بين برلين وباريس خلافات ومواجهة إيديولوجية

بين برلين وباريس خلافات ومواجهة إيديولوجية

تظهر فرنسا وألمانيا بصورة متزايدة خلافاتهما حول مسائل مختلفة، من الطاقة إلى قواعد الميزانية مرورا بالدفاع، ما يهدد بحصول شقاق في أوروبا في وقت تتراكم التحديات على الساحة الدولية.
إضافة إلى التباعد بين المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أصبحت الملفات الرئيسة "ساحات مواجهة إيديولوجية" بين البلدين، حسبما يرى الأمين العام للجنة دراسات العلاقات الفرنسية الألمانية في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية إريك-أندريه مارتان.
في برلين، تؤكد الأوساط الدبلوماسية أنه رغم الاختلاف في وجهات النظر، تتفق دائما الدولتان على الأمور الأساسية، باعتبار أن التقدم في أوروبا مستحيل في غياب المحرك الفرنسي الألماني.
وتشدد باريس أيضا على الرغبة المشتركة في التغلب على الصعوبات، بحيث تشير وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا ونظيرتها الألمانية أنالينا بيربوك إلى أنهما على اتصال دائم.
وقالت بيربوك الجمعة لصحيفة "ويست فرانس" الفرنسية "من المعروف أن ألمانيا وفرنسا أفضل صديقتين في العالم، لكننا نتشاجر أحيانا مثل زوجين مسنين"، متحدثة عن الإصلاح الصعب لسوق الكهرباء الأوروبية.
وفي خلفية خلافاتهما أيضا معركة حول النووي الذي تعتبره فرنسا أولوية لإمدادات الكهرباء في حين أغلقت ألمانيا محطتها النووية الأخيرة في أبريل.
وقال وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك "لسنا متفقين على شيء".
النبرة مماثلة في باريس، حيث تتحدث الأوساط الدبلوماسية عن مناقشات صعبة حول الطاقة وإصلاحات قواعد الميزانية وعن الرغبة في أن تكون برلين أكثر تعاونا.
وبدأت الخلافات تصبح بنيوية، بحيث بدأنا نشهد تحولا في التصورات والتحليلات والأولويات على كل الصعد تقريبا، بحسب مدير المعهد الفرنسي الألماني في لودفيعسبرغ فرانك باسنر.

- "فرنسا نسخة أفضل من ألمانيا"

 يغذي ركود الاقتصاد الألماني والشكوك الألمانية المتزايدة حول قدرة البلد على التعافي، هذه التباينات في المواقف.
وعنونت أسبوعية "دير شبيغل" الألمانية أخيرا، بنبرة مستفزة إلى حد ما، "فرنسا هي نسخة أفضل من ألمانيا".
وقال باسنر "نعود إلى مواقف يفكر فيها كل بنفسه أولا، وينسون أن الحلول لا يمكن أن تكون إلا على الصعيد الأوروبي".
غير أن أوروبا تواجه سلسلة من حالات الطوارئ أبرزها ضمان أمنها منذ بدء الحرب الروسية لأوكرانيا وتسريع تحولها البيئي وزيادة قدرتها التنافسية في مواجهة الصين والولايات المتحدة.
ولا يزال مشروع دبابة المستقبل الفرنسي الألماني، الذي يُفترض أن يكتمل بين عامي 2035 و2040 ليحل مكان دبابات "لوكلير" الفرنسية ودبابات "ليوبارد 2" الألمانية، يكافح للاستمرار.
رغم تأكيد وزيرَي الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس والفرنسي سيباستيان لوكورنو في منتصف يوليو رغبتهما في تقدم المشروع، وفيما سيبحثان هذه المسألة في اجتماع في فرنسا في 22 سبتمبر، أشارت الصحافة الألمانية هذا الأسبوع إلى إنشاء اتحاد صناعي يمكن أن يتنافس مع مشروع دبابة المستقبل.
وسيضم هذا الاتحاد شركات ألمانية وسويدية وإيطالية واسبانية. ولن تشارك فرنسا إلا عبر مجموعة "نكستر" الفرنسية في شركة "كي إن دي إس" الفرنسية الألمانية.
واعتبر إريك-أندريه مارتان أن العلاقات الفرنسية الألمانية تقف عند نقطة تحول، متسائلا عن قدرة البلدين على الاستجابة للتحديات.
وقال "إنهما بلدان يملك كل منهما نماذج عمل ومصالح متباينة، يتواجهان ويشكلان قطبين متضادين على المستوى الأوروبي، ما يساهم في تفتيت أوروبا من خلال إيجاد أغلبيات ظرفية".
ولفت إلى ظهور مجموعتين من الدول، أولاها هي مجموعة دول البنلوكس التي تشعر ببعض الأسف للتعثر الأوروبي، والأخرى تضم دولا مثل بولندا التي ترى في ذلك فرصة لدفع بيادقها من خلال القيام بنشاط دبلوماسي أقوى.
بعد نحو عامين من وصول أولاف شولتس إلى المستشارية، لم ينسج بعد مع ماكرون علاقة قرب شبيهة بالتي كانت تجمع الرؤساء الفرنسيين السابقين بالمستشارين الألمان السابقين.
وتأمل باريس أن يجتمعا مجددا في بداية أكتوبر في هامبورغ لتسوية خلافاتهما بطريقة منفتحة في جو غير رسمي.

الأكثر قراءة