4 أيام في الأسبوع .. مستقبل الجودة والإنتاجية
بدأت الشركات الأمريكية لأول مرة السماح لموظفيها بمغادرة مكاتبهم قبل ساعات قليلة من بعد ظهر الجمعة بين يوم الذكرى ويوم العمال في ستينيات القرن الماضي، حتى يتمكن المسؤولون التنفيذيون في مدينة نيويورك من التغلب على حركة المرور إلى هامبتونز.
وبينما أصبح ما يسمى بأيام الجمعة الصيفية ميزة أكثر ندرة ومرغوبة في الأعوام الأخيرة، فقد بدأ عدد متزايد من العمال يمنحون أنفسهم يوما أخيرا مختصرا من الأسبوع - في الأغلب ما يعملون فيه من المنزل - طوال العام.
"أسجل دخولي إلى مايكروسوفت تيمز، وأتحقق من البريد الإلكتروني، ثم أعيش حياتي" هكذا وصف أحد المحللين في إحدى الشركات في وول ستريت جدول أعمالهم الجمعة - طلب حجب اسمه لخشيته من انتقام صاحب العمل. "نحن فقط نحمل هواتف العمل الخاصة بنا في حال طرأ شيء ما".
تشهد إيقاعات عمل الشركات الأمريكية تطورا منذ بداية الجائحة. فقد قال نيك بلوم، أستاذ الاقتصاد في جامعة ستانفورد الذي يدرس بيانات أماكن العمل، إنه في أواخر 2020، عندما بدأ أصحاب العمل الضغط من أجل العودة إلى المكتب، أصر البعض على حضور العمال شخصيا أيام الجمعة لتجنب الانزلاق إلى عطلات نهاية أسبوع فعلية سارية مدتها ثلاثة أيام.
ولكن مع تحول ميزان القوى لمصلحة العمال بسبب نقص اليد العاملة، تمكن بعض الموظفين من التفاوض على العمل من المنزل في أيام الجمعة خصوصا، ومنح أنفسهم بشكل متزايد ساعات عمل أكثر مرونة في ذلك اليوم.
قال بلوم: "إن الجمعة مجرد يوم ميت".
في الأسبوع الماضي، بلغ متوسط إشغال المباني المكتبية في عشر مدن أمريكية 55.9 في المائة من متوسط إشغالها قبل الجائحة، مقارنة بـ31.3 في المائة الجمعة، وفقا لتحليل بيانات بطاقات الدخول إلى مباني المكاتب من قبل شركة كاسل سيستمز لتزويد أنظمة الأمان. وفي نيويورك، بلغت نسبة الحضور الجمعة 20.5 في المائة.
قال أكثر من عشرة موظفين في مختلف الشركات في نيويورك لـ"فاينانشيال تايمز" إن ما بدأ بـ"أيام الجمعة دون اجتماعات" - أو "أيام الجمعة دون كاميرات" بهدف تقليل التعب الناتج عن مكالمات الفيديو - تطور ببطء في الواقع إلى أخذ إجازة في ذلك اليوم.
ومع تبني مزيد من الشركات لنموذج هجين، قال العمال إن تركيز العمل المكتبي في منتصف الأسبوع يعني أنه يتم ترتيب المهام والاجتماعات الأكثر أهمية أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس.
قال العمال إن هذا الجدول لم يترك سوى القليل من الأمور الملحة لأيام الجمعة، ما سمح لهم بملء فترة ما بعد الظهيرة الأخيرة من الأسبوع بالمهمات، وجلسات التمارين والأنشطة العائلية، أو المغادرة مبكرا لرحلات عطلة نهاية الأسبوع.
قال أحد موظفي جوجل المقيمين في نيويورك إنه على الرغم من أنه يعمل من الناحية الفنية أيام الجمعة، إلا أنها دائما "هادئة للغاية"، مع القليل من الاجتماعات أو رسائل البريد الإلكتروني الواردة أو المهام التي لا يمكن أن تنتظر حتى الإثنين.
قال ذلك الشخص إن مدير الموظف عادة ما يقوم بجدولة الاجتماعات لحالات الطوارئ فقط، ويتم إكمال أي عمل يقومون به من هواتفهم.
رغم ذلك، لا يؤيد المسؤولون التنفيذيون في شركة التكنولوجيا العملاقة هذه الممارسة، وبدأوا بهدوء إخبار الموظفين بالبدء في ملء تقاويمهم - حتى عندما أشاروا داخليا إلى اليوم باسم "جمعات التركيز". حاليا تطلب الشركة من الموظفين العمل من المكتب ثلاثة أيام في الأسبوع. ورفضت جوجل التعليق.
كان توقف النشاط في الجمعة متوقعا منذ عقود. فقد صرح ريتشارد نيكسون لصحيفة نيويورك تايمز في 1956 أن الأمريكيين سيعملون أربعة أيام فقط في الأسبوع في "المستقبل غير البعيد" لكي يعيشوا "حياة أسرية أكمل". ومع ذلك، يعمل معظم أصحاب العمل على أساس أسبوع عمل مدته 40 ساعة، وهو ما فرضه لأول مرة قانون معايير العمل العادلة لـ1938.
أعادت الجائحة إثارة الاهتمام بمسألة ما إذا كان ينبغي للشركات التحول إلى أسبوع عمل مدته أربعة أيام. وفي العام الماضي، في برنامج تجريبي، قامت 61 شركة بريطانية بتخفيض ساعات عملها 20 في المائة لمدة ستة أشهر في العام الماضي.
أعطى معظم المشاركين موظفيهم إجازة الجمعة، بينما سمح آخرون للموظفين باختيار الساعات الثمانية التي يرغبون في عدم العمل أثناءها. وقال الباحثون إن عددا أقل من الموظفين في الشركات المشاركة استقالوا، بينما ارتفعت الإيرادات بمقدار الثلث في المتوسط مقارنة بالفترة نفسها من 2021.
وفي نهاية البرنامج، قال تسعة من كل عشرة مشاركين إنهم يفضلون الالتزام بالجدول الزمني الجديد.
حققت برامج اختبار أسبوع العمل لمدة أربعة أيام في آيسلندا ونيوزيلندا نجاحا مشابها. كما بدأت مجموعة من الشركات الأمريكية، من بينها منصة كيك ستارتر للتمويل الجماعي، ومنصة بولت فاينانشيال للدفع ومتجر التوفير عبر الإنترنت ثريد أب، منح موظفيها إجازة الإثنين أو الجمعة.
في منشور لمدونة على موقع الشركة، كتب مدير العمليات التجارية في كيك ستارتر، وولف أوكزاريك، أن جدول العمل من الإثنين إلى الخميس ساعد الموظفين على "عيش حياة أكثر إشراقا واكتمالا" إضافة إلى زيادة إنتاجيتهم.
رغم هذه النتائج الواعدة، إلا أن أصحاب العمل لم يعتمدوا بعد نظام الأسبوع من أربعة أيام على نطاق واسع. ومع ذلك، قال موظف جوجل إنه يشك في أن العمل سيكون كثيفا في نهاية الأسبوع مرة أخرى.
قال بلوم من جامعة ستانفورد: "لو كان الأمر يعود إلي، لأغلقت المكتب في أيام الجمعة".