قوائم انتظار الخدمات الصحية البريطانية .. الرهان على القطاع الخاص
اشترت شركات الأسهم الخاصة العشرات من شركات الرعاية الصحية في المملكة المتحدة، بما في ذلك أساطيل سيارات الإسعاف وعيادات العناية بالعيون وشركات التشخيص على مدار العامين الماضيين، حيث تسعى للاستفادة من قوائم الانتظار المتصاعدة على خدمة الصحة الوطنية.
حيث أبرمت شركات الأسهم الخاصة 150 صفقة لشراء شركات الرعاية الصحية في المملكة المتحدة منذ عام 2021، وفقا لشركة لينج بويزون الاستشارية، وهو أعلى مستوى في العامين الماضيين من حيث الحجم منذ عام 2014 على الأقل.
وتتبع الاستثمارات مستوى مشابها هذا العام مع الاتفاق على إتمام 25 صفقة بالفعل، متحدية بذلك التباطؤ الأوسع نطاقا في عمليات الاندماج والاستحواذ.
وقال تيم ريد، مدير الأبحاث في لينج بويزون، إن شركات الأسهم الخاصة تشتري بشكل متزايد "المؤسسات التي تعد جزءا لا يتجزأ من تقديم الرعاية الصحية".
"لقد أظهرت الجائحة قيمة الاستثمار في خدمات الرعاية الصحية، لأنها أظهرت مرونة المشغلين الذين يدعمهم التمويل العام".
ويوضح التدفق الأخير لأموال الأسهم الخاصة إلى شركات الرعاية الصحية في المملكة المتحدة التأثير المتزايد للمستثمرين الماليين في هذا القطاع.
وقد تعرضت صناعة الأسهم الخاصة سابقا لانتقادات بسبب افتقارها إلى الشفافية، فضلا عن سعيها لتحقيق الأرباح على حساب توفير نوعية جيدة من الرعاية الصحية.
ورد المسؤولون التنفيذيون في الصناعة بأنهم يستطيعون إدارة الشركات بكفاءة أكبر، والاستثمار في تكنولوجيا أفضل، ولعب دور حيوي في مساعدة هيئة خدمة الصحة الوطنية على معالجة مشكلاتها.
إن الموجة الأخيرة من الصفقات هي جزء من اتجاه طويل الأجل لهيئة خدمة الرعاية الصحية التي يمولها دافعو الضرائب لشراء خدمات الرعاية الصحية من مقدميها من القطاع الخاص، التي بدأت بصورة جدية في ظل حكومة حزب العمال الأخيرة قبل 20 عاما.
وقد وسعت الحكومات اللاحقة بشكل كبير الدور الذي لعبه مقدمو الخدمات غير التابعين لخدمة الصحة الوطنية، ما أوجد بيئة مستقرة شجعت الاستثمار الخاص.
ويقول القطاع الخاص إنه يعد مصدرا مهما للطاقة الإضافية لهيئة خدمة الصحة الوطنية في الوقت الذي تعاني فيه نقص الموظفين وقائمة انتظار قياسية تضم ما يقرب من 7.6 مليون مريض.
على سبيل المثال، ربع أسرة الصحة العقلية في إنجلترا، يوفرها مقدمو الخدمات غير التابعين لهيئة خدمة الصحة الوطنية، في حين إن المستشفيات الخاصة، وعديدا منها تملكها شركات الأسهم الخاصة، آخذة في التوسع أيضا. وهي مسؤولة عن عدد متزايد من العمليات الجراحية الروتينية، مثل استبدال مفصل الورك والركبة وجراحة إعتام عدسة العين.
وفي الآونة الأخيرة، انتقلت شركات الشراء الشامل إلى التشخيص والرعاية الرقمية، حيث تعني قوائم الانتظار الطويلة لهيئة خدمة الصحة الوطنية أن المرضى في الأغلب ما يكونون على استعداد لدفع الرسوم من جيوبهم.
وقال جاسبر فان هيش، المدير في شركة آر إس إم الاستشارية، إن شركات الأسهم الخاصة - التي تجمع الأموال من المستثمرين مع تفويض لشراء الشركات، وزيادة الأرباح ثم بيعها - "انجذبت للقطاع بسبب الطلب الذي تواجهه هيئة خدمة الصحة الوطنية ولم تتمكن من تلبيته. هناك سجل جيد للإيرادات المتكررة وطلب يمكن الاعتماد عليه يمكنك المراهنة عليه وتؤسس عملك عليه".
ومن بين أكبر المستفيدين من هذا الاتجاه نحو مشاركة القطاع الخاص في هيئة خدمة الصحة الوطنية هي شركة براكتيس بلس، المملوكة من قبل بريدج بوينت، وهي مجموعة للأسهم الخاصة في المملكة المتحدة تدير مبلغ 38 مليار يورو.
تربح براكتيس بلس معظم إيراداتها من القطاع العام، حيث تدير الخدمات بما فيها المراكز الصحية المفتوحة أمام الجمهور دون حجز مسبق والتابعة لهيئة خدمة الصحة الوطنية والخدمات الصحية للسجون وخدمة الاستشارات الهاتفية على الرقم 111 التابع لهيئة خدمة الصحة الوطنية.
ويديرها جيم إيستون كبير موظفي الخدمة المدنية السابق، الذي كان مسؤولا سابقا عن تطوير وإدارة خدمة الاتصال على الرقم 111.
وقد حققت براكتيس بلس إيرادات بقيمة 460 مليون جنيه استرليني العام الماضي وحصلت شركة الأسهم الخاصة التي تملكها على أكثر من 50 مليون جنيه استرليني من الأرباح الموزعة.
ويقدم أحد خطوط العمل المربحة لشركة براكتيس بلس خدمات الرعاية الصحية لأكثر من 45 سجنا ومركزا لترحيل المهاجرين في المملكة المتحدة، حيث حققت الوحدة إيرادات تزيد على 186 مليون جنيه استرليني ونحو 20 مليون جنيه استرليني من الأرباح العام الماضي.
لكن مشاركتها في الخدمات الصحية للسجون لم تخل من الجدل، حيث أشير إليها في عدد من التقارير الرسمية عن وفيات وقعت في السجون في الأعوام الأخيرة بسبب فشلها في توفير الرعاية الصحية الكافية لبعض السجناء. ورفضت كل من بريدج بوينت وبراكتيس بلس التعليق على الأمر.
وقال أندرو مولودينسكي، الطبيب النفسي والريادي في الصحة العقلية في الجمعية الطبية البريطانية: "إن نقص الموارد والتمويل لخدمات الصحة العقلية التابعة لهيئة خدمة الصحة الوطنية يعني أننا أصبحنا نعتمد بشكل متزايد على إسناد الخدمات لشركات الرعاية الصحية الخاصة، كما هي الحال في الأغلب مع الرعاية الصحية في السجون".
أوبتجرا هي شركة أخرى حصدت الثمار من اعتماد المملكة المتحدة المتزايد على الاستعانة بجهات خارجية لتقديم خدمات الرعاية الصحية.
وقد افتتحت الشركة أول مستشفى للعيون على طريق الحزام في منطقة ساري لبلدة جيلدفورد في عام 2008. ومنذ ذلك الحين، افتتحت أكثر من 12 عيادة في جميع أنحاء المملكة المتحدة، حيث قدمت جراحة العيون لأكثر من مليون مريض.
وتم تعزيز نموها من خلال نقل هيئة خدمة الصحة الوطنية العمليات الروتينية مثل جراحة إعتام عدسة العين إلى القطاع الخاص، حيث وجدت الأبحاث التي أجرتها الكلية الملكية لأطباء العيون أن ما يقرب من نصف جميع إجراءات هذه الجراحة الممولة من هيئة خدمة الصحة الوطنية في عام 2021 تم تنفيذها من قبل مقدمي الخدمات المستقلين، بزيادة على نسبة 11 في المائة قبل خمسة أعوام فقط.
وقالت شركة أوبتجرا في آخر تقاريرها: إن هذه المسألة تسارعت بسبب الجائحة.
وقالت الشركة: "لقد غيرت الجائحة سلوك هيئة خدمة الصحة الوطنية بشكل كبير وكيفية تفاعلها مع سوق الرعاية الصحية الخاصة. وفي الآونة الأخيرة، كانت هناك حاجة أقوى لدعم خدمة الصحة الوطنية من قبل شركات الرعاية الصحية الخاصة".
وقد تضاعفت إيرادات المجموعة تقريبا في العام الماضي، من 34 مليون جنيه استرليني إلى 67 مليون جنيه استرليني.
وفي فبراير، اشترت شركة الأسهم الخاصة الأوروبية ميد يوروبا التي تبلغ قيمتها ستة مليارات يورو شركة أوبتجرا من منافس أصغر منها. وهي تخطط لتوسيع أعمالها عبر أوروبا.
لقد أدى الضغط الناجم عن الجائحة إلى زيادة جاذبية المستثمرين المحتملين من الشركات الخاصة التي تقدم الخدمات لهيئة خدمة الصحة الوطنية.
وقال توم كينج، مدير ومستشار المخاطر السياسية في شركة لودستون كوميونيكيشنز: "إنهم يصدرون الأحكام حول هذه الاتجاهات الأساسية الضخمة. أنت ترى الآن صناديق الأسهم الخاصة العامة تدخل على الخطوط الأمامية للرعاية والجراحة الاختيارية، لقد كان لدى المتخصصين حقا خلفيات في مجال الرعاية الصحية من قبل. وقد أصبحت هذه الخدمة الآن تنافسية للغاية وتحظى بشعبية كبيرة".
وقالت ميشيل تيمبيست، المحللة في شركة كانديسيك الاستشارية، إن مقدمي الخدمات من القطاع الخاص جلبوا "الانضباط في التكلفة، والابتكار والتخصص إلى الخدمات الصحية"، وإن هيئة خدمة الصحة الوطنية كافحت مع البنية التحتية القديمة والتكنولوجيا القديمة وانخفاض الروح المعنوية للموظفين.
لكن ليس الجميع مقتنعون بأن المستثمرين الماليين جيدون في تقديم الخدمات الصحية. جذبت الأسهم الخاصة التدقيق على ممارستها بتحميل الديون على الشركات التي تشتريها، وانعدام شفافيتها خاصة عندما تأتي العوائد من دافعي الضرائب.
وجدت ورقة علمية حديثة نشرت في المجلة الطبية البريطانية أن الرعاية الصحية التي تقدمها الشركات المدعومة من الأسهم الخاصة كانت أكثر تكلفة في الأغلب "واختلطت بآثار ضارة في الجودة".
"نرى ذلك كاتجاه أوسع للتوسع المالي للرعاية الصحية، حيث الأسهم الخاصة جزء من العملية"، كما قال جوزيف بروش، أستاذ مساعد في جامعة شيكاغو ومؤلف مشارك للورقة العلمية. "تؤخذ نسبة أعلى من الأرباح من الرعاية الصحية إلى القطاع المالي".
في المملكة المتحدة، تستعد الأحزاب السياسية للانتخابات العامة العام المقبل، حيث تقترب الخدمات الصحية الوطنية من أن تصبح أكبر مخاوف المصوتين.
إن حزب العمال، المتوقع فوزه، مؤيد لاستخدام المشافي الخاصة لتقليل قوائم الانتظار في الخدمات الصحية الوطنية. "لا اتفق مع الرأي الذي يقول إن العام جيد والخاص سيء"، كما أخبر ويس ستريتنج، وزير الصحة في حكومة الظل، لـ"فاينانشيال تايمز" في مقابلة هذا العام.
مهما كانت نتيجة الانتخابات المقبلة، يبدو أن تدخل القطاع الخاص في الرعاية الصحية في المملكة المتحدة باق. "لا يوجد حزب كبير يدعو إلى نموذج مختلف. الاتجاهات متقدمة وراسخة"، كما قال كينج.