريدهم أن يعودوا جميعا... إن فلسفة الشركة هي ما يستثمر الأشخاص - الذين ينضمون إلينا - فينا".
يعد الوضع في شركة دايسون مثالا حيا على أنواع النزاعات التي لا تزال مستمرة في أماكن العمل في المملكة المتحدة وخارجها، حيث يحمل أصحاب العمل والعمال وجهات نظر مختلفة حول الشكل الذي سيبدو عليه مكان العمل بعد كوفيد.
وقبلت بعض الشركات العمل الهجين باعتباره الوضع الطبيعي الجديد. وفي شركات أخرى، حاول المديرون إعادة الموظفين، أحيانا بحوافز وبشكل متزايد عن طريق إجراءات تأديبية. حتى شركة جوجل، التي تتبع سياسة العمل المكتبي لمدة ثلاثة أيام، كشفت عن خطط لإدراج معدلات الحضور في مراجعات الأداء.
لكن في شركة دايسون يؤكد أكثر من 20 موظفا سابقا أن المحاولات الأكثر صرامة لإجبار العمال على الحضور شخصيا غيرت ثقافة الشركة المعترف بها عالميا كمنارة للتميز الهندسي ورائدة الصناعة البريطانية.
ويقولون: إن "دايسون" أصبحت لبعض الوقت شركة حيث كان المديرون يحرضون ضد العمال، ويشعر الموظفون بأنهم محاصرون ومسيطر عليهم. ووصف أربعة أشخاص، من الذين تركوا الشركة في النهاية بمحض اختيارهم، الجو في ذلك الوقت بأنه "جو من الخوف".
على طريقة دايسون
في الأسابيع الأولى من الجائحة، جاء مئات الموظفين من مقر دايسون إلى مكاتبهم، بينما كان العمال البريطانيون الآخرون لا يزالون يخضعون لأوامر بالبقاء في منازلهم.
وكانت مهمتهم تصميم وتصنيع أجهزة التنفس الصناعي في موقعها لغرف الطوارئ في البلد، والعمل بالأقنعة وتدابير الحماية الأخرى، في إطار برنامج أقرته الحكومة ومولته شركة دايسون بنفسها.
عززت حادثة جهاز التنفس الصناعي آراء السير جيمس دايسون وآراء صناع القرار الآخرين في الشركة بأنه ليس من الممكن العمل بأمان شخصيا فحسب، بل إنه ضروري لنوع العمل الذي يتعين عليهم القيام به.
ويقول المؤسس: "كان جهاز التنفس الصناعي إنجازا استثنائيا، لكنه نموذجي تماما للطريقة التي تعمل بها شركة دايسون".
لذلك، عندما أعلن وزير الأعمال في الثاني من نوفمبر عام 2020، أنه "من الضروري أن يستمر العلماء والمهندسون العاملون في مجال البحث والتطوير في العمل معا في المختبرات وأماكن العمل حول البلد"، سارعت شركة دايسون إلى إبلاغ الموظفين بذلك على الفور عبر رسالة بريد إلكتروني.
وقيل للعاملين في مجال تصميم البحوث وتطويرها أو العمليات أو الجودة "عليكم العمل في مقر الشركة". وأضافت أنه يمكن للموظفين العمل من المنزل فقط في "حالات استثنائية". ومع ذلك، كان جزء كبير من بقية البلد يستعد لعملية الإغلاق الوطنية الثانية، التي بدأت في الخامس من نوفمبر.
وعبر بعض الموظفين السابقين الذين لا تقتضي وظائفهم في شركة دايسون الوجود في المختبرات، عن الإحباط الناتج عن مطالبتهم بالحضور إلى المكتب، بينما شعروا بالقدرة على مواصلة العمل من المنزل.
تقول شركة دايسون: إنه في ذلك الوقت كان ثلاثة أرباع موظفي شركة دايسون ما زالوا يعملون من المنزل، موضحة أنه بالنسبة لأولئك الذين تتطلب وظيفتهم الحضور، طبقت شركة دايسون إجراءات عمل آمنة تجاوزت بشكل كبير المبادئ التوجيهية الحكومية.
مع بدء طرح اللقاحات، أخبرت الشركة الموظفين بما هو متوقع منهم. ففي 16 يونيو عام 2021، كشفت رسالة بالبريد الإلكتروني إلى الموظفين من مارتن بوين كبير المسؤولين القانونيين في الشركة، عن طلب الشركة في المملكة المتحدة "من جميع موظفي دايسون قضاء معظم وقت عملهم في المقر".
عندما أعادت الحكومة تقديم توجيهات العمل من المنزل في ديسمبر من ذلك العام، مع انتشار متغير أوميكرون الجديد، استمرت قيادة شركة دايسون في الإصرار على أن يواصل كثير من موظفيها في المملكة المتحدة العمل في المكتب. وجاء في رسالة بريد إلكتروني تم إرسالها إلى الموظفين في التاسع من ديسمبر عام 2021: "ستظل جميع مكاتب دايسون مفتوحة كالمعتاد".
كانت قائمة تلك الفرق التي كان من المتوقع أن تعمل في المكتب "كالمعتاد" واسعة النطاق وتضمنت فرق العمل والبحث والتطوير والعقارات والأمن وتكنولوجيا المعلومات.
وتبين الشركة: "باعتبارنا شركة تكنولوجيا عالمية، هناك طرق معينة نعمل بها لضمان تشجيع عمليات البحث والتطوير، والإبداع والتعاون، والحفاظ على السرية. هذه طريقة دايسون".
وتضيف: "لقد أحضرنا الموظفين إلى مكان العمل بما يتماشى مع توجيهات الحكومة بشأن هذا الموضوع، وعندما أشارت تلك التوجيهات إلى أن بعض الموظفين ينبغي أن يعملوا في المنزل، أرسلناهم إلى منازلهم. لقد تصرفت دايسون، في جميع المراحل، بمسؤولية وفعلت الشيء الصحيح".
بدل حضور
مع تراجع الجائحة، تحول ما بدأ كجهد متضافر لضمان عودة الموظفين إلى مكاتبهم إلى ما وصفه البعض الذين غادروا بعد ذلك بثقافة مهووسة بمراقبة حضور الموظفين.
تم تسجيل مستويات الحضور والغياب في جداول بيانات ومراجعتها أسبوعيا من كبار المديرين بعد ظهر الجمعة. وقال مديرون سابقون في شركة دايسون: إنه كان إخطارهم من قبل قسم الموارد البشرية في حالة فشل أحد أعضاء فريقهم في الحضور إلى المكتب.
وأوضحوا أن نماذج رسائل بريد إلكتروني أعطيت لهم لإرسالها إلى زملائهم الأقل مرتبة، لتذكيرهم بلزوم الوجود في المكتب، وهو ما وصفه المديرون السابقون بأنه "عدواني" و"متعال".
وقال أحد الأعضاء السابقين في فريق الموارد البشرية في الشركة: إنهم شعروا أنه طلب منهم إرسال رسالة إلى الموظفين حول العواقب المحتملة لعدم الحضور.
وأضافوا: "كان هناك ضغط حقيقي على فريق الموارد البشرية لتهديد الموظفين بأنهم إذا لم يأتوا إلى المكتب، فقد يتم اتخاذ إجراءات تأديبية بحقهم. لقد شعرنا بذلك حقا".
ترى شركة دايسون أن هذا توصيف خاطئ للاتصالات الداخلية "المعقولة والمنطقية" الهادفة لإبقاء الموظفين على اطلاع على ظروف العمل التي تغيرت كثيرا في أشهر ما بعد عمليات الإغلاق، مشيرة إلى أن الموظفين راجعوا بيانات التوظيف "لضمان أن تظل ممارسات العمل آمنة ومناسبة دائما".
ومع ذلك، بالنسبة للموظفين الذين يعيشون بالفعل فترة من القلق الشديد، كان للهجة هذه السياسات تأثير ملحوظ.
تحدثت " فاينانشيال تايمز" إلى أربعة موظفين سابقين خرجوا في فترة إجازة مرضية رسمية، وأشاروا إلى ضغوط العمل باعتبارها المسهم الرئيس في تدهور حالتهم العقلية.
ووصف أحد الموظفين الأصغر سنا الذي ترك الشركة في وقت لاحق تعرضه لنوبات فزع منتظمة وكان يأخذ نفسه إلى حمام المكتب حتى يستعيد "استقراره".
ويصف مدير آخر الضغط الناجم عن الضغط على فريقهم للقدوم إلى المكتب. ويقول: "لم اتفق مع أي شيء".
ويقول مدير سابق ثان: "كان علي أن أتحقق مثل معلم مدرسة من موعد قدوم الموظفين، وأجبرهم على العودة إلى المكتب. لم يكن هذا أسلوبي في القيادة... كانت هناك ثقافة خوف حقيقية".
قبل الجائحة، اتفق البعض في الشركة على ممارسات عمل مرنة مع مديريهم، عادة لأسباب عائلية أو لرعاية الأطفال. لكن بعد ذلك، أدى اكتشاف كبار المديرين لهذه الاتفاقيات غير الرسمية إلى إجراء عملية تشاور حول ممارسات عمل الأشخاص، وفقا لاثنين من موظفي الموارد البشرية السابقين.
لقد ولت المرونة القديمة. ما لم يكن لدى الموظفين ترتيبات موجودة مسبقا مكتوبة رسميا في عقودهم، فقد تم تشجيعهم على قبول العمل في المكتب خمسة أيام في الأسبوع، أو تقديم طلب رسمي للعمل المرن.
يدعي أحد موظفي الموارد البشرية السابقين: "كانت هذه هي المرحلة التي أصبحت فيها الأمور هزلية. لقد وافقوا بالكاد على أي من تلك الطلبات. لقد كان الأمر مروعا". ويقول آخر: إنهم كذلك يعتقدون أن جميع الطلبات تقريبا قد تم رفضها.
تنفي شركة دايسون تلك الادعاءات، مؤكدة أن أي ترتيبات مرخصة موجودة من قبل استمر العمل بها. ويتم تقييم الترتيبات غير الرسمية أو غير المصرح بها بالرجوع إلى احتياجات العمل والوظيفة المحددة التي يؤديها الفرد، ويتم اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان ينبغي استمرار هذا الترتيب، وتقول إن معظم هذه الترتيبات استمرت.
وتضيف شركة دايسون أنه كان من المناسب والضروري تماما السعي إلى فهم نطاق ممارسات العمل أو الترتيبات المعمول بها، ومراجعة مدى حاجتها للتطوير.
أظهر مخطط للعودة إلى العمل في سبتمبر عام 2021 مدى رغبة شركة دايسون في وجود الموظفين في الموقع، حيث تم تشجيع أي شخص فشلت ترتيباته المعتادة لرعاية الأطفال على الاتصال بخدمة توفير الرعاية الاحتياطية المساندة التي من شأنها أن ترسل مقدم رعاية إلى منزل الموظف، على حساب الشركة.
تقول شركة دايسون: إن هذا تم تقديمه كجزء من مجموعة من التدابير المصممة لمساعدة الموظفين، مؤكدة أنها كانت ميزة يمكن للأشخاص اختيار استخدامها كما يحلو لهم.
لكن الموظفين السابقين يقولون: إنه رغم أن رعاية الأطفال لم تكن إلزامية، إلا أنهم رأوا فيها وسيلة لضمان الحضور بأي ثمن. يقول أحد الأعضاء السابقين في فريق الموارد البشرية في المقر: "لقد كان كل ذلك جزءا من العقد [النفسي]، هذا الضغط من أجل الحضور".
خلال هذه الفترة قرر كثيرون أن هذه الثقافة ليست مناسبة لهم، ويقول أحد الأعضاء السابقين في فريق الموارد البشرية في مقر الشركة: "مرت أسابيع كنا نتلقى فيها ست أو سبع استقالات يوميا". ويضيف موظف كبير سابق آخر: "كل يوم في المكتب كان موظف آخر يقدم إشعار استقالة".
وأعلنت شركة دايسون معدل الاستقالة والتوظيف الطوعي للموظفين في المملكة المتحدة عام 2021 كان 20.2 في المائة. إجمالي معدل الاستقالة والتوظيف بما في ذلك المغادرون بشكل غير طوعي بلغ 26.8 في المائة، وهو مستوى، تقول شركة دايسون: إنه أقل من معايير الصناعة في ذلك الوقت.
ويقول أحد الأشخاص الذين لا يزالون يعملون في الشركة: إن معدلات الاستنزاف انخفضت بالفعل خلال هذه الفترة، ويرجع ذلك جزئيا إلى استمرار شركة دايسون في دفع أجور جميع موظفيها أثناء الجائحة، وبسبب عدم اليقين على نطاق أوسع بشأن ترك الوظائف في ذلك الوقت.
يوضح عديد من الموظفين السابقين لـ"فاينانشيال تايمز" أن تجربتهم أصبحت أسوأ بسبب التوقعات العالية التي كانت لديهم بشأن العمل لدى إحدى منارات الابتكار.
ويقول أحد كبار الموظفين السابقين: "ينبغي أن تكون واحدة من أفضل الأماكن للعمل في المملكة المتحدة، لكنها ليست كذلك، وهذا من أكثر الأمور سوءا. لديها أفضل التكنولوجيات، لكنها ثقافة شديدة القسوة".
شركة أداء
موظفو شركة دايسون يقرون بأنها ليست مكانا عاديا للعمل فيها.
يدمج الموقع المتوسع باستمرار في إقليم ويلتشير جاذبية شركة تكنولوجيا كاليفورنية مع حب مؤسسها العميق للطائرات: حيث طائرة مقاتلة من طراز لايتنينج إكس إم 173 من مقصفها حيث تتوافر وجبات الطعام بالمجان.
وعلى الرغم من الواجهة الزجاجية لمباني مكاتبها، إلا أن الشركة مهووسة بالسرية. تعاني الشركة خوفا مفرطا بشأن المنافسة، خاصة من المنافسين الآسيويين ذوي القدرة السريعة على التحرك والذين في الأغلب ما ينتجون أجهزة تشبه إلى حد مخيف تصاميم المجموعة البريطانية في غضون أشهر أو حتى في بعض الأحيان أسابيع بعد وصول نماذج دايسون الخاصة إلى أرفف المحال.
عادة ما يطلب من زوار حرم الشركة التوقيع على استمارات الحفاظ على السرية، بينما يطلب من الموردين المحتملين ملء اتفاقيات مفصلة لعدم الإفصاح، أو NDAs، حتى قبل عقد الاجتماعات الأولية. (تنازلت شركة دايسون عن شرطها النموذجي بعدم الإفصاح بخصوص زيارة "فاينانشيال تايمز").
مثل هذا التكتم ليس بالأمر غير المعتاد بين الشركات عالية الابتكار التي تسعى جاهدة للحفاظ على سرية أحدث مشاريعها، سواء أكانت شركات صناعة السيارات أو شركات تصنيع الأجهزة الاستهلاكية مثل أبل.
وفي هذا السياق، تجادل شركة دايسون بأن مراقبتها للحاضرين لم تكن غير عادية، حيث تتم مراقبة تحركات الموظفين عن كثب بالفعل بسبب الحاجة إلى الدخول والخروج من البوابات الأمنية التي لا تعد ولا تحصى المنتشرة في جميع أنحاء الموقع.
يقول أحد الأشخاص المطلعين: "حتما، عندما تعيد الأشخاص إلى العمل، فإنك تبدأ في قياس الأمر بشكل أكثر دقة"، كما يضيف أن معدلات الحضور أصبحت "مقياسا رئيسا للأداء" لمساعدة الشركة على قياس إنتاجيتها.
ويضيف الشخص أن على أصحاب العمل واجبا قانونيا بأن يكونوا على دراية بمكان وجود موظفيهم والظروف التي يعملون فيها. وتقول شركة دايسون: إن الأولوية في جميع قراراتها لحماية الموظفين والحفاظ على سلامتهم.
وخلال زيارتها التي استغرقت خمس ساعات، اطلعت "فاينانشيال تايمز" على كيفية تعاون موظفي دايسون، حيث تعمل أقسام التسويق والمبيعات والأبحاث في المبنى نفسه.
في إحدى الغرف، توجد شاشة عملاقة على غرار قاعة التداول تبث بيانات حية تظهر عدد العملاء الذين يتصفحون مواقع دايسون الإلكترونية حول العالم، ما يسمح لفريق التسويق بتحويل الإنفاق الإعلاني المتزايد.
وتعرض شاشة أخرى بيانات حية لجودة الهواء عالميا – حيث تتم تغذيتها من مرشحات الهواء التي باعتها دايسون حول العالم - التي تستخدمها الشركة لتتبع الأسواق المحتملة لقناع فلتر الهواء الجديد الخاص بها.
وفي أسفل الممر، يقوم فريق بتصوير إعلان على وسائل التواصل الاجتماعي في استوديو داخلي. ويتم إنتاج مقاطع الفيديو هذه بسرعة، وأحيانا خلال 24 ساعة، استجابة لاتجاهات المبيعات والطلبات.
غالبا ما يظهر المهندسون في مقاطع الفيديو لشرح التفاصيل الفنية للمنتجات. يقول دان بيرد رئيس الاستوديو، وهو واحد من 25 موظفا تم اختيارهم سلفا للتحدث إلى "فاينانشيال تايمز": "إننا نعمل عن كثب مع المهندسين أثناء تطويرهم للمنتجات".
كما يوجد معمل البطاريات في هذا الموقع، وهو مليء بالآلات المتخصصة لتجربة الخلايا. يقول كين أرمسترونج موظف المختبر: إن المهندسين يعملون هنا بشكل متكرر "الحصول على التدريب يساعد على فهم المشكلات".
ويضيف مارك تايلور، رئيس قسم الأبحاث في شركة دايسون: "لا يمكنك الجلوس أمام جهاز الحاسوب والقيام بهذه الأشياء".
لم تكن الرسائل حول العودة إلى العمل كلها عصا دون جزرة. فقد كان هناك "كثير من النقاش" داخليا حول النهج الصحيح لإعادة الموظفين للعمل في الموقع، كما يقول أحد الأشخاص المطلعين على الشركة.
وتم إدخال عديد من التدابير، من ضمنها الوجبات المجانية والنقل المجاني من وإلى حرم الشركة وعلاج الخصوبة المجاني، خلال هذه الفترة، على الرغم من أن شركة دايسون تقول إن هذه التدابير كانت لمكافأة الموظفين لا لحثهم على العودة إلى حرم الشركة.
لكن ما عدته مجموعة من الموظفين تدابير معقولة لإعادة الموظفين والحفاظ على مستويات إنتاجية عالية، رأت مجموعة أخرى أصغر منها أنها محاولة لزيادة الضغط على العمال. يقول أحدهم: إن جائحة كوفيد كانت "نقطة تحول".
وفي عديد من الشركات الأخرى، أفسحت القيود في فترة الجائحة المجال لبيئة عمل أكثر مرونة حيث لم تكن وظائف الناس مرتبطة بمكاتبهم. ربما بالنسبة لبعض العاملين في دايسون، فإن ذلك يعيد ضبط التوقعات بشأن كيفية معاملتهم. لكن بالنسبة لكبار المسؤولين التنفيذيين، ظلت الثقافة كما هي قبل الجائحة.
ويقول الشخص المطلع على هذه الشركة: "إنها بيئة صعبة، فنحن شركة تقوم على الأداء. لم يقم جيمس ببناء هذه الشركة دون أن تكون لديه رؤية غير واضحة تماما".