"كوتس".. بنك الأسرة المالكة وسط عاصفة حرية التعبير

"كوتس".. بنك الأسرة المالكة وسط عاصفة حرية التعبير

لأكثر من ثلاثة قرون، تعامل بنك كوتس بتكتم مع الشؤون المالية لأثرياء المملكة المتحدة، من الأسر المالكة إلى مغني الراب.
مع ذلك، تجد الذراع المصرفية الخاصة لجهة الإقراض المدعومة من الحكومة نات ويست نفسها الآن في موضع اهتمام بشكل غير مريح بعد أن قررت قطع العلاقات مع أحد أكثر الشخصيات إثارة للانقسام والعراك في البلد، نايجل فاراج، الزعيم السابق لحزب الاستقلال البريطاني وحزب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وفقا لمذكرة داخلية من بنك كوتس حصل عليها ونشرها هذا الأسبوع، كان هذا القرار جزئيا بسبب آراء فاراج السياسية التي "تتعارض مع مركزنا كمؤسسة شاملة".
بالنسبة إلى مدير ثروة يعد الكفاءة والسرية نقاط قوته الرئيسة التي يسوقها لفاحشي الثراء، فإن الأسابيع من التغطية الإعلامية العدائية والغضب من السياسيين لا يمكن أن تكون أسوأ تأثيرا في سمعته.
شمل رد الفعل العنيف رئيس الوزراء ريشي سوناك، الذي انتقد البنك على منصة تويتر لتقويضه حرية التعبير، وحصل على رد "اتفق معه" من إيلون ماسك مالك المنصة التحرري.
اجتاحت الضجة قيادة بنك نات ويست من رئيس بنك كوتس، من بيتر فلافيل، إلى السيدة أليسون روز الرئيسة التنفيذية لبنك نات ويست، وهوارد ديفيز الرئيس التنفيذي، الذين يواجهون مطالبات من أعضاء البرلمان للمثول في تحقيق برلماني.
أجبرت روز على إصدار اعتذار لفاراج ووعدت بمراجعة كاملة للقرار.
كما أثارت حملة فاراج نقاشا أوسع حول الصلاحيات التي تملكها البنوك وشركات الدفع الصلاحية لعزل مئات الآلاف من الأشخاص سنويا عن النظام المالي السائد بالقليل من الشفافية أو انعدامها، خاصة الأشخاص المنكشفين سياسيا، مثل أعضاء البرلمان.
وكذلك أثارت تساؤلات حول حق الشركة في التخلي عن العملاء عندما تتعارض وجهات نظرهم الشخصية مع "غرض" الشركة، ولا سيما حول التنوع والشمول.
قال روبرت يونجر، مؤسس مركز جامعة أكسفورد لسمعة الشركات: "بالنسبة لي هذه حالة بسيطة جدا من تعدي الحدود وهي ضارة جدا بالنسبة لهم – حيث يحاولون اتخاذ قرار بشأن هذا النوع من الأجندة الاجتماعية الأوسع دون أي إخطار للعملاء. يمكنك تطبيق القيم والالتزامات بشكل معقول على الأشخاص الذين يعملون لديك – لكن من غير المناسب على الإطلاق تطبيقها على عملائك".
دفع هذا الموقف الحكومة بالفعل إلى المسارعة إلى إصدار متطلبات جديدة للبنوك، تجبرها على منح فترة إشعار أطول وشرح أسباب إغلاق الحساب. قد يواجه بنك نات ويست تدقيقا تنظيميا بشأن ما إذا كان قد انتهك قوانين مكافحة التمييز.
يشار إلى أن بنك كوتس جهة إقراض للنخبة يعود تاريخه إلى 1692 عندما أسسه الإسكتلندي جون كامبل كمصرف للصاغة في ستراند في لندن، وسرعان ما حظي برعاية ملكية من الملكة آن.
نما إلى جانب الإمبراطورية البريطانية وأصبح في النهاية جزءا من بنك نات ويست في 1969، الذي بدوره تم شراؤه من قبل رويال بنك أوف سكوتلاند في 2000، قبل إعادة تسميته إلى نات ويست بسبب الأثر السام لإنقاذ رويال بنك أوف سكوتلاند من أموال دافعي الضرائب في 2008. لا تزال الحكومة أكبر مساهم في المجموعة.
داخل مقره الرئيس، يتجول النادلون ذوو القفازات البيضاء حول غرف الطعام ذات الألواح الخشبية لتقديم عشاء رسمي وراق للأرستقراطيين، وأصحاب المليارات وعائلاتهم.
أصبح البنك مرادفا لتفرد الثقافة البريطانية. فهو يتطلب بشكل خاص أن يكون لدى العملاء المحتملين مدخرات لا تقل عن ثلاثة ملايين جنيه استرليني، أو مليون جنيه استرليني على شكل استثمارات أو قروض لدى البنك.
لكن بنك كوتس يشتهر بكونه بنك العائلة المالكة. وقد قال أحد مديري بنك نات ويست السابقين: إن الملكة الراحلة اليزابيث أصرت على أن تحتفظ عائلتها بحساباتهم حصريا في بنك كوتس، ما يمنحها مسؤولية كاملة عن الشؤون المالية لأسرة بيت وندسور.
لدى بنك كوتس تاريخ متقلب من العملاء المثيرين للجدل، إذ في 2005، وجدت لجنة فرعية تابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي أن ذراعها في الولايات المتحدة، التي بيعت منذ فترة طويلة، كانت من بين المقرضين الذين ساعدوا الديكتاتور التشيلي أوجستو بينوشيه وعائلته على إخفاء 15 مليون دولار.
وفي 2020، تم تغريم مصرفي يعمل في وحدته السويسرية لتجاهله إشارات التحذير والسماح للممول الماليزي جوهو لو بتحويل 700 مليون دولار إلى حساباته دون إخطار الجهات التنظيمية، حيث سحب لو ما يصل إلى 4.5 مليار دولار من صندوق الثروة السيادية الماليزي 1إم دي بي ولا يزال هاربا دوليا.
مع أنه تم بيع الشركة في 2016، لا يزال بنك كوتس يواجه دعاوى قضائية في ماليزيا بسبب فشله في إجراء العناية الواجبة المناسبة في وضع لو.
جلبت أحدث فضيحة له أكبر ضجة غير مرغوبة.
يكشف ملف أعدته لجنة مخاطر سمعة الثروة في بنك كوتس وحصل عليه فاراج عن انتقادات لاذعة لوجهة نظره تجاه العالم. وجاء في إحدى المذكرات أن "الاستمرار في التعامل المصرفي مع (نايجل فاراج) لم يكن متوافقا مع بنك كوتس نظرا لوجهات نظره المعلنة التي تتعارض مع وضعنا كمؤسسة شاملة".
نصت مذكرة أخرى على أنه نظرا لأن فاراج يستخدم عن عمد "لغة متطرفة، وبغيضة وانفعالية (...) ففي أحسن الأحوال، ينظر إليه على أنه كاره للأجانب ومؤيد للعنصرية".
أكد بنك كوتس علنا أنه لن يزيل أي عملاء بسبب آرائهم السياسية وأن "قرارات إغلاق أي حساب لا تؤخذ باستخفاف وتتضمن عددا من العوامل بما في ذلك الجدوى التجارية، واعتبارات السمعة، والمتطلبات القانونية والتنظيمية".
أشخاص عدة من الذين تم إطلاعهم على العملية أخبروا "فاينانشيال تايمز" أن الدافع وراء مناقشة ما إذا كان ينبغي الاستمرار في بقاء فاراج كعميل هو سداد رهن عقاري مبكر تسبب في انخفاض رصيده إلى ما دون عتبة الاقتراض البالغة مليون جنيه إسترليني، وهي نقطة مذكورة أيضا في الملف.
لكن أحد الأشخاص أقر بأنه لو كان فاراج مليارديرا، فمن غير المرجح أن تكون آراؤه كافية لإبعاده.
كجزء من محاولاته للوصول إلى الحداثة تحت قيادة روز، اتجه بنك كوتس وشركته الأم نات ويست بشدة نحو الاستدامة، والتنوع، والمساواة والشمول، وجعلها قيما أساسية للعمل.
في 2019، أصبح بنك كوتس حاصلا على "شهادة مؤسسة بي"، ملتزما بتعزيز الأهداف البيئية والاجتماعية والحوكمة.
وبينما يقر فاراج بأن حسابه كان أقل من متطلبات بنك كوتس، إلا أنه قال: إنه تعافى لاحقا، وبالتالي يزعم أن القرار كان سياسيا بحتا.
أخبر فاراج "فاينانشيال تايمز": "هذا الملف مليء بالمرارة والتحيز. هذه مشكلة ضخمة، إنها أكبر بكثير من سياسي واحد وبنك كوتس. إذا أجريت استبيانا يشمل الـ19 مليون عميل لدى بنك نات ويست، فستجد اختلافا واسعا في وجهات النظر. هل تقول إن كل مؤيد للخروج من الاتحاد الأوروبي، وكل محافظ لا يتفق مع سياسة البنك بشأن التنوع والشمول لا ينبغي أن يكون قادرا على التعامل معهم؟"
بمجرد أن وافق بنك كوتس على "استبعاد نايجل فاراج" في أواخر 2022، حرص على إبلاغ لجنة مخاطر السمعة التابعة للشركة الأم نات ويست "لضمان عدم وجود أي مخاوف لديهم بشأن هذا الأمر".
أشار التقرير إلى أن "قرار الخروج قد يؤدي إلى استخدام فاراج منصته على محطة جي بي نيوز ووسائل التواصل الاجتماعي الخاصة به للتعبير عن المظالم الواقعة عليه (ما لم يكن فخورا جدا أو محرجا من نشرها)". ومع ذلك، خلص التقرير إلى أن "خطر الدعاية السلبية في حالة الخروج (...) كانت مقبولة".
تهدد الفضيحة الآن منصب الرئيسة التنفيذية روز وتأتي في وقت حرج لإحدى المديرات التنفيذيات البارزات في البلد.
قبل أيام فقط من إصدار فاراج لملفه، تم الإعلان عن أنها كانت واحدة من اثنين من المصرفيين الذين تم اختيارهم ليكونوا في مجلس الأعمال المكون من 14 شخصا قويا بالنسبة إلى سوناك. كما تم منحها لقب سيدة في قائمة الشرف للعام الجديد لخدمات التمويل.
قال صامويل جوهر، رئيس مجلس إدارة المجموعة الاستشارية بوكانان هارفي: "من الواضح أن هذا يضعف مصداقيتها. بمجرد أن أصبح الوضع مع فاراج علنيا، كان على البنك أن يصلح المشكلة بدلا من أن يكون مخادعا حيالها".
يشير المنافسون أيضا إلى الهدف العكسي الذي كانت عليه العلاقة. وفي حين أن كثيرا من عملاء بنك كوتس من المشاهير – من الملك تشارلز إلى مغني الراب ستورمزي – نادرا ما تم ذكر زعيم حزب الاستقلال البريطاني السابق بين عملائه.

الأكثر قراءة