«العشرين» أمام استحقاقات ملحة
"العالم يعاني أزمة ثقة هائلة عمقتها الحرب"
ناريندرا مودي، رئيس وزراء الهند
لنترك تجنب مجموعة العشرين في قمتها التي عقدت في نيودلهي، التنديد بالحرب الروسية في أوكرانيا، وإن أشارت إلى ضرورة الامتناع عن التهديد أو استخدام القوة سعيا للاستيلاء على أراض. القمة الـ18 لهذه المجموعة التي تسيطر دولها عمليا على نحو 89 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، حققت قفزتين نوعيتين: الأولى، بإعطائها مقعدا دائما للقارة الإفريقية، التي سيتم التعاطي معها كما هي الحالة مع عضوية الاتحاد الأوروبي فيها. الأخرى، التوقيع على مذكرة تفاهم بشأن مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. دون أن نتجاهل الغياب اللافت للرئيس الصيني شي جين بينج عن هذه القمة، والغياب المفهوم للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عنها. فالرئيس البرازيل لولا دي سيلفا قال في أعقاب تسلمه الرئاسة الدورية للمجموعة: إن بوتين لن يعتقل إذا ما شارك في القمة المقبلة العام المقبل في بلاده.
لا شك أن الاتحاد الإفريقي الذي يضم 55 دولة، حقق اختراقا في عضويته الجديدة في مجموعة العشرين في الوقت المناسب. فقد صار للقارة السمراء صوت مهم في هذه المجموعة تستحقه. نحن نعلم أن "العشرين" أخذت في الواقع زمام المبادرة الدولية في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت في 2008. وقدمت سلسلة من المبادرات وقامت بمجموعة من التحركات أسهمت في حل بعض المشكلات الدولية. ولأن الأمر كذلك، كان من الطبيعي أن يكون للدول الإفريقية دور ما في هذه الكتلة هائلة القوة والتأثير. يعيش في هذه القارة أكثر من 1.2 مليار نسمة، وفق تقديرات تعود إلى 2016، كما أن ناتجها الإجمالي السنوي يصل إلى نحو ثلاثة تريليونات دولار كل عام بحسب بيانات العام الماضي. يضاف إلى ذلك، أن المشاريع الإنمائية التي تتكفل بها الجهات الدولية، بما فيها أغلبية دول مجموعة العشرين تنتشر على طول وعرض هذه القارة. كما أنها تمتلك مقومات كبيرة للتنمية.
من هنا، فإن انضمام الاتحاد الإفريقي إلى مجموعة العشرين، يعد خطوة إلى الأمام على صعيد تمتين علاقاته الدولية في مجالات مختلفة، وطرح المشكلات والحلول والمبادرات والأفكار، بما يخدم في النهاية أهداف المجموعة. باختصار، سيكون الصوت الإفريقي أكثر قوة في المجالات المطروحة كلها، بما في ذلك التغير المناخي وديون الدول الناشئة والفقيرة، وتلك التي توصف بالأشد فقرا. واللافت أن عضوية الاتحاد الإفريقي الجديدة جاءت بموافقة قادة مجموعة العشرين بالإجماع، ما يعني أن العضوية ستمضي بسلاسة في المستقبل، وستسهم في إضافة مزيد من النتائج على هذه المجموعة، بصرف النظر عن بعض الخلافات الموجودة فيها في الوقت الراهن، نتيجة قضايا متعددة على رأسها المواجهات الجيوسياسية والمعارك التجارية، حتى الخلافات بين الحلفاء أنفسهم بشأن مصير النظام العالمي الحالي.
النقطة الأهم أيضا في قمة مجموعة العشرين تبقى الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. هذا المشروع الضخم تدعم السعودية توجهاته وتضخ الأفكار فيه، لبدء تنفيذه على الأرض. إنه مشروع ضخم لا يختص فقط برفع وتيرة التبادل التجاري وتعزيز التعاون المشترك في هذا المجال فحسب، بل يشمل أيضا مجموعة لا تنتهي من العوائد التي تحتاج إليها أطراف المشروع والعالم أجمع. الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، ركز بشدة على مشروع الممر هذا، لأسباب عديدة، في مقدمتها تعزيز العلاقات بين الدول المعنية مباشرة فيه، وتوفير حراك تجاري وخدماتي انسيابي بينهما، إضافة إلى العوائد الآتية منه لدول خارج نطاق هذا الممر. أي أنه يدعم الاقتصاد العالمي بصورة مباشرة، كما أنه يزيل العقبات حتى الخلافات، إن وجدت، بين الأطراف ذات الصلة المباشرة.
لا بد من الإشارة هنا، إلى أن مشروع الممر لا ينحصر بحراك تجاري مطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى فحسب، بل يشمل أيضا إنشاء شبكة من الأنابيب لتصدير واستيراد الكهرباء والهيدروجين، وضمان إمدادات الطاقة، خصوصا بعد أن شهدت اضطرابا في الآونة الأخيرة في أعقاب الحرب في أوكرانيا. ومن المستهدفات المهمة أيضا لهذا الممر، مد الكابلات لنقل البيانات بأعلى معايير الجودة والأمان والكفاءة. إنه ممر اقتصادي متكامل، يعزز الحراك العالم في توفير الطاقة النظيفة، كما أنه سيكون جزءا أصيلا من مسار حماية المناخ. فضلا عن أعداد هائلة من فرص العمل ستكون متوافرة وبصورة مستدامة منذ اليوم الأول لبدء عملية التنفيذ.
لا شك أن قمة مجموعة العشرين توصلت إلى استنتاجات وتوافقات عديدة خلال يومين في نيودلهي، لكن النقاط العملية المباشرة الأهم تفرض نفسها على الساحة. غير أنه لا بد من الاعتراف بأن الخلافات السياسية والجيوسياسية بين بعض القوى ضمن المجموعة، تترك آثارا سلبية في الساحة، في الوقت الذي يحتاج فيه العالم إلى التعاون المباشر والعميق من أجل المصلحة الدولية ومصلحة الأطراف المعنية كلها. مجموعة العشرين أمامها مسؤوليات دولية تكفلت بها بعد أزمة 2008، التي وضعت العالم آنذاك على حافة الانهيار الكامل.