الصين تنحرف عن طريق المعجزة .. هل بلغ التشاؤم ذروته؟
انحرفت الصين عن "طريق المعجزة" منذ أعوام والآن يحاول كثيرون فهم القصة. تحول شيخوخة السكان، ومستويات الديون المرتفعة، والحكومة التدخلية البلد إلى قوة متراجعة مثل اليابان في التسعينيات، عندما تباطأ اقتصادها تباطؤا حادا لكنه تجنب أزمة مطلقة. ونظرا إلى أن توقع الإجماع خاطئ بشكل موثوق - قبل عام كان هناك ازدهار إعادة فتح الاقتصاد في الصين وركود حتمي في الولايات المتحدة - فمن الجدير أن نتساءل عما يفتقده سيناريو "النموذج الياباني".
ربما يكون معيبا بطريقتين مختلفتين للغاية، على الأقل في المدى القصير. أحد السيناريوهات المحتملة يتبع الأعوام الأولى من التباطؤ في اليابان. بعد انهيار فقاعتها العقارية في 1990، أدت الحوافز الحكومية الكبيرة إلى عودة قوية في الأسواق والاقتصاد. وارتفعت أسهم طوكيو 80 في المائة في الفترة ما بين منتصفي 1992 و1993، وتسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي مما يقارب الصفر إلى 3 في المائة. كان هذا هو الحدث الأول في سلسلة من الآمال الزائفة، التي تزامنت مع التباطؤ طويل الأمد. لكن من الممكن أن تكون الصين مقبلة أيضا على عودة مؤقتة أو اثنتين.
السيناريو المعقول الآخر هو أن الصين أصبحت حيث كانت الولايات المتحدة في أواخر صيف 2008 - عندما كانت سوق العقارات متعثرة لكن معظم المحللين لم يتوقعوا حدوث أزمة وشيكة. وبالطبع، جاءت المشكلة مع الاندفاع في سبتمبر من ذلك العام، الأمر الذي أجبر الحكومة على بذل كل ما في وسعها لمنع حدوث ركود أعمق حتى. في هذا السيناريو، الخطوة الكبيرة التالية بالنسبة إلى الصين هي الدخول في أزمة مالية مكتملة الأركان.
كان الدافع وراء عودة اليابان في 1993 هو الارتفاع الكبير في الحوافز الحكومية، التي وصلت إلى 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في ذلك العام. أما الدافع وراء الانتعاش المحتمل في الصين فأقل وضوحا، نظرا إلى أن بكين كانت مترددة في الإنفاق بكثافة، على ما يبدو بسبب حذرها من تراكم ديون أكثر. لكن السلطات الصينية بدأت في الأسابيع الأخيرة طرح تدابير تحفيزية تدريجية، بدءا من قواعد الإقراض العقاري الأسهل إلى التخفيضات الضريبية لبعض مشتري المنازل. وقد يكون هناك مزيد في المستقبل.
تعتمد الحجة المؤيدة لعودة الانتعاش جزئيا على مهارة الصين التكنولوجية. رغم حملة بكين الصارمة على شركات التكنولوجيا الكبرى، لا تزال الصين تتفوق على الولايات المتحدة "بشكل مذهل في بعض الأحيان" في 37 من أصل 44 مجالا تكنولوجيا، من الذكاء الاصطناعي إلى الروبوتات، وفقا لدراسة أجراها معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي في وقت سابق من هذا العام. ولم تنجح الحملة ضد التكنولوجيات الحساسة سياسيا مثل وسائل التواصل الاجتماعي في إبطاء إعانات تقدر بالمليارات لدعم الصادرات الجديدة للتكنولوجيات الأقل حساسية، مثل المركبات الكهربائية والطاقة الشمسية.
في هذا العام، تفوقت الصين على اليابان بوصفها المصدر الرئيس للمركبات الكهربائية في العالم، التي تعد أيضا من بين ألمع المجالات في أسواق الأسهم الصينية. ورغم الربع الثاني الصعب، أظهرت الأسواق مرونة مع ارتفاع نمو الإيرادات في القطاعات الاستهلاكية مثل السيارات والترفيه، حتى في الحالات التي لم تكن فيها نتائج الشركات رائعة، فإنها على الأقل لم تعد أقل من التوقعات المنخفضة كثيرا. لكن نظرا إلى ارتفاع المشاعر المناهضة للصين، فربما تمنع الغمامة الأيديولوجية المعلقين من رؤية أي شيء إيجابي.
تتمثل السلبية الكبيرة في سوق العقارات. تشير أغلب خطوط الاتجاه إلى أن الانهيار مقبل، كما حدث في الولايات المتحدة صيف 2008. كانت أسعار الأراضي والمساكن تتقلص بمعدل سنوي يبلغ نحو 5 في المائة. وانخفض الاستثمار العقاري، وتراجعت إيرادات الحكومة المحلية من مبيعات الأراضي 20 في المائة حتى نهاية مايو. وتمثل "أدوات التمويل" التي تستخدمها الحكومات المحلية لشراء الأراضي وبيعها الآن نحو نصف ديون الحكومة الصينية، التي تضاعفت وأكثر في غضون عشرة أعوام إلى ما يقارب 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
إن بكين مشلولة جزئيا بسبب هذه الديون. فضلا عن ذلك، فإن أسعار الفائدة المرتفعة في الولايات المتحدة تحد من قدرة الصين على استخدام السياسة النقدية المتساهلة لدعم أسواقها العقارية، من دون التسبب في تدفق رؤوس الأموال إلى الخارج وانهيار قيمة الرنمينبي. ولكي نكون واضحين، فإن أوجه التشابه بين الصين اليوم واليابان في التسعينيات مذهلة بالفعل ـ وصولا إلى الدور الذي لعبته الحكومات المحلية في فقاعة الديون ـ ومن المرجح أن يحدث تباطؤ طويل الأمد في الصين على النمط الياباني.
لكن السؤال هنا هو المدى القريب. هل يعد الحديث عن "الذروة" في الصين علامة على أن التشاؤم بلغ الحد الأقصى أم أن هناك ما هو أسوأ في المستقبل؟ وبما أن الفقاعات العقارية التي يؤججها ارتفاع الديون تميل إلى الانتهاء في فترات ركود اقتصادي أكثر حدة مما شهدته الصين حتى الآن، فإن سيناريو الأزمة أكثر احتمالا بعض الشيء من انتعاش كبير. وسواء كانت خطوة الصين التالية تأخذها نحو الأفضل أو الأسوأ، فمن المرجح أن تكون أكثر دراماتيكية بكثير من سيناريو التخبط الذي يتوقعه الإجماع.
*رئيس مجلس إدارة روكفيلر إنترناشونال