البطاقات الغذائية .. صوت الضمير للمستهلك والتاجر
الغذاء غير الصحي أكثر فتكا من التبغ. كان هذا هو الاستنتاج الصارخ لدراسة أجريت في 2019 في مجلة ذا لانست الطبية، التي وجدت أن الأنظمة الغذائية التي تحتوي على كمية كبيرة من الصوديوم وكميات قليلة من الحبوب الكاملة والفواكه كانت مسؤولة عن واحدة من كل خمس وفيات في 2017. كان الرقم المتعلق بالوفيات الناجمة عن التدخين في ذلك العام نحو واحدة من كل ثماني وفيات.
تسببت النظم الغذائية السيئة أيضا في زيادة معدلات السمنة بمقدار ثلاثة أضعاف – التي ترتبط بالسكتات الدماغية، وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب – منذ 1975. ويقدر تقرير صادر عن المنظمة العالمية للسمنة أنه، بحلول 2035، سيكون أكثر من نصف سكان العالم يعانون السمنة.
كما تشير هذه الإحصائيات، لا توجد حلول سهلة للأزمة الصحية، التي تنبع، على الأقل جزئيا، من خيارات الناس حول ما يجب أكله. لكن أحد الأساليب التي جربتها عدة سلطات صحية هو اعتماد البطاقات الغذائية على الوجه الأمامي للعبوة. لا تقتصر الفكرة على تنبيه المستهلكين إلى مخاطر الأطعمة المختلفة فحسب، بل أيضا لتحفيز الشركات على إعادة صياغة المنتجات.
أحد البلدان الذي تتخذ خطا متشددا – وخضع لدراسات مكثفة من قبل صانعي السياسة – هي تشيلي، التي نشرت خطة جديدة للبطاقات على واجهة العبوة الأمامية في 2016. وهي تتخذ نهجا ثلاثي الأبعاد: تقييد التسويق، حظر بيع الأطعمة غير الصحية في المدارس، والأكثر وضوحا، فرض وضع بطاقات تحذيرية كبيرة وسوداء اللون على أي منتجات تعد عالية السعرات الحرارية، أو عالية الدهون المشبعة أو عالية السكر.
تقول جابرييلا فريتس، الزميلة البحثية المشاركة في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية: "لقد استغرق الأمر عشرة أعوام للحصول على هذه البطاقات في السوق". ثم، من 2016 إلى 2019، قيمت فريتس التغييرات التي طرأت على النظم الغذائية للأطفال بعد تطبيق القانون. تقول: "يبدو أنه ناجح، ولا توجد آثار جانبية على الشركات".
وجدت دراسة فريتس، التي شملت 349 طفلا أنه، مقارنة بمستويات ما قبل هذه السياسة، انخفض إجمالي كمية السكر التي يستهلكها الأطفال في المدرسة 4.5 في المائة في 2018 ونحو 12 في المائة في 2019. كما وجد بحثها انخفاضا في تناول الدهون المشبعة والصوديوم في المدارس خلال الفترة نفسها.
بالإضافة إلى ذلك، دفع قانون بطاقات الأغذية في تشيلي الشركات إلى إعادة صياغة منتجاتها. فقد وجدت إحدى الدراسات، التي نشرت في مجلة بلوس مدسين في 2020، أنه كان هناك "انخفاض كبير في كمية السكريات والصوديوم في عدة مجموعات من الأطعمة والمشروبات المعبأة" بعد إقرار القانون.
وقد لوحظت آثار مشابهة في أماكن أخرى، إذ في المملكة المتحدة، اختارت المتاجر الكبرى والشركات المصنعة – رغم عدم إلزامها بذلك بموجب القانون، كما هي الحال في تشيلي – استخدام نظام "إشارة المرور" الحدسي لوضع بطاقات الحقائق الغذائية على مقدمة العبوة. جاءت هذه الخطوة في أعقاب التوجيه الطوعي الذي أصدرته الحكومة البريطانية في 2013. وبعد فترة وجيزة، في 2015، التزمت سلسلة متاجر السوبر ماركت سينسبري بخفض عدد "الأضواء الحمراء" على المنتجات التي تحمل علامتها التجارية الخاصة.
بشكل مشابه، في الولايات المتحدة، أدت لائحة تنظيمية في 2006 تطلب من الشركات المصنعة تصنيف الأطعمة التي تحتوي على دهون متحولة – وهي نوع غير صحي من الدهون الموجودة بمستويات عالية في بعض الأطعمة المعالجة – إلى موجة من إعادة الصياغة لإزالتها.
طريقة أخرى شائعة لوضع البطاقات هي نوتري-سكور – وهو نظام طوره باحثون فرنسيون (استنادا إلى طريقة تصنيف المغذيات في المملكة المتحدة) واعتمدته الحكومة الفرنسية في 2017. وهذا يصنف الأطعمة من A إلى E وفقا لقيمتها الغذائية، وتمت التوصية به من قبل المفوضية الأوروبية ومنظمة الصحة العالمية. تمت الموافقة على استخدامه أيضا في بلجيكا، وإسبانيا، والبرتغال.
لكن في الولايات المتحدة، فإن مبادرات احتمال وضع الملصقات على مقدمة العبوة معقدة بسبب التعديل الأول، الذي يحمي حرية التعبير ويمنع الحكومة من إجبار الناس، وإلى حد ما، الشركات من قول أشياء لا يريدون قولها. وبالتالي، قد تكون الجهود الداعية إلى وضع بطاقات التحذير الإلزامية مفتوحة للطعن القانوني، وبالتالي، فإن البطاقات الغذائية التي تفرضها إدارة الغذاء والدواء ضئيلة – تقتصر على حجم الحصة، والحصص لكل عبوة، وكميات المغذيات.
مع ذلك، فإن إطلاق استراتيجية البيت الأبيض الوطنية بشأن المجاعة والتغذية والصحة في العام الماضي قد يعني أن التغيير يجري على قدم وساق. تقول كريستينا روبرتو، أستاذة مشاركة في السياسة الصحية في جامعة بنسلفانيا: "كان وضع البطاقات الغذائية على العبوة أمرا بارزا جدا في هذه الاستراتيجية، وهو أمر مهم حقا لأنها المرة الأولى التي يصبح فيها هذا الأمر أولوية رئيسة". وتضيف أن إدارة الغذاء والدواء تجري حاليا أبحاثا حول وضع الملصقات على واجهة العبوة الأمامية واقتراح المخططات المحتملة.
مع ذلك، تعترف روبرتو بأن أي نظام فعال حقا من شأنه أن ينطوي على خطر تحديات قانونية. وتقول: "نعرف أنظمة تفسيرية حدسية جدا، وسيفهمها الناس. لكن الباحثين القانونيين والدعاة يحاولون معرفة الحد. ما مدى جودة النظام الذي يمكننا الحصول وإيصاله بشكل جيد حقا إلى المستهلكين دون خطر رفع دعوى قضائية من الصناعة؟".
ربما كان أكبر عائق أمام وضع بطاقات على الأغذية هو الضغط من جانب الشركات المصنعة للأغذية متعددة الجنسيات. يقول جراهام ماكجريجور، أستاذ طب القلب والأوعية الدموية في معهد ولفسون، جامعة كوين ماري في لندن: "إنه مثل التبغ. إننا في مواجهة أكبر وأقوى صناعة في العالم (...) وسيبذلون قصارى جهدهم لمواصلة بيع هذه الأطعمة الرخيصة والمربحة للغاية".
في 2010، أجرى البرلمان الأوروبي تصويتا على ما إذا كان ينبغي على الاتحاد الأوروبي تبني نظام إلزامي لوضع ملصقات بألوان إشارات المرور. تم رفض ذلك لمصلحة مخطط بديل يعرف باسم المبادئ التوجيهية للكميات اليومية، والذي يورد النسب المئوية للمخصصات اليومية الموصى بها في كل حصة.
اتهم نشطاء الشفافية وأعضاء البرلمان الأوروبي صناعة المواد الغذائية بحملة ضغط واسعة النطاق – بلغت تكلفتها مليار يورو – لدفع التصويت لمصلحتها. أشارت الهيئة التجارية لصناعة الأغذية الأوروبية (التي تسمى الآن فود درينك يوروب، إف دي إي)، إلى أن أعضاء البرلمان الأوروبي "المنتخبين ديمقراطيا" قد "رفضوا بوضوح" اقتراح الملصقات بألوان إشارة المرور، والذي قالوا إنه "فشل في مراعاة مكان المواد الغذائية في سياق نظام غذائي متوازن ونمط حياة صحي".
ومنذ ذلك الحين، باءت الجهود المبذولة لتشريع وضع البطاقات الإلزامية على مستوى الاتحاد الأوروبي بالفشل. ومع ذلك، في 2020، نشرت المفوضية الأوروبية استراتيجيتها "من المزرعة إلى الشوكة"، التي التزمت "باقتراح وضع البطاقات الغذائية الإلزامية المنسقة على مقدمة العبوة بحلول 2022، على الرغم من تأجيل هذا الموعد النهائي لاحقا.
لا يزال لدى الشركات المصنعة تحفظات. ففي بيان مكتوب، أخبرت هيئة فود درينك يوروب "فاينانشيال تايمز" أنها لا تدعم البطاقات التحذيرية، وهي محايدة تجاه البطاقات بألوان إشارات المرور ونظام نوتري-سكورز، وأنه لا ينبغي استخدام نهج منسق لوضع العلامات "كأداة للتمييز ضد منتجات غذائية معينة، أو فئات الطعام، أو العناصر الغذائية، أو المكونات باعتبارها صحية أو غير صحية في حد ذاتها". إنها تفضل "نهجا أوسع يركز على (...) تحسين تثقيف المستهلك وتشجيع النظم الغذائية المتوازنة وأنماط الحياة الصحية".
تقر روبرتو بأنه لا توجد سياسة مثالية، لكنها تعتقد أن إلحاح الموقف يستدعي مخططات مثل تلك الموجودة في شيلي وفرنسا. وتقول: "لدينا أزمة صحية عامة هائلة حقا، حيث تتحكم الصناعة بشكل أساسي في إمداداتنا الغذائية. لذا فإن فكرة إطلاع الجمهور على ما يوجد في طعامهم، أجد صعوبة كبيرة في المجادلة ضد ذلك".