رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الأمن المائي .. السعودية تبادر

تعد قضية المياه واحدة من أبرز التحديات التي تواجه البشرية والحضارة الإنسانية في عالمنا المعاصر اليوم، مع تعداد بشري بلغ 8.5 مليار نسمة، واستخدام المياه المتزايد سنويا على مستوى العالم بنسبة 1 في المائة تقريبا على مدى الـ40 عاما الماضية، ويتوقع أن تتواصل هذه الزيادة بالمعدل نفسه حتى 2050، بفعل اقتران عدة عوامل مجتمعة تشمل النمو السكاني والتنمية الاجتماعية والاقتصادية وتغير أنماط الاستهلاك ويتركز القسط الأكبر من هذه الزيادة في الدول متوسطة ومنخفضة الدخل، ولا سيما في الاقتصادات الناشئة.
إن هذه التحديات تشكل تهديدا واضحا للأجيال المقبلة، فقضية المياه معقدة وتؤثر في الاقتصاد والبيئة وصحة الإنسان، فهي ليست مشكلة واحدة، بل مشكلات عدة متشابكة بشكل يجعل الحلول القائمة عاجزة عن مواجهتها، طالما المجتمعات الإنسانية تفكر اليوم بطريقة تجعل كل مشكلة قضية مستقلة بذاتها، فهناك مشكلة ندرة المياه، إذ كثير من السكان يواجهون تحديات يومية للوصول إلى المياه النظيفة للشرب والزراعة والاستخدامات المختلفة، وهذه المشكلة تتزايد مع تزايدهم وانتقالهم إلى شغل حيز جديد من الأرض، وتبلغ نسبة سكان العالم الذين يعيشون في دول تعاني إجهادا مائيا شديدا أو حرجا نسبة 10 في المائة في المتوسط، ما أنتج مشكلة التنافس بين الدول والمجتمعات على موارد المياه، وتأجيج الصراعات، وهو ما يؤثر بشكل صارخ في مستويات الأمان المائي والقدرة على تأمين إمدادات مستدامة من المياه النظيفة للسكان ومزارعهم، وتشير أحدث الأرقام الصادرة عن تقرير الأمم المتحدة العالمي "تنمية الموارد المائية لعام 2023"، إلى عدم انتفاع 26 في المائة من سكان العالم (نحو ملياري شخص) بخدمات مأمونة لمياه الشرب في 2020، وعدم تمكن (3.6 مليار شخص) بما يعادل 46 في المائة من سكان العالم من الانتفاع بخدمات مأمونة للصرف الصحي، وهذا بالتالي يهدد الأمن الغذائي فالزراعة وتربية الماشية تعتمد بشكل كبير على وفرة المياه والتأثير في هذه الوفرة بأي صورة كانت يؤثر سلبا في الإنتاج الزراعي والأمان الغذائي في المجمل، ليس التنافس على المياه الذي يشكل خطرا فحسب، بل أيضا ما تتسبب فيه مصادر التلوث المختلفة، مثل تصريف المياه العادمة والنفايات الصناعية، في تلوث المياه العذبة والمحيطات، بما يؤدي إلى تأثيرات سلبية في البيئة البحرية والصحة العامة، وإذا أضفت لذلك مشكلة التغير المناخي الذي يؤثر بشكل كبير في توزيع وكمية المياه في العالم وحدوث ظواهر مثل جفاف الأراضي وارتفاع مستويات سطح البحر، ما يؤثر في الاستدامة وتعزيز مشكلات التنافسية الحقوق المائية.
هذه التحديات التي بدأت تظهر على شكل صراع دولي في مختلف المناطق وإنشاء السدود بشكل أحادي، ما يهدد إمدادات المياه للآخرين، كل ذلك يتطلب جهودا مشتركة من جميع الأطراف، بما في ذلك الحكومات والشركات والمجتمعات للعمل في هذا الملف الأعمق أثرا والأكثر إلحاحا على الصعيد الدولي الذي يتوقف عليه مصير ومسار البشرية، بل الحياة على الأرض، ومن يستقصي الجهود القائمة يجد أطرا عامة ضمن "أهداف التنمية المستدامة"، التي تتعلق بضمان توافر المياه النظيفة والصرف الصحي للجميع بحلول 2030، كما تلعب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة دورا في تحسين الزراعة المستدامة وإدارة المياه الزراعية بفاعلية، وهناك جهود تقوم بها الرابطة الدولية للمياه التي تعمل على تعزيز البحث والتعليم والتوعية بقضايا المياه على الصعيدين الوطني والدولي، إضافة إلى الدور الذي يقوم به المجلس العالمي للمياه من حيث تعزيز التوعية بأهمية المياه وتشجيع الحوار بين الأطراف المختلفة لتحقيق أهداف مستدامة في مجال المياه. لكن هذه المؤسسات تمثل جزءا من شبكة جهود غير حكومية، تضم منظمات وأعضاء من مختلف العالم، ورغم أهمية الجهود التي تقوم بها هذه المنظمات، إلا أنها تفتقد للفاعلية الكافية والتأثير البارز في قرار الحكومات والجهات الفاعلة لحل مشكلة المياه التي تتزايد تعقيدا يوما بعد يوم.
وعلى هذا الصعيد، أدركت السعودية منذ وقت مبكر مشكلة المياه سواء في السعودية أو العالم، وسعت إلى إيجاد حلول عاجلة للمشكلة السعودية فتم تطوير منظومة شاملة لتحلية مياه البحر وإنشاء السدود في الداخل لتحسين عمليات الخزن الاستراتيجي الطبيعي، كما أوقفت نماذج الزراعة التي تؤثر في هذه المخزونات، ما جعل السعودية اليوم تنعم بأمان مائي في منطقة هي الأكثر ندرة في العالم، فالسعودية ومن خلال رؤية 2030 قامت بحوكمة إنتاج واستخدام المياه بمنهج علمي متكامل حتى وصلنا اليوم إلى تحقيق قفزات قياسية بإنتاج 7.9 مليون متر مكعب من المياه المحلاة يوميا (سواء من قطاع التحلية الحكومي أو القطاع الخاص) وهو الإنتاج الأعلى في العالم، وتعد السعودية أكبر دولة في العالم إنتاجا للمياه المحلاة بنسبة 22 في المائة من الإنتاج العالمي، وتنقل المياه المحلاة للمؤسسة عبر خطوط أنابيب بطول إجمالي 11.2 ألف كيلومتر، الذي أسهم في إيصال المياه إلى جميع أنحاء المملكة، كل ذلك مع أقل استهلاك للطاقة في العالم بـ2.27 كيلو واط/ ساعة.
وفي هذا الجانب استطاعت المملكة بتوجيهات القيادة الحكيمة والنظرة الثاقبة للأمور وبعد النظر من جعل الشعب السعودي ينعم بأمن مائي وغذائي استراتيجي الذي يعيش في أكثر المناطق جفافا في العالم.
لذلك فإن الرياض خير من تدرك الوضع الخطير لإمدادات المياه العذبة في العالم، وخير من تعي الحل، كما لم تأل جهدا في مشاركة العالم قضايا المياه وقدمت مساهمات لدعم قضايا مياه في العالم ومعالجة الآثار المدمرة للفيضانات والجفاف وتقلبات المناخ.
كل ذلك يجعل الرياض المكان الأنسب لإعلان تأسيس منظمة عالمية للمياه، من أجل سد الثغرة الكبيرة الموجودة حاليا لعدم وجود أي منظمة حكومية متخصصة مقابلة لهذه القضايا المعقدة في قطاع المياه الذي يمس الحياة بجميع أشكالها، فلا يمكن تسريع الجهود لتحقيق مستهدفات الأمم المتحدة بشأن المياه ما لم يتم توحيد المساعي العالمية وتوفير منبر للمجتمعات الأكثر تأثرا من أجل مناقشة التحديات المتعلقة بهذه القضية، مثل دول الجنوب العالمي، فالمنظمة الدولية للمياه، ستكون منارة للبحث والابتكار العلمي والتعاون بين الدول الأكثر تقدما والدول الأكثر تأثرا، وتعمل على تمكين إنشاء المشاريع النوعية ذات الأولوية وتيسير تمويلها، سعيا لضمان استدامة موارد المياه وتعزيزا لفرص وصول الجميع إليها. فالعالم اليوم في أمس الحاجة لمثل هذه المنظمة الدولية، وفي حاجة إلى حوار بناء ومشاركة واسعة، ولذلك تمثل العضوية في المنظمة استثمارا استراتيجيا لمختلف دول العالم، بحيث يتم توحيد الجهد العالمي لضمان استدامة المياه للإنسانية جميعا في حاضرنا ومستقبلنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي