النحل يعاند الجفاف لإنتاج العسل في العراق

النحل يعاند الجفاف لإنتاج العسل في العراق

عند أقدام أشجار النخيل الفارهة، يرفع محمد العلياوي الغطاء عن إحدى خلايا النحل المزدحمة التي يهتم بها في منطقة ريفية في وسط العراق، حيث أثر الجفاف وارتفاع درجات الحرارة في إنتاج العسل.
وزعت الشركة التي يعمل بها العلياوي في محافظة بابل العشرات من خلايا النحل على موقعين. وسط البساتين العطشى في قرية الرغيلة، صف نحو 40 صندوقا خشبيا قرب حقول الشمام والبطيخ التي تنازع تحت شمس حارقة وفي أرض متشققة.
وللإفلات من درجات الحرارة الصيفية التي تناهز الـ50 مئوية، غير العلياوي موقع جل خلاياه لإنتاج العسل خلال الصيف. فقد نقلت سبعة مواقع إلى جبال كردستان العراق في الشمال، حيث تنعم النحلات بطقس لطيف وخضرة وفيرة، تعد مصدرا هاما للرحيق وحبوب اللقاح.
يشرح العلياوي، وهو نائب رئيس جمعية نحالي النجف، أنه "ما لم ننقل النحل فسينهك"، مشيرا إلى أن الحرارة المثالية للنحلة تراوح بين 30 إلى 35 درجة مئوية.
ويضيف مربي النحل البالغ 43 عاما الذي يعمل في هذا القطاع منذ 1995، أن "الجفاف" كان له وقع مباشر على النحل الذي يتأثر بالغطاء النباتي، "فإذا توفرت المياه سيكون هناك زراعة وغطاء نباتي".
وليجد النحل حاليا النبات للتلقيح، عليه قطع مسافات أطول من المعتاد، "أربعة أو خمسة كيلومترات"، وفق العلياوي، فيما كان عليه في السابق اجتياز مئات الأمتار فقط.
ويضيف العلياوي، وهو مدير مناحل لدى شركة خاصة، بأن ذلك يؤثر في متوقع عمر النحلة، فـ"النحلة الشغالة بالظروف الجيدة تعيش 60 يوما، لكن بهذه الظروف تعيش 20 يوما".
نتيجة لذلك، وفي حين كانت خلية النحل الواحدة تنتج قبل أكثر من 20 عاما بين 20 إلى 25 كيلوغراما من العسل، لا يتخطى إنتاجها اليوم الخمسة كيلوجرامات، وفق العلياوي.
في صبيحة أحد أيام يوليو، يتفقد العلياوي مع أعضاء من فريقه، مرتدين عدة للحماية ومغطين وجوههم، خلايا النحل في الرغيلة. يستخدم النحالون مدخنة لتهدئة النحل، ثم يرفعون الأغطية ويخرجون إطارات. على الخلايا الشمعية، تجمعت النحلات العاملة حول الملكة، الأكبر حجما بشكل ملحوظ.
 يعد العراق من بين الدول الخمس الأكثر تأثرا ببعض آثار التغير المناخي وفق الأمم المتحدة، وهو يشهد للعام الرابع على التوالي موجة جفاف وفق السلطات.
ويعود ذلك إلى تراجع الأمطار وارتفاع درجات الحرارة والتصحر، لكن السلطات تعزو الوضع خصوصا إلى بناء تركيا وإيران المجاورتين سدودا على نهري دجلة والفرات، ما أدى إلى تراجع حاد بمنسوب المياه في الأنهار على الأراضي العراقية.
وعلى الرغم من ذلك، يبدي هاشم الزهيري، مدير قسم النحل في وزارة الزراعة، تفاؤلا بوضع إنتاج النحل في البلاد. ويقول إنه في 2022، بلغت كمية إنتاج النحل في العراق، باستثناء إقليم كردستان، 870 طنا، مقابل 700 طن في 2021.
ويقول "عام بعد عام نشهد فرقا نحو الأفضل، والعمل مستمر".
في العام نفسه في إقليم كردستان، بلغ إنتاج العسل 850 طنا. وأعد الزهيري دراسة بشأن إيجابيات نقل بعض الخلايا من وسط العراق وجنوبه نحو كردستان، وكذلك نقل خلايا من الشمال إلى الوسط والجنوب، "بحسب الحاجة".
ويدعو الزهيري كذلك مربي النحل إلى اتخاذ التدابير الوقائية الضرورية مثل وضع "غطاء من قصب" على خلايا النحل، ووضعها في ظل الأشجار وقرب مصدر للمياه.
بدأت زينب المعموري بتربية النحل قبل 30 عاما، حين كان زوجها يمارس ذلك كهواية. لكنها باتت اليوم تملك 250 خلية.
وتشرح المرأة الخمسينية أن "النحل يتأثر بارتفاع درجات الحرارة، إذ تتوقف الملكة عن وضع البيض".
وفي بلد يشهد عواصف ترابية باستمرار، حين "تأتي عاصفة ترابية، ويكون النحل خارجا، نصف النحلات لا تعود"، وفق المعموري.
وعلى الرغم من أن المعموري تمارس مهنة لا يزال يهيمن عليها الرجال، لكنها تبقي شعفها حيا. وقد أدارت سابقا لجنة المرأة في اتحاد النحالين العرب.
تحت مظلة في فناء منزلها في بابل، تحتفظ المعموري بنحو أربعين خلية نحل. وفيما حمت نفسها من النحل الذي يحوم حولها، وبواسطة سكين المطبخ، تقطع قطعة كبيرة من الشمع المشبع بالعسل الحلو، لتتذوق طعمه اللذيذ.

الأكثر قراءة