إلى المتقاعدين من القمة .. الدليل لتفادي الهاوية

إلى المتقاعدين من القمة .. الدليل لتفادي الهاوية

بعد 13 شهرا من تقاعده، يشعر مارك كوتيفاني بلياقة وراحة بال أكبر مما كان عليه منذ أعوام. يتمتع الرئيس التنفيذي السابق لشركة آنجلو أميريكان للتعدين أخيرا بفرصة رفع قدمه عن دواسة الوقود وأخذ الأمور بروية.
لا يعني ذلك أنه تراخى كثيرا. حين لا يقصد منزل عطلته في توسكانا أو حين لا يتابع نظام تمارينه اليومية، فإنه يقضي وقته في دعم مختلف الأعمال ذات العلاقة بالتحول إلى الطاقة منخفضة الكربون.
يستذكر رجل الـ65 عاما قائلا: "قال لي أحد أصدقائي المقربين: يجب أن تنمي هواية فأنت ما زلت تعمل. قلت: حسنا، أنا أستمتع بما أفعله، لذا هذه هي هوايتي".
كان كوتيفاني محظوظا. فعلى عكس عديد من الرؤساء التنفيذيين، ترك وظيفته بعلاقات طيبة وفي وقت اختاره بنفسه، والأهم من ذلك، مع تصور واضح بما يريد فعله بعدها. قال: "كنت أخطط للعمل في المشاريع التي أؤمن بها، مع أشخاص أحبهم (...) من أجل تقديم مساهمة اجتماعية أكبر".
في أحيان كثيرة، القصة مختلفة. بعدما كانوا معتادين على أن يكونوا في قلب الحدث - في معارك مجالس الإدارة والمقابلات التلفزيونية ودعوات كبار الشخصيات إلى دافوس - يمكن أن يترك التقاعد الرؤساء التنفيذيين في ضياع "بلا دفة"، وفقا لبيل جورج، مدرب تنفيذي ورئيس سابق لشركة ميدترونيك، وهي شركة تكنولوجية عالمية للرعاية الصحية. في مقال نشرته مجلة هارفارد بيزنس ريفيو 2019، أقر جورج بأن ترك وظيفة تستهلك كل طاقتك وتشغل بين 70 إلى 80 ساعة من أسبوعك يمكن أن يجعلك تشعر "وكأنك تهوي من جرف".
لكنه يصر على أن الأمر لا يجب أن يسير على هذا النحو. قال جورج متأملا: "لا بد من وجود ما هو أكثر من مجرد لعب الغولف في الحياة بعد تقاعدك. إذا لم يكن هناك شيء آخر، فهي مأساة لأن هناك أشخاصا يتمتعون بمواهب فذة".
يتفق ريتشارد فيتزجيرالد مع ما قاله. استقال من كان ذات مرة الرئيس التنفيذي لنادي أستون فيلا لكرة القدم من أعلى منصب في شركة ريسكورس ميديا جروب لإدارة حقوق البث التلفزيوني في المملكة المتحدة في 2020.
لقد سار الأمر على نحو جيد له، فهو يلعب الآن قليلا من الغولف، ويقضي أشهر الشتاء في صقل مهاراته في جنوب إفريقيا، لكنه أصبح أيضا مستثمرا متحمسا في الشركات الناشئة المرتبطة في الرياضة.
مع ذلك، يعترف بأن المسألة الوحيدة الواضحة لديه فعلا فيما يتعلق بمغادرته مجلس الإدارة هي الأمور التي لا يريد فعلها، لا مزيد من الإجهاد، ولا مزيد من اليوميات المثقلة بالأعباء، ولا مزيد من العمل ساعات طويلة. "شعرت أني نلت كفايتي وأن الوقت قد حان (...) للتراجع عموما، مع أني لا أظن أن أيا أحد منا يعرف حقا ما يعنيه التراجع على نحو صحيح".
مساعدة على التأقلم
هناك شبكة صغيرة لكن متنامية من مدربين تنفيذيين متخصصين في مساعدة الرؤساء التنفيذيين في معرفة ما يجب فعله بعد استهلال تقاعدهم.
في كثير من الأحيان، كان هؤلاء المدربون يعملون سابقا مع قائد أعمال معين. لكن وبازدياد، أصبح عرض التدريب الشخصي يأتي ضمن جزء، وإن كان جزءا ثانويا، من عملية الخلافة الرسمية للشركة.
بصفته رئيسا لشركة كيرني للاستشارات العالمية، كان بول لاوديسينا في رئاسة مدتها ستة أعوام كحد أقصى. قبل عام من مغادرته الإلزامية للشركة، عينت شركة التوظيف، كورن فيري الأمريكية، لمساعدته وفريقه الرئيس على التحضير لهذا التحول.
تضمنت العملية اجتماعات مع مدرب خاص، طلب من لاوديسينا خلالها إعداد "بيان مقاصده" الشخصية. وكانت النتيجة عبارة عن مبدأ استشاري للغاية: "أنا إلى السلطة الثالثة" - وهي طريقة محكمة للقول إنه يريد مساعدة الرؤساء التنفيذيين الآخرين على إحداث تأثير أكبر.
ذو الـ73 عاما، الذي انتقل من واشنطن العاصمة إلى سانتافي في نيو مكسيكو عندما تقاعد في 2012، عمل على تأليف عدد من الكتب عن الإدارة وأطلق برنامجا صوتيا ناجحا. وهو عضو في مجلس الصادرات التابع للرئيس الأمريكي جو بايدن.
وكما يلاحظ: "يبدو ترك منصب الرئيس التنفيذي كما لو أنه سيكون سهلا، فأنت فقط تخرج وتغلق الباب وتذهب (...) لكن ما لم تكن قاصدا وهادفا إلى ما ستفعل بعد ذلك، فقد يكون الأمر صعبا جدا".
فقط قل لا
جانيت فيلدمان، مدربة لاوديسينا السابقة من شركة كورن فيري، تهدف إلى مساعدة العملاء في العثور على تحديهم التالي وذلك بطرح أسئلة مفتوحة مثل: ما الذي يمنحك الشعور بالإنجاز؟ كيف تتصور إرثك؟ ما العلاقات التي تقدرها أكثر؟
وكما تشير، فإن إحدى أكثر الفوائد المباشرة لهذا التمرين هي معرفة متى تقول "لا". ما لم يغادر رئيس تنفيذي في ظل ظروف مشؤومة، فإن معظمهم يقابلون بفيض من العروض بمجرد انتشار أخبار مغادرتهم. تعد الدعوات للعمل أعضاء غير تنفيذيين في مجالس الإدارة أو إلقاء محاضرة في كلية إدارة الأعمال أو تقديم المشورة الاستشارية أمرا معهودا.
تضيف فيلدمان أن المغريات لانتهاز كل ما يعرض عليهم قد تكون قوية.
يعود جزء من ذلك إلى رغبة في الاستمرار نشيطين ومشاركين - متوسط عمر الرؤساء التنفيذيين المغادرين في الشركات المدرجة في مؤشر ستاندرد آند بورز500 كان 62،2 عاما في 2022، لذا يوجد متسع من الوقت للاضطلاع بدور جديد. لكنها تحذر من أن قبول مناصب رفيعة المستوى يمكن أن يمثل أيضا محاولة لاستعادة المكانة الشخصية.
"جوانب كثيرة من هويتهم مرتبطة بمناصبهم، لذا فإن التقاعد يمثل تحولا كبيرا. عندما يسألك الناس: ماذا تفعل؟، هل تستمر في القول: أنا رئيس تنفيذي سابق لشركة كذا أو كذا؟".
لاحظ المدرب التنفيذي الأمريكي، مارك تومسون، اتجاها مشابها بين قادة الأعمال المتقاعدين. وكما يقول، فإن الإجابة بـ"نعم" في أحيان كثيرة لن تؤدي إلى تجزئة أعمالهم اليومية فحسب، بل قد تحول دون إفساح المجال لقبول فرصة أفضل.
"المسألة ليست محاولة العثور على شيء هادف لفعله. بل المسألة هي العثور على أكثر شيء هادف"، كما يقول.
تنصح جانيت هارفي، وهي مدربة تنفيذية أمريكية أخرى، الرؤساء التنفيذيين الذي تركوا مناصبهم بتخصيص ستة إلى 12 شهرا "لتخفيف الضغط"، مضيفة أن معظمهم مجهدين أكثر مما يدركون. وتنصح بالتواصل مع العائلة والأصدقاء، وتخصيص وقت للسفر، واستكشاف هوايات جديدة، واجتناب تحمل أي التزامات على المدى الطويل.
"لقد فكر معظمهم في حل المشكلات، لكنهم نادرا ما أمضوا وقتا في طرح أسئلة وجودية أكثر مثل: كيف حصلت على الامتياز لفعل ما أفنيت فيه 25 أو 35 أو 40 عاما؟، من أنا إن لم ترتبط هويتي بهذا المنصب؟".
الروابط العائلية
بصفته رئيس تحالف الرؤساء التنفيذيين، وهي شبكة من قادة الشركات المدعوين فقط، ينظم تومسون جلسات مناقشة خاصة لمجموعات صغيرة من كبار الرؤساء التنفيذيين ويقول إنها سرعان ما تأخذ منعطفا شخصيا.
"في بعض الأحيان ينتهي بنا الأمر إلى الدخول في محادثات عن التعقيد الأكبر للحياة، مثل: ماذا سأفعل مع شريك حياتي؟ كيف أتفهم زوجتي؟ ما الذي يحدث مع أبنائنا؟!".
يضغط معظم المدربين على الرؤساء التنفيذيين لإشراك شركاء حياتهم معهم عند التحدث عن القادم. البرنامج الذي تقدمه "كورن فيري"، مثلا، يتضمن إقامة مكثفة لثلاثة أيام يدعى فيها كل من الرؤساء التنفيذيين وشركائهم.
لبعض الأزواج، قد يكون احتمال قضاء شريكهم وقتا أقل في المكتب مصدر قلق كبير، كما تشير فيلدمان. ضربت مثالا ساخرا: "لقد تزوجته / تزوجتها ليكون شريكا في السراء والضراء، لكن ليس لتناول طعام الغداء معه".
أما لآخرين، ربما يمثل التقاعد فرصة ثمينة لقضاء وقت أطول سويا أو لتمكين الشريك من متابعة مسار حياته المهنية أو شغفه الخاص الذي ترك معلقا فترة طويلة.
"نحن نجمع كلا الطرفين معا للحديث عن العلاقات البناءة والوقت الذي يريد كلاهما قضاءه في أشياء مثل السفر ولقاء أبنائهما".
في حالة كوتيفاني، لم يكن بحاجة إلى مدرب ليخبره بأن زوجته كانت "مستقلة جدا" وأن فكرة قضائه طوال اليوم في المنزل "تروعها". فلحسن الحظ، أتاحت لهم عمليات الإغلاق أثناء الجائحة فرصة التدرب على ما هو قادم. إضافة إلى ذلك، هي مولعة في الرياضة والصحة، كما يقول: "لذا، فقد جعلتني أبذل قصارى جهدي".

الأكثر قراءة