الجامعة .. ليست مجرد نقطة انطلاق

الجامعة .. ليست مجرد نقطة انطلاق

بينما يبدأ خريجو المدارس فصلهم الدراسي الأول في الجامعة، يشتد النقاش المزمن حول قيمة الشهادة الجامعية بعد إعلان عدد من أصحاب العمل أن وظائفهم المعروضة لم تعد تتطلب درجة علمية. اتخذت مجموعة الحبوب والوجبات الخفيفة كيلوغ هذه الخطوة في يونيو. وهذا الصيف، أعلن ريشي سوناك، رئيس وزراء المملكة المتحدة، عن حملة صارمة ضد "شهادات الاحتيال". قال، "يباع لعدد كبير جدا من الطلاب تعليما جامعيا لن يوفر لهم وظيفة لائقة في النهاية".
مع ذلك، تميل الشهادات العلمية إلى تعزيز الأجور. وفقا لمعهد الدراسات المالية في المملكة المتحدة، يجني الخريجون الذكور 130 ألف جنيه استرليني خلال حياتهم المهنية "بعد خصم الضرائب وسداد القروض الطلابية" - وتجني النساء 100 ألف جنيه استرليني.
يمكن للجامعات أن تكون دافعا قويا للحراك الاجتماعي. وجدت دراسة أخرى أجراها معهد الدراسات المالية في المملكة المتحدة أن الذين يحصلون على وجبات مدرسية مجانية ويذهبون إلى الجامعة يحتمل أن يكونوا ضمن الـ20 في المائة الأعلى أجرا في سن الـ30 من الذين لم يلتحقوا بالجامعة بأربعة أضعاف. تقول سارة أتكينسون، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة سوشل موبيليتي، "إلى جانب الاستقرار المالي الذي يمكن أن يجلبه التعليم الجامعي، يمكن للجامعة أن تتيح الوصول إلى الشبكات المهمة التي يمكن أن توفر ميزة مهنية مدى الحياة".
إن الرواتب مقياس تقريبي، كما يقول تشارلي بول، كبير المستشارين في معلومات سوق العمل في شركة جيه أي إس سي، وهي شركة غير ربحية مزودة للخدمات التكنولوجية في المملكة المتحدة. "إنها في الواقع فيصل خارجي يفرض قيمته الخاصة على العمال". عندما سئل الخريجون عن مدى رضاهم، شعرت الأغلبية الساحقة أنها في وظيفة مجدية.
الالتحاق بالجامعة في سن الـ18 عاما ليس بالضرورة أفضل من العمل، ولكنه يعطي الشباب فرصة لتوسيع نطاق تعلمهم إلى ما هو أبعد من المسارات المهنية الضيقة. وجدت دراسة استقصائية لكبار الشخصيات في شركات مؤشر فاينانشيال تايمز 350، أجرتها منظمة يو يو كيه التي تمثل جامعات المملكة المتحدة، أن 51 في المائة يعتقدون أن "الخريجين ذوي مهارات التفكير النقدي سيكونون أكثر أهمية للقوى العاملة من أي وقت مضى إذا تم استخدام الذكاء الاصطناعي لأتمتة مزيد من الوظائف الإدارية". لا يتطلب الذكاء الاصطناعي علماء كمبيوتر ورياضيات فحسب، بل يتطلب أيضا خريجي علوم إنسانية وفنون.
لكن يمكن أن يكون الأمر محررا إذا تجاهل عدد أكبر من أصحاب العمل الشهادات العلمية عند التوظيف. هذا الشيء لا يؤدي إلى توسيع مجموعة المرشحين فحسب، بل يحرر الجامعات من السعي العلمي البحت إلى التعليم بوصفه طريقا إلى الوظائف، وهي روح تعززت بالتوازي مع القروض الطلابية.
إن النظر إلى الدرجات العلمية على أنها مجرد نقطة انطلاق إلى الوظيفة يعني أن المراهقين يتخذون قراراتهم بشأن المسارات العلمية بالتخمين. كيف يمكن لشاب يبلغ من العمر 17 عاما أن يعرف حقا ما معنى أن تكون محاميا أو مصرفيا؟
ماذا لو لم يكن التعليم مجرد نقطة انطلاق للحصول على وظيفة، بل ثلاثة أعوام من التعلم واستكشاف أفكار جديدة؟ ليس فقط في الإشراف وقاعات المحاضرات بل مع الأصدقاء - في نهاية المطاف، سيعمل الطلاب لفترة طويلة مع زيادة سن التقاعد عبر العالم. إنها فرصة للنضوج. في المرة الأولى التي ذهبت فيها إلى السوبر ماركت عندما كنت في الجامعة، أضفت طعام القطط إلى سلتي. لقد كنت معتادة على التسوق مع عائلتي، ولم يكن لدي أي فكرة عما سأشتريه لنفسي. أخبرني أحد أصدقائي وهو محاضر جامعي أنه عندما يتحدث إلى أولياء الأمور في حفلات التخرج، "يفاجأون بالشخص الذي أصبح عليه ابنهم".
إن قيمة الجامعة لا تتعلق بالفرد فحسب، بل بالمصلحة العامة أيضا. التعليم ينبغي أن يساعد على جعل المواطنين مطلعين، وهو أمر مهم في عصر المعلومات المضللة.
قبل بضعة أعوام، كتبت نانسي روثويل في "فاينانشال تايمز" أنها تعد أن الطلاب المتخرجين أخفقوا إذا كانت حصيلتهم من الجامعة فقط "درجة علمية وقدرة أكبر على الكسب (...) فالتجربة الجامعية يجب أن تكون أكثر من ذلك بكثير." من الصعب أن نختلف على ذلك.

الأكثر قراءة