ماذا بعد "التحول المفاجئ" في توجيهات ميفيد 2؟

ماذا بعد "التحول المفاجئ" في توجيهات ميفيد 2؟

قبل عقود مضت، عندما كنت محللا في مجال البيع في حي المال وأقوم بجولات على عملاء إدارة الصناديق في شركتي، كنت أطرح عليهم بانتظام سؤالا بسيطا: ما الذي يريدونه من الأبحاث؟
كان الجواب آنذاك: كل خيار يمكن تصوره. في الأغلب ما كانت مكاتب مديري الصناديق تفيض بأكوام متزايدة من الأبحاث غير المقروءة، وكانت هواتفهم محاطة من قبل السماسرة الممتلئين بالأفكار. لكن المستثمرين كانوا لا يزالون يريدون المزيد. لماذا؟ لأنه لم تكن هناك تكلفة مباشرة تذكر عليهم. فقد كان يتم دفع ثمن كل هذه الأبحاث إلى حد كبير من خلال العمولات على الصفقات. بدورها، تم دفع هذه الأموال من جيوب عملاء مديري الصناديق - صناديق المعاشات التقاعدية وما إلى ذلك.
في النهاية، اعتقد المنظمون أن هذه الفكرة لم تكن عظيمة، وفي 2018 جاءت أسواق أوروبا بقواعد "ميفيد 2". تهدف إلى تسليط الضوء على نفقات الأبحاث، وفصل رسوم البحث عن عمولات التداول وجعل التكاليف واضحة.
لكن المنظمين الآن يقومون بتنفيذ ما يعرف في حرفتي الحالية بـ"التحول المفاجئ". وبدفع من وزارة الخزانة البريطانية التي تسعى إلى الاستفادة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من تحررها من وضع قواعد الاتحاد الأوروبي، بدأ المنظمون في هيئة السلوك المالي إعادة التفكير في هذا الفصل لنفقات الأبحاث والتداول. وتقوم هيئة الأوراق المالية والأسواق الأوروبية بعملية مشابهة.
يتمثل الدافع الأساس لهذا التحول الاستثنائي في إدراك العواقب غير المقصودة التي جلبتها توجيهات ميفيد 2. ومما لا شك فيه أن التوجيهات جلبت مزيدا من الشفافية. ولكن كانت هناك أيضا شكاوى من أن التغييرات قد أضرت بالنظام البيئي المالي وقللت من المعروض من أبحاث تحليل الشركات وتقييماتها، خاصة من جانب الشركات الصغيرة.
في البداية، وعد فصل ميفيد 2 بوسيلة لتعزيز تحليل عالي الجودة وتقليل أي تقارير زائدة عن الحاجة. لكنه بدأ أيضا فترة من التخفيضات الشرسة في الأسعار على الأبحاث التي أجرتها كبرى شركات الوساطة المالية.
بينما كانت دور الأبحاث الصغيرة المستقلة تراقب برعب، هبطت أسعار خدماتها. أما مديرو الأصول، الذين وجدوا أنه يتعين عليهم أن يدفعوا تكاليف الأبحاث بشكل أكثر وضوحا، فقد استغلوا بسعادة أي فرصة للحصول على خصومات. حيث تعامل كبار الوسطاء الراسخين من بنوك استثمارية ومؤسسات مالية مع أي منافسة من المستقلين بشكل مباشر من خلال حزم بحث شاملة بأسعار منخفضة للغاية.
وحتى بالنسبة إلى البنوك الاستثمارية الكبيرة، كانت هناك جوانب سلبية لتوجيهات ميفيد 2. فقد أضافت طبقات من الإدارة لكسب معركة الأبحاث. وبصرف النظر عن أي إعانات تقدمها أجزاء أخرى من البنوك الاستثمارية، فقد أصبحت الأبحاث مراكز تكلفة أكبر مما كانت عليه في السابق.
يقول ستيف كيلي، مستشار الرابطة الأوروبية لمزودي الأبحاث المستقلين: "أعتقد أن عددا قليلا من رؤساء الأبحاث سيكونون سعداء لرؤية النظام السابق يختفي".
ما زالت الأبحاث تعد عملا تجاريا كبيرا. في العام الماضي، قدرت تكلفة أبحاث الأسهم النقدية العالمية بنحو 11 مليار دولار سنويا، وفقا لتحليل كيلي لبيانات أبحاث النزاهة. ويأتي نحو ستة مليارات دولار من الولايات المتحدة، بينما تقدم أوروبا والمملكة المتحدة ثلاثة مليارات دولار أو نحو ذلك. لكن عملاء الأبحاث أصبحوا أكثر حذرا بشأن ميزانياتهم، حتى في الولايات المتحدة. يقول كبير المسؤولين التنفيذيين في إحدى شركات إدارة الصناديق الأمريكية الكبيرة: "عندما تنتقل من نموذج كل ما يحلو لك إلى نموذج القائمة الانتقائية، فستفكر بعناية أكبر فيما تستهلكه".
في الولايات المتحدة، قام مجتمع الاستثمار منذ فترة طويلة بدمج تكاليف الأبحاث مع عمولات التداول. وبموجب قانون الاستثمار الأمريكي لـ1940، لا يستطيع المستثمرون المحترفون دفع تكاليف الأبحاث مباشرة. وقد تبددت أخيرا المخاوف المحلية من أن شركات الوساطة المالية الأمريكية ستضطر إلى إنشاء مؤسسات استشارية استثمارية خاصة لقبول المدفوعات المباشرة بموجب ميفيد 2. أما الحل البديل فسيؤدي إلى مصادرة أي أموال بحثية مدفوعة في المملكة المتحدة وأوروبا في تلك المنطقة.
في أوروبا، لن تعود الأمور إلى أيام ما قبل ميفيد 2. وحتى في المملكة المتحدة، لم توص المراجعة التي أجرتها محامية الخدمات المالية راشيل كينت بتكليف من الحكومة بالعودة الإلزامية إلى اتفاقيات تقاسم العمولات (من خلال التداول) في الماضي. لكن كينت أشارت إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من المرونة في الدفع. وحتى مجموعات البحث المستقلة لا تتوقع أن تتحسن الأعمال فجأة بشكل جذري. يقول إيان جونستون، رئيس شركة نيو ستريت ريسيرتش: "أتوقع زيادة ربما 5 إلى 6 في المائة في إيراداتنا العالمية".
وبعد رؤية تراجع الحكومة عن ميفيد 2 لأغراض البحث، سيرغب عديد من مديري الاستثمار في تأخير إجراء أي مناقشات حول التكلفة حتى يتم تأكيد التغييرات. ولا شك أن هذه المناقشات ستكون صعبة. إذا كان عملاؤهم يتوقعون من مديري الأصول لديهم إجراء تحليل متعمق، ألا ينبغي تقاسم هذه التكلفة؟
عندما ينظر إليها على أنها جزء من نفقات التداول، فإن التكلفة قد تكون فقط بضعة أجزاء من المائة في المائة. ليس بهذه السرعة، قد يقول أصحاب الأصول. ويقول مايك كارودوس، من شركة صبستانتيف ريسيرتش، ساخرا إن رؤساء صناديق التقاعد يتساءلون: "إذا كان المبلغ قليلا جدا، فلماذا لا تدفعون ثمنه؟". من الذي يغطي تكلفة البحث، وليس فقط كم، هي القضية الحقيقية.

الأكثر قراءة