أصحاب العمل والموظفون في هدنة .. العمل في المكتب 3 أيام

أصحاب العمل والموظفون في هدنة .. العمل في المكتب 3 أيام

عندما دعت شركة زووم المتخصصة في مؤتمرات الفيديو الموظفين للعودة إلى المكتب الشهر الماضي، تم تفسير ذلك على نطاق واسع على أنه تفكك تجربة العمل عن بعد.
تم استغلال الرسالة المؤيدة للعمل من المكتب، بعد أربعة أعوام من الجائحة التي أدت إلى تراجع الموظفين الإداريين، من قبل إيلون ماسك الذي وصف أنه من الخطأ أخلاقيا أن يعمل "موظفو الحاسوب المحمول الذين يعيشون في لا لا لاند" من المنزل.
وتتتبع شركة أمازون الحضور وتبعث رسائل البريد الإلكتروني للموظفين الذين يفشلون في الحضور ثلاثة أيام في الأسبوع، بينما تقول شركة جوجل: إن الغياب سيؤثر في مراجعات أداء الموظفين. وفي المملكة المتحدة، فرضت البنوك، بما في ذلك لويدز بنكينج جروب، وسيتي، وإتش إس بي سي، ابتداء من سبتمبر الجاري، قواعد للعمل داخل المكاتب.
لكن حتى في الوقت الذي يتخذ فيه بعض أصحاب العمل نهجا أكثر عدوانية لإجبار الموظفين على العودة إلى مكاتبهم، فإن أحدث البيانات تظهر أن الصورة المتعلقة بأنماط العمل أكثر دقة. حتى بعد تشديدها، لا تطلب شركة زووم سوى يومين للعمل في المكتب، بينما تتوقع معظم الشركات الأخرى التي لديها موظفون مكتبيون الاحتفاظ بجزء من العمل عن بعد.
يقول بريان إليوت، المؤسس المشارك لفيوتشر فوروم، وهو اتحاد حول مستقبل العمل تم إطلاقه عام 2020: "ما لا يتصدر العناوين الرئيسة هو أن هناك نسبة أكبر من الشركات تنتقل من الدوام الكامل في المكتب إلى قدر أكبر من المرونة".
مع خروج النصف الشمالي من الكرة الأرضية من موسم العطلات الصيفية – وهي تقليديا النقطة التي تسعى فيها الشركات إلى تشديد سياسات العودة إلى المكاتب – إلا أن التوترات مع الموظفين لا تزال بعيدة عن كونها محلولة. لكن الجدل حول أنماط العمل يدخل مرحلة جديدة، حيث تدرس الشركات كيفية تعزيز إنتاجية وأداء السياسات الهجينة ـ بدلا من النظر إليها باعتبارها مجرد ميزة للموظفين. بدأت تظهر دلائل جديدة حول الكيفية التي يمكن بها لأصحاب العمل إدارة العمل الهجين، بما في ذلك إضفاء الطابع الديمقراطي على القرارات وزيادة التدريب على القيادة.

العثور على حل وسط
في الولايات المتحدة، تتمتع 33 في المائة من الشركات بمرونة كاملة – ما يعني أن الموظفين يعملون عن بعد بشكل كامل أو يتم منحهم حرية اختيار متى يذهبون إلى المكتب، وفقا لمؤشر فليكس الذي يجمع بيانات حول سياسات العمل من 6500 شركة. وانخفضت نسبة الشركات الأمريكية التي تتطلب الحضور إلى مكاتبها بدوام كامل من 49 في المائة في يناير إلى 39 في المائة في يوليو.
وفي الوقت نفسه، تم اعتماد النموذج الهجين "المعتدل"، الذي يتطلب حدا أدنى من عدد الأيام في المكتب، من قبل 28 في المائة من الشركات بحلول يوليو، ارتفاعا من 20 في المائة في بداية هذا العام.
وفي المتوسط، تشترط الشركات الأمريكية العمل لمدة 2.56 يوم في المكتب أسبوعيا، وفقا لتقرير مؤشر فليكس الجديد، أي في نصف الطريق بين ما يأمله أصحاب العمل 2.75 يوم، و2.21 يوم التي يرغب فيها الموظفون.
يقول روب سادو، من شركة سكوب، التي توفر تكنولوجيا العمل الهجين وتشرف على مؤشر فليكس: "أعتقد أن نظام قضاء يومين أو ثلاثة أيام في الأسبوع [في المكتب] بمنزلة هدنة. قد لا يحصل أصحاب العمل على ما يريدون بالضبط، وقد لا يحصل الموظفون على ما يريدون بالضبط".
وعلى الصعيد العالمي، يشير مؤشر ليسمان، الذي يقيس مشاركة الموظفين، إلى أن نحو ثلث الشركات فرضت وقتا مكتبيا، بينما يسمح نصفها تقريبا للموظفين بالاختيار، مع اختيار الأغلبية الجمعة باعتباره اليوم الذي من المرجح أن يعملوا فيه عن بعد.

امنح الموظفين صوتا
إن الجهة التي تقرر سياسات الشركات بشأن أماكن العمل تساعد على تحديد مدى حسن جودتها، حيث تحظى السياسات الإلزامية بشعبية كبيرة بين أصحاب العمل ويرجع ذلك جزئيا إلى سهولة فرضها، لكن الموظفين يفضلونها عندما يكون لهم رأي في القرار.
تقول سيريتا براون، رئيسة موظفي المجموعة ومسؤولة الاتصالات في بنك التجزئة في المملكة المتحدة فيرجن موني، إن المجموعة أجرت كثيرا من الأبحاث على جميع المستويات، قبل أن تقرر أن معظم الموظفين يمكنهم العمل في أي مكان في المملكة المتحدة. ومع ذلك، تم تحديد النمط بالتشاور مع المدير والفريق. وأضافت: "يتطلب هذا كثيرا من العمل. ولهذا تجد الشركات أن هذه الأشياء صعبة".
ووفقا لدراسة استقصائية أجرتها مجموعة بوسطن الاستشارية وشملت 1500 موظف معظمهم من موظفي المكاتب الأمريكيين والأوروبيين ربيع عام 2023، لم يكن لنحو ثلثيهم (62 في المائة) رأي في سياسة شركاتهم. وكان الموظفون أقل رضا عندما تم تحديد نمط عملهم من أعلى الشركة، وعندما كان مديرهم المباشر هو من يملي عليهم السياسة، انخفضت نسبة المشاركين غير الراضين، ثم انخفضت مرة أخرى إذا قرر الفريق ذلك.
تطلب شركة المدفوعات ماستركارد، التي كانت لديها قاعدة العمل لمدة خمسة أيام في المكتب قبل الجائحة، يومين على الأقل في المكتب. ما يتيح للفرق أن تقرر متى ولماذا تعمل عن بعد أو في المكتب، وتشجعهم على الاجتماع في "اللحظات المهمة"- كما يقول مايكل فراكارو كبير مسؤولي الموظفين.
يحتاج بعض أصحاب العمل إلى عدد أقل بكثير من اللقاءات، حيث تسمح شركة أتلاسيان ومقرها سيدني، للموظفين بتحديد مكان العمل، وتوصي فقط بأن تعقد الفرق "لقاءات" شخصية مرة واحدة كل ثلاثة أشهر.
تقول آني دين، رئيسة "تيم أني وير- Team Anywhere" لمجموعة البرمجيات، إن استطلاعات الرأي الشهرية للموظفين تظهر أن مثل هذه الأحداث، التي قد تستمر لمدة أسبوع، كافية لتعزيز الشعور بالارتباط بين أعضاء الفريق بنسبة 30 في المائة تقريبا. وتقول: "التأثير يستمر لمدة أربعة أو خمسة أشهر، وتكون الروابط أقوى من تلك الموجودة بين أعضاء الفريق المقيمين بشكل دائم معا في المكاتب".

مهام وليست أيام
تفسر الاختلافات في أساليب العمل بين المديرين التنفيذيين والموظفين جزئيا عدم التطابق في التوقعات المتعلقة بالعمل داخل المكتب.
تقول مجموعة بوسطن الاستشارية: إن المديرين يقضون نحو نصف وقتهم في المهام التي تتطلب منهم الاجتماع شخصيا، مثل: تقديم التغذية الراجعة أو تنصيب موظفين جدد، مقارنة بموظفيهم، الذين يقضون وقتا أطول في "العمل الذي يتطلب التركيز"، مثل كتابة التقارير، وهو الأمر الأنسب للعمل عن بعد.
وأخبر جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك جيه بي مورجان تشيس، وهو متشكك علني بشأن العمل من المنزل، صحيفة "ذا إيكونوميست"، أنه يعتقد أن نموذج العمل عن بعد أقل فاعلية بالنسبة لفرق الإدارة والموظفين الأصغر سنا، موضحا أن القرارات لن يتم اتخاذها عبر "استرضاء الموظفين". وأضاف: "يجب يعمل النموذج لمصلحة الشركة، والأهم من ذلك، للعملاء".
يتحرك بعض أصحاب العمل إلى ما هو أبعد من السياسات الصريحة التي تفرض أياما في المكتب لمواءمة المهام والمواقع. ويقول براون من شركة فيرجين موني: إن هذا يتطلب تخطيطا بالقول: "تجلس مع مديرك وفريقك وتقول، ما الذي يتعين علينا القيام به في الربع المقبل؟ ما إيقاعنا؟".
على سبيل المثال، تعمل فرق التمويل وعلاقات المستثمرين والاتصالات على النتائج ربع السنوية. عادة، في الأيام القليلة التي تسبق نشر النتائج، تعمل الفرق معا في الموقع نفسه.
وينتظر أن يتم تنظيم أنماط العمل بحسب الخبرة. وتتوقع شركة أر إس إم للمحاسبة أن يكون العمال المبتدئين موجودين في المكتب أكثر من كبار الموظفين.
ويقول جون تايلور، مدير عام العمليات في الشركة في المملكة المتحدة، إن الشركة تشرح "للشباب أن الأمر لا يتعلق بالحضور إلى العمل، بل يتعلق بالاستثمار في حياتهم المهنية".
لكن ديبي لوفيتش، من مجموعة بوسطن الاستشارية ترى أن معظم المديرين التنفيذيين يراقبون فقط "الحضور الجسدي" وتمرير بطاقات الدخول، بدلا من إدارة الأمور نحو السعادة والإنتاجية".

الإنتاجية
أخبر تشارلي نان، الرئيس التنفيذي لبنك لويدز، الموظفين في يوليو الماضي أن البنك "لا يمكنه أن يكون قادرا على المنافسة إلا إذا تعاونا بفاعلية... وهو أمر صعب، إذا كان الفريق أقل قوة في أيام معينة من الأسبوع".
لكن ما إذا كان العمل الهجين أكثر إنتاجية من العمل عن بعد أو العمل بشكل كامل في المكتب يظل غير حاسم.
وتشير ورقة عمل نشرها الأكاديميون خوسيه ماريا باريرو ونيك بلوم وستيفن ديفيس، إلى أن العمل عن بعد بشكل كامل يقلل الإنتاجية بنسبة 10 إلى 20 في المائة، مقارنة بالعمل المكتبي بدوام كامل، بسبب عقبات مثل مشكلات التواصل والملهيات المنزلية.
بينما تشير ورقة العمل إلى أن إنتاجية العمال بالنموذج الهجين كانت موازية أو أعلى قليلا من إنتاجية العاملين في المكاتب، ويعتقد الأكاديميون أن النموذج الهجين جذاب، لأنه يقلل من تكاليف التوظيف والاحتفاظ بالموظفين. حيث قدر بلوم من جامعة ستانفورد أن عرض العمل المرن يعادل زيادة في الأجور بنسبة 8 في المائة تقريبا، استنادا إلى دراسات استقصائية للعمال، الذين يبدو أنهم يقدرون الحرية الأكبر والتكلفة المنخفضة، على سبيل المثال، للتنقل بشكل أقل تواترا.
انتقلت مستر كوبر، وهي شركة أمريكية لخدمات الرهن العقاري، إلى نموذج مرن مبني حول إطار عمل يتجنب التفويض من أعلى إلى أسفل ويسمح للفرق بوضع معايير العمل. يقوم معظم الموظفين بالأعمال اليومية من المنزل، إذ تقول كيلي آن دورتي، المديرة الإدارية للمجموعة: "بلغ حجم التوظيف والاستقالة للموظفين العام الماضي نحو 25 في المائة. هذا العام بلغت النسبة نحو 16 في المائة. أعزو ذلك إلى ترتيبات العمل المرن".

الإدارة والتغذية الراجعة
يظهر التحول في عادات العمل بالفعل في البيانات المتعلقة باستخدام المكاتب، ما سيحدد في النهاية قرارات الملكية عندما تنتهي عقود الإيجار الطويلة. فقد وجدت دراسة أجريت على عينة من المؤسسات، أجرتها شركة أيه دبليو أيه الاستشارية في مكان العمل، أن متوسط الحضور المكتبي ارتفع إلى 35 في المائة حول العالم، وذلك من 26 في المائة في يوليو من العام الماضي. وزاد استخدام المكاتب بشكل أكثر حدة، من 33 في المائة إلى 48 في المائة، ما يعكس انخفاضا في المساحات المكتبية المتاحة إلى جانب قيام الشركات بدمج عقاراتها.
لكن كثيرا من الشركات بدأت تدرك أن العمل المرن الناجح لا يأتي نتيجة عملية حسابية بسيطة حول المساحة المكتبية والوقت الذي يتم قضاؤه فيه، بل يتطلب تدريب القادة على إدارة الفرق الهجينة والموزعة.
يقول فراكارو من شركة ماستركارد: "لقد ضاعفنا جهودنا في تدريب المديرين. إن عامل النجاح الكبير هو الاستثمار في الناس".
وتوضح دورتي من شركة كوبر، أن الشركة ركزت على مجالات مثل التدريب وكيفية تقديم تغذية راجعة فعالة. وتضيف: "عندما تكون شخصيا في المكتب، يمكن للقائد أن يمر عليك مرور الكرام ويعتقد أنه قد حقق أحد أهدافه. عندما تعمل بنموذج العمل الهجين، عليك أن تكون قاصدا ما تفعله".
تقول ديسبينا كاتسيكاكيس، رئيسة المجلس الثقافي البريطاني للمكاتب: "يأمل قادة المؤسسات أن يحل المكتب مشكلاتهم الإدارية. عليك أن تبدأ بالسبب – ما السلوكيات التي نريد توليدها ؟ مع الأسف في الأغلب ما نبدأ "بالمساحة الخاصة بي غير مستغلة بشكل كاف، لذا نحتاج إلى مساحة أقل بنسبة 20 في المائة". ربما تريد أن تفهم سبب عدم استغلالها بالقدر الكافي.

الأكثر قراءة