ضوابط الإيجار في اسكتلندا لا تسر المستأجر ولا المؤجر
من المقرر أن يصل ملايين الزوار من أرجاء العالم إلى إدنبرة هذا الأسبوع لبدء المهرجانات الصيفية الرئيسة في العاصمة الاسكتلندية - ما جعل أسعار الإيجارات قصيرة الأجل ترتفع.
على منصة أير بي إن بي، من المعروف أن إيجارات الليلة الواحدة للشقق القريبة من رويال ميل، مركز مهرجان إدنبرة فرينج، تتضخم أضعافا مضاعفة عما تكلفه في فترات أهدأ من العام. اتهم كثير من فناني المهرجان المؤجرين "بالتلاعب في الأسعار"، ويدعون أن ارتفاع الإيجارات يشكل تهديدا خطيرا لاستمرارية المهرجان ونجاحه.
لكن المستأجرين العاديين بعقود طويلة هم من يتعين عليهم التعامل مع أزمة الإيجارات المتفاقمة في اسكتلندا كل يوم.
حين أعلنت شركة أرك بروبرتي لخدمات التأجير لصاحبها نيك بونتي في الآونة الأخيرة عن شقة بغرفة نوم واحدة في جلاسكو، انهال عليه أكثر من 100 استفسار. عادة يضطر إلى إزالة العروض بعد وقت قصير من نشرها، وذلك كما يقول، "لأننا لا نريد تضييع وقت الناس".
يقول بونتي، الذي تدير شركته نحو 200 منزل لمؤجرين حول جلاسكو، "الناس يائسون". كما أن لديه 12 عقارا يؤجرها بنفسه.
إن يأس المستأجرين في جلاسكو وإدنبرة مألوف لنظرائهم حول المملكة المتحدة، وسط سباق يائس على معروض متناقص من العقارات. لكن في اسكتلندا، ساءت الأزمة رغم الإجراءات التي اتخذتها الوزيرة الأولى السابقة نيكولا ستورجون في سبتمبر العام الماضي لمعالجة ما وصفته بأزمة إنسانية.
سعت حكومة اسكتلندا المفوضة إلى حماية المستأجرين بفرض تشريع جمد الإيجارات في المساكن الاجتماعية والخاصة. كما منعت الإجراءات إخلاء المستأجرين.
لكن بعد مرور عام تقريبا، تركت السياسة البارزة المستأجرين والمؤجرين في خيبة أمل، وإن كان ذلك لأسباب مختلفة.
يقول مستأجرون مثل ليا في إدنبرة إن اللوائح التنظيمية ليست كافية. في نوفمبر، بالكاد بعد شهر من إقرار البرلمان الاسكتلندي "قانون الطوارئ"، عرض لمنتجة الأفلام الوثائقية البالغة من العمر 30 عاما، والتي تدير أيضا جمعية خيرية للصحة العقلية، ولزملائها في السكن زيادة 12 في المائة في الإيجار.
هذا لأن التجميد كان ينطبق فقط على عقود الإيجارات القائمة، كان المؤجرون أحرارا في تحديد السعر الذي يرونه، أو تراه السوق، مناسبا عند توقيع عقود إيجار جديدة.
أدى رحيل أحد رفقاء ليا في السكن واستبداله بساكن آخر إلى إنهاء عقدهم الأصلي واضطرارهم لتوقيع عقد جديد رفع الإيجار من 1،250 إلى 1،400 جنيه استرليني شهريا.
وربما يحدث الأمر مرة أخرى لأن أحد المستأجرين في الشقة المشتركة بين ثلاثة يخطط للانتقال.
تقول ليا، التي طلبت من "فاينانشيال تايمز" عدم ذكرها بكنيتها، "إنه أمر مرهق للغاية. قانون التجميد (...) أنقذ جمعا من الناس. لكن فيه ثغرة وكثير من الناس لا يعرفون عنها".
في الوقت نفسه، يقول المؤجرون إن اللوائح التنظيمية جعلت سوق الإيجارات في اسكتلندا غير جذابة، لدرجة أنها أصبحت غير مجدية تجاريا تقريبا، خاصة في ظل التضخم المرتفع. ونظرا إلى عجزهم عن استرداد تكاليف الصيانة المرتفعة، ينسحب كثيرون من السوق نهائيا.
جرايم شيرر، مهندس معماري شبه متقاعد يبلغ من العمر 61 عاما يؤجر ثلاث شقق في مبنى يعيش فيه أيضا في جلاسكو، قال إن ضوابط الإيجار وغيرها من اللوائح التنظيمية المكلفة تجعله يفكر في بيع المبنى. يقول، "أشعر أنها ضوابط قمعية للغاية وتجعل مزاولة الأعمال أمرا صعبا. أنا أؤيد مصالح المستأجرين بالكامل لكن يجب أن تكون مفيدة للطرفين".
يواجه المؤجرون الذين يحتاجون إلى إعادة تمويل رهونهم العقارية تكاليف اقتراض أعلى بكثير، فبدءا من الثلاثاء، بلغ متوسط سعر الفائدة على الرهن العقاري الثابت لأجل عامين 6.88 في المائة لمن يريد شراء عقار بقصد تأجيره، وفقا لموني فاكتس، شركة المعلومات المالية. مثلا، مؤجر يعيد تمويل رهن عقاري ثابت لأجل عامين بفائدة 2.2 في المائة فقط برهن عقاري بمعدل الفائدة هذا، 6.88 في المائة، يحتاج إلى رفع الإيجار 45 في المائة لتغطية التكلفة الإضافية، وفقا لشركة هامبتنز العقارية. قد يكافح كثيرون أيضا لاجتياز مقياس قدرة تحمل التكاليف من البنوك، والتي ربما تتطلب منهم إما ضخ مزيد من الأسهم وإما البيع.
يقول مؤجرون إن تعديل الحكومة الاسكتلندية في وقت سابق من هذا العام، الذي استبدل تجميد الزيادات في الإيجارات بوضع سقف سمح برفع الأسعار 3 في المائة، و6 في المائة في بعض الظروف، لم يحدث فرقا يذكر، ومن المقرر أن تنتهي الضوابط الشهر المقبل، لكن الحكومة الاسكتلندية أشارت بالفعل إلى أنها ستمددها ستة أشهر على الأقل.
عندما قدمت ستورجون التشريع، تم الترويج له على أنه حل اسكتلندي يمكن أن يكون نموذجا لبقية المملكة المتحدة. لكن منذ تطبيقه، الدعم السياسي له في إنجلترا يتداعى كما يبدو. يفضل رئيس بلدية لندن صادق خان شكلا من أشكال ضوابط الإيجارات، لكن ليزا ناندي، وزيرة الإسكان في حكومة الظل العمالية، قالت في مؤتمر للإسكان في مانشستر في يونيو إن ضوابط الإيجارات "حل قصير الأجل" قد تترك بعض الناس بلا مأوى. في الشهر نفسه، قال وزير التنمية مايكل جوف في إدنبرة، "تاريخ ضوابط الإيجارات وتجميدها هو أنها تؤدي إلى انخفاض في العرض عموما وينتهي بها الأمر إلى إلحاق الضرر الأكبر بالفقراء".
يقول بونتي من شركة أرك بروبرتي إن ضوابط الإيجار تأتي بنتائج عكسية لأنها تشجع المؤجرين، الذين يخشون التنظيم المستقبلي، على زيادة الإيجارات ما دام بوسعهم ذلك. أضاف أنه في الماضي، كانوا سيعطون إرضاء المستأجرين الجيدين الأولوية إدراكا منهم أن كلا الطرفين لديه القدرة على إعادة التفاوض بشأن الشروط إذا تغيرت أوضاعهم المالية.
تم تسويق الشقة التي اجتذبت أكثر من 100 معاينة في يوم واحد بسعر 650 جنيها استرلينيا في الشهر، مقارنة بـ550 جنيها استرلينيا في يونيو 2021. وصل سعر عقار آخر في المدينة أخيرا إلى 1،200 جنيه استرليني، من 850 جنيها استرلينيا قبل عامين، حسبما قاله بونتي.
يضيف، "مع العقارات المدرجة حديثا، يحاول المؤجرون جمع أكبر مبلغ ممكن". في يونيو من هذا العام، كان متوسط سعر الإيجار المعلن في اسكتلندا أعلى 16 في المائة مما كان عليه في يونيو 2022، وفقا لبيانات من "رايت موف". وفي إدنبرة، كانت أسعار الإيجارات المطلوبة أعلى 22 في المائة، وفي جلاسكو 15 في المائة. "في لندن، على سبيل المقارنة، كانت أعلى 14 في المائة". تقول وكالة العقارات الاسكتلندية ريتي إن إدراج المساكن في اسكتلندا انخفض بمقدار الخمس العام الماضي.
وزير حقوق المستأجرين في اسكتلندا باتريك هارفي، وهو أيضا زعيم مشارك لحزب الخضر الاسكتلندي، رفض طلب إجراء مقابلة معه، مشيرا إلى طعون قانونية مستمرة من جانب المؤجرين الذين يعتقدون أن وضع سقف للأسعار غير قانوني، لكنه أضاف، "سأستمع إلى أصحاب المصلحة وأعمل معهم بجد لإعداد إصلاحات لقطاع الإيجارات وتطبيقها". وفي يونيو، كتب الوزير الأول في اسكتلندا حمزة يوسف في تغريدة، "فخور بأن الحكومة الاسكتلندية بقيادة الحزب الوطني الاسكتلندي لم تضع ضوابط على الإيجارات فقط، بل مددتها أيضا" - وأن موقف حزب العمال كان "مذهلا للغاية".
يرى منتقدو إجراءات ضبط الإيجارات أن ارتفاع الإيجارات هو نتيجة لسياسات تثبط الاستثمار وتزيد من حدة النقص في معروض المساكن في اسكتلندا.
تقول جين وود، الرئيسة التنفيذية لهومز فور سكوتلاند، هيئة في الصناعة، "صحيح أن الأحكام ربما ساعدت بعض المستأجرين على المدى القصير، إلا أن البيانات والأدلة تظهر لنا أنها كانت بمنزلة حاجز أمام الاستثمار في القطاع أيضا".
يقول جون بويل، مدير الأبحاث والاستراتيجيات في وكالة ريتي، إن ضوابط الإيجارات يمكن أن تؤدي إلى تفاقم أزمة الإيجارات في اسكتلندا وذلك بتثبيطها خطط "البناء بقصد التأجير" التي تدعمها أموال مؤسسية.
يقول بويل، "نحن بحاجة إلى مزيد من المعروض وتحقيق ذلك من خلال الاستعانة برأس مال صبور طويل الأجل قد يؤدي إلى زيادة كبيرة في المخزون، وسيكون بمنزلة ضغط هبوطي على الإيجارات. لكن البيئة التي أوجدتها الحكومة الاسكتلندية أدت إلى انصراف هذه الأموال عن اسكتلندا وسيكون من الصعب جذبها مجددا".
كالوم ساندرسون طالب في جامعة إدنبرة ومتحدث رسمي باسم ليفينج رينت، وهي نقابة تدافع عن حقوق المستأجرين، يعتقد أنه محظوظ لأنه وجد مكانا في شمال المدينة بسعر مناسب نسبيا. يدفع هو وزميله في السكن مقابل شقتهم في منطقة ليث معا مبلغا متواضعا نسبيا قدره 950 جنيها استرلينيا شهريا.
لكن مع أن إيجارهما لم يرتفع منذ انتقاله إلى الشقة العام الماضي، إلا أنه وزميله في السكن قلقان جدا من الزيادات لدرجة أنهما اختارا ألا يبلغا المالك بعدة "أعطال تحتاج إلى إصلاح".
يقول، "من المنطقي أن نطلب استبدال كل هذه الأشياء، لكن الوضع يقول، لا تعض اليد التي تطعمك"، مضيفا أنه إذا اضطرا إلى الانتقال لأي سبب من الأسباب، فسيقابلان، "بهذه الزيادات الكبيرة في الإيجارات".
يشعر مستأجرون مثل ساندرسون بالقلق بشأن ما سيحدث عندما ينتهي سريان الضوابط. يقول، "التفكير في كم من الوقت ستبقى الحماية شاملة جميع الأخطار مثير للقلق". يضيف، "نحن بحاجة إلى حلول طويلة الأجل"، مثل اتخاذ إجراءات صارمة ضد الإيجارات قصيرة الأجل ومنازل العطلات.
في حين يختلف النشطاء والشركات حول اللوائح التنظيمية، إلا أنهم متحدون في الاعتقاد بأن السبب الجذري لأزمة الإيجار هو عدم بناء مساكن كافية - تفتقر الدولة إلى أكثر من 100 ألف عقار سكني، وفقا لشركة هومز فور سكوتلاند. من ناحية أخرى، أظهرت أحدث بيانات الحكومة الاسكتلندية أنها تخلفت عن هدفها المتمثل في توفير 110 آلاف منزل بأسعار معقولة بحلول 2032.
تقول أديتي جهانجير، أمينة نقابة ليفينج رينت، "حدث النقص في المنازل المتاحة للإيجار جراء دخول مزيد من الناس إلى قطاع لا يستطيع النمو بسرعة كافية لاستيعابهم. نريد أن تلتزم الحكومة الاسكتلندية هذه ببناء مساكن اجتماعية حتى يتمكن أناس أكثر من السكن في مساكن ميسورة التكلفة".
يقول كين جيب، الأستاذ في جامعة جلاسكو والمتخصص في الدراسات الحضرية، إن التأثير في المستأجرين كان معقدا. جعلت السوق الضيقة المستأجرين الحاليين "رابحين" وثنتهم عن الانتقال، ما يعني وجود عدد أقل من الشقق الشاغرة لمن يبحثون عنها.
يقول، "يجب أن تكون ضوابط الإيجارات جزءا من مجموعة سياسات تشمل توفير مزيد من الإسكان الاجتماعي بأسعار معقولة".