رغم العواقب .. دروس لم ترسخ بعد كوفيد
عندما يجتمع رؤساء الدول والحكومات من مختلف أنحاء العالم في الأمم المتحدة في نيويورك في الأيام المقبلة، من غير المرجح أن يحرزوا أي تقدم ملموس في معالجة مشكلة ملحة شغلت بالهم أخيرا.
في حين من المقرر أن تحتل الصراعات وتغير المناخ والنمو الاقتصادي مكانة بارزة في مناقشاتهم، إلا أن التهديد الوجودي للأمراض المعدية قد تراجع إلى حد كبير في الأجندة الدبلوماسية الدولية، على الرغم من إرثه المستمر واليقين من تكراره.
إن كوفيد - 19 هو تذكير بأن الأمراض المعدية لا تزال تشكل تهديدا أساسيا. لقد أودت الجائحة بحياة عشرات الملايين من الناس، وألحقت ضررا طويل الأجل بصحة كثيرين آخرين، وتسببت في اضطراب اقتصادي عالمي كلف العالم تريليونات الدولارات.
لكن على الرغم من الاستفسارات البارزة والمقترحات الطموحة لتعزيز الوقاية من الجائحة والتأهب لها، فقد تلاشى قدر كبير من الزخم، حتى مع انتشار المتغيرات الجديدة من فيروس كورونا، وتحورها، وحصدها الأرواح.
ينصب اهتمام صناع السياسات على شيء آخر. وقد تم إضعاف الأفكار الجريئة لتخصيص التمويل، وتوزيع اللقاحات بشكل أكثر إنصافا، وزيادة مساءلة الحكومات، التي ظهرت في مسودات معاهدات مكافحة الجائحة، بشكل حاد.
تقول نينا شوالب، مستشارة الصحة وعضو مساعد في هيئة التدريس في كلية ميلمان للصحة العامة في جامعة كولومبيا "إن الحاجة الملحة التي استحوذت على الدول للاستعداد بشكل أفضل في المستقبل قد تم استبدالها بالرضا عن النفس والحلول الوسط. إذا فرطنا في الإرادة السياسية لإصلاح نظامنا المعطل في أعقاب الجائحة، فمتى إذن سنفعل ذلك؟".
لأعوام عديدة، بدا أن النمو الاقتصادي المدعوم بالاستثمار في الصحة العامة -من تحسين الممارسات الصحية إلى اللقاحات الفعالة- يتغلب على الأمراض المعدية التي كانت بارزة في السابق، مثل التيفوئيد وشلل الأطفال والجدري. وحتى في البلدان ذات الدخل المنخفض، أدت الجهود المبذولة إلى خفض عبء الآفات السابقة بشكل كبير، من فيروس نقص المناعة البشرية إلى الملاريا. وقد أدى تغيير أنماط الحياة إلى جعل أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان وغيرها من التهديدات غير المعدية محور التركيز الأساسي للنظم الصحية لدى السكان الأكثر ثراء وفقرا.
لكن الجائحة أكدت الروابط الوثيقة بين الأمراض المعدية وغير المعدية، والحاجة إلى زيادة قدرة الرعاية الصحية للتعامل مع العدوى. وكان الأشخاص الذين يعانون حالات كامنة أكثر عرضة للإصابة بكوفيد - 19، وقد أصيب عديد من الناجين بـ"كوفيد طويل الأمد".
بينما بدأت الجائحة السابقة التي كانت بحجم كوفيد - 19 منذ أكثر من قرن، إلا أن العدوى الناشئة حديثا مستمرة في الانتشار. وبعيدا عن التهديدات الوبائية الدورية -مثل ميرس، وسارس، وأنفلونزا الطيور- فإن بعض الحالات الخطيرة لم تختف أبدا بما فيها السل، الذي لا يزال يحصد أرواح أكثر من 1.5 مليون شخص كل عام.
تشكل علاجات مرض السل المعقدة والمكلفة وغير الفعالة في كثير من الأحيان أحد الأمثلة على التهديد الأوسع والمتزايد لمقاومة مضادات الميكروبات "إيه إم آر"، التي تقتل حاليا 1.3 مليون شخص سنويا. يقول توم فريدن، الرئيس السابق للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها "إنها الخطر الكبير. قد نصل قريبا إلى عصر ما بعد المضادات الحيوية. نحن نفقدها بشكل أسرع مما نطورها".
يدير فريدن الآن منظمة ريزولف لإنقاذ الأرواح، التي تعمل على تحسين الاستجابة المستقبلية للجائحة، إلى جانب الجهود المبذولة لمعالجة أمراض القلب والأوعية الدموية. ويقول "نحن بحاجة إلى استثمار مستدام في الاستعداد وليس الدورة المتكررة من الذعر والإهمال". وهو يدعو إلى إطار جديد "7-1-7"، وهو هدف مدته سبعة أيام للكشف عن تفشي المرض المعدي المشتبه فيه، ويوم واحد لإخطار سلطات الصحة العامة لبدء التحقيق، وسبعة أيام لاستكمال الرد الأولي.
لكن الضغوط الاقتصادية والسياسات الشعبوية اتحدت للضغط على ميزانيات المساعدات الخارجية في دول مثل المملكة المتحدة، الأمر الذي قوض الزخم لمبادرات الجائحة الجديدة، فضلا عن دعم الأمراض المدارية المهملة مثل البلهارسيا والتراخوما.
وفي حين إن هذه الظروف تقتصر إلى حد كبير على المناطق الريفية الفقيرة، فإن تغير المناخ يجلب تهديدات جديدة للمناطق الحضرية والأكثر ثراء أيضا. فقد أبلغت ولاية فلوريدا هذا العام عن أول حالات الإصابة بالملاريا المنقولة محليا منذ عقدين. وتستمر حالات العدوى الأخرى في الانتشار، من مرض لايم إلى مرض شاغاس.
لم يتعاف بعد التمويل المخصص لمكافحة عدوى هذه الأمراض، الذي حولته الجائحة. وهذا هو أحد الأسباب التي دفعت برنامج يو إن إيدز للأمم المتحدة للإيدز ونقص المناعة البشرية، إلى أن يطلق في الصيف مجلسا عالميا يعنى بعدم المساواة والإيدز والأوبئة، لإعادة التركيز على العبء، وترابط الأمراض، والحاجة إلى استجابات أكثر تنسيقا.
هناك دعم متزايد للتغطية الصحية الشاملة لتوفير الخدمات الطبية الأساسية للجميع وزيادة التركيز على الوقاية. وفي وقت ينتشر فيه الإرهاق على نطاق واسع، والتقاعد المبكر، والنقص في تدريب وتوظيف الأطباء والممرضين، قد يتطلب ذلك قدرا أكبر من "تحويل المهام" إلى العاملين في مجال الصحة المجتمعية.
يقول الدكتور شامبو براساد أشاريا، مدير منظمة الصحة العالمية "إن الرعاية الصحية الأولية هي الأساس، وعلى الصعيد العالمي، ليس لدينا ما يكفي من العاملين. علينا تطوير قوة عاملة كافية، ثم التفكير في كيفية استخدامها بطريقة أكثر فعالية".
ويدعو تيم إيفانز، مدير كلية السكان والصحة العالمية في جامعة ماكجيل، إلى تطوير أكبر "لروح المبادرة" في مجال الصحة العامة. "نحن لسنا بحاجة إلى إخصائي فرعي آخر في علم الأعصاب أو خبير في الإحصاء الحيوي من الدرجة الأولى. إن نوع العمل الأساسي الذي نفتقده هو شخص يقول: أحب التحدي مثل كيفية حشد الناس في غضون 24 ساعة لتأمين سلاسل التوريد لمعدات الحماية الشخصية".
ستتطلب معالجة الجوائح والأمراض المعدية الأخرى في المستقبل بشكل أكثر فعالية اتباع نهج أقوى وأكثر تكاملا لتحسين أنظمة الصحة والسلامة. لكنها ستحتاج أيضا إلى إحراز تقدم مستمر في مواجهة التحديات الأخرى التي تواجه الأمم المتحدة، التي تتضمن معالجة تغير المناخ وعدم المساواة في النمو الاقتصادي.