بكتيريا جديدة تبث الأمل في عالم مقاوم للأدوية
بشكل مشابه لحقيقة أن معظم الطاقة والمادة الموجودة في الكون غير مرئية، فإن معظم الأنواع البكتيرية في العالم خفية لأنه لا يمكن استزراعها بشكل تقليدي في المختبر.
والآن يجد العلماء طرقا لفحص ما يسمى "بالمادة المظلمة" البكتيرية. أعلن فريق دولي في مجلة "سيل" أنهم حددوا مضادا حيويا جديدا محتملا يكمن دون أن يلاحظه أحد في التربة الرملية في ولاية كارولينا الشمالية. يستخدم المركب، المسمى كلوفيباكتين، طريقة غير عادية لقتل البكتيريا، ما يجعل من الصعب على الأهداف تطوير مقاومة. وبينما لا تزال التجارب السريرية على البشر على بعد عدة أعوام، فإن هذا الاكتشاف يمثل بصيص أمل في عالم تتزايد فيه مقاومة الأدوية.
وفقا لمجلة "ذا لانسيت"، توفي ما لا يقل عن 1.2 مليون شخص نتيجة مباشرة للعدوى البكتيرية المقاومة للأدوية في 2019، وهو عدد أعلى من الوفيات الناجمة عن فيروس نقص المناعة البشرية أو الملاريا. إن ظاهرة مقاومة مضادات الميكروبات (أيه إم أر) - حيث تصبح العدوى غير قابلة للعلاج مع تطوير مسببات الأمراض مقاومة للأدوية - ليست مجرد تحد للصحة العامة لكنها تستنزف الاقتصاد. وتوقعت مراجعة مهمة أجريت في المملكة المتحدة في 2016 أنه بحلول 2050، ستقتل "الجراثيم الفائقة" (الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية) عشرة ملايين شخص سنويا وتخفض بشكل تراكمي الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمقدار 100 تريليون دولار.
تمثل أعوام ما بعد الحرب ذروة أبحاث المضادات الحيوية، حيث تم إنتاج تلك المركبات من بكتيريا التربة مثل التتراسيكلين، وهي فئة من المضادات الحيوية واسعة الطيف، من أربعينيات القرن الماضي، والفانكومايسين في خمسينيات القرن الماضي. لكن مع وجود نحو 1 في المائة فقط من الأنواع البكتيرية التي يمكن استزراعها في المختبر، بدأ التقدم في التباطؤ خلال ثمانينيات القرن الماضي.
أعطى هذا الركود للميكروبات اليد العليا في التطور. وكما يوضح ماركوس وينجارث، الباحث في المضادات الحيوية في جامعة أوتريخت والمؤلف المشارك في الورقة البحثية في مجلة "سيل"، فإن مكافحة مقاومة الأدوية تعتمد على إيجاد أدوية جديدة تعمل بطرق مختلفة، "معظم المضادات الحيوية مشتقة من منتجات طبيعية وقد تكون هناك بالفعل جزيئات جديدة تنتظرنا في الـ99 في المائة الأخرى، هذه هي المادة المظلمة البكتيرية".
هذه الأنواع التي لم تجر عليها دراسات كافية تتطلب الكثير، إذ تتطلب مغذيات خاصة، على سبيل المثال، أو وجود كائنات دقيقة أخرى لتعيش. وقد كانت شركة نوفو بيوتيك فارماسيوتيكال، التي أسسها البروفيسور كيم لويس والبروفيسور سلافا إبستاين من جامعة نورث إيسترن في بوسطن، تختبر هذه المجموعة عبر جمع الكائنات الحية الدقيقة من عينات التربة، ومحاكاة بيئتها الطبيعية في غرف مصممة خصيصا، وبالتالي زراعة متغيرات "مروضة" قادرة على النمو في المختبر. يتم بعد ذلك فحص هذه المتغيرات بحثا عن الخصائص التي تقتل الحشرات، عبر وضعها على أطباق تحتوي على بكتيريا المكورات العنقودية الذهبية (إم أر إس أيه، وهي سلالة مقاومة للمضاد الحيوي الميثيسيلين، وهي واحدة من أكثر الجراثيم الفائقة التي تثير الخوف).
أظهر طبق كلوفيباكتين "منطقة تثبيط" واضحة، حيث ماتت البكتيريا العنقودية. وأظهرت الدراسات اللاحقة أنه يمكن أيضا القضاء على كثير من الالتهابات البكتيرية المختلفة في الفئران. بشكل حاسم، وجد واينجارث، بالتعاون مع زملائه في جامعة بون، أنها تعرض طريقة عمل غير عادية: التمسك بثلاثة مكونات مختلفة تستخدم لبناء جدار الخلية البكتيرية وتشكيل قفص مميت بشكل أساسي (اسمها مشتق من كلوفي، وتعني القفص باللغة اليونانية).
ويوضح وينجارث أن هذا الهجوم ثلاثي المحاور يجعل من الصعب على البكتيريا تطوير مقاومة. كما يستهدف مركب كلوفيباكتين الأجزاء غير القابلة للتغيير من مكونات الجدار، ما يقلل أيضا من فرص المقاومة واحتمال توفير عقار ذي فترة صلاحية طويلة. وفقا للشركة، فإن المركب فاعل في المختبر ضد المكورات العنقودية الذهبية (إم أر إس أيه) والالتهاب الرئوي البكتيري والمكورات المعوية المقاومة للفانكومايسين. ويتم اختباره الآن ضد أمراض أخرى، بما في ذلك السل.
النجاح ليس مضمونا على الإطلاق، لكنه على الأقل مرشح آخر في مجال فارغ نسبيا. وقد حددت شركة نوفو بيوتيك سابقا أيضا التيكسوباكتين والداروباكتين من التربة. ويظهر هذا الأخير نتائج واعدة ضد البكتيريا "سالبة الجرام" مثل العصيات القولونية والسالمونيلا، التي لها غشاء وقائي إضافي. لقد أصبح إم دي أر-جي إن بي، أو البكتيريا سالبة الجرام المقاومة للأدوية المتعددة، اختصارا مألوفا بشكل مخيف في المستشفيات.
ومع ذلك، فإن التحدي الحقيقي الذي يواجه مقاومة مضادات الميكروبات ربما لا يكمن في العلم، بل في الافتقار إلى حوافز السوق. حيث يستغرق الأمر ما لا يقل عن عقد من الزمن، وربما مليار دولار، لطرح مضاد حيوي جديد في الأسواق، الذي يجب بعد ذلك استخدامه بشكل ضئيل فقط. تقوم هيئة الخدمات الصحية الوطنية بتجربة فصل المدفوعات والحجم، ويطرح مشروع قانون باستير، المعروض حاليا على الكونجرس الأمريكي، نموذجا مشابها قائما على الاشتراكات.
سيكون من الرائع الاعتقاد أنه، في ظل وجود كل هؤلاء القتلة المحتملين للجراثيم الفائقة تحت أقدامنا، سيقوم شخص ما في مكان ما، بجني أموال طائلة من موضوع مقاومة البكتيريا (أيه إم أر) ويدفع ثمن التراب. لكن هذا يفترض مسبقا أن تكون الحكومات مستعدة لدفع ثمن التراب.