فشل سوق الانبعاثات يهدد الكوكب
منذ 20 عاما تقريبا، وصف الخبير الاقتصادي نيكولاس ستيرن، في تقرير غير مسبوق لحكومة المملكة المتحدة، تغير المناخ بشكل لا ينسى بأنه "أكبر فشل للسوق في التاريخ". ما زال هذا مع الأسف صحيحا إلى حد كبير. لا يزال الكوكب يحمل تكاليف الانبعاثات في الغالب بدلا من أن يتحملها الملوثون. تقول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إن 60 في المائة من انبعاثات الكربون من الاقتصادات الرائدة في العالم غير مسعرة تماما، و10 في المائة فقط تخضع للضريبة إلى مستوى قد يعكس التكلفة الحقيقية للكربون.
يعد هذا إدانة للحكومات ومؤسساتها العالمية لأنه بعد كل هذا الوقت لم تنتج أي إجراءات منسقة. أدت الانقسامات بين الدول الغنية والفقيرة وداخلها، والغيرة المؤسسية، والنفور في أوساط بعض القوى الكبرى "خاصة الولايات المتحدة" من التعددية إلى منع التقدم. من الغريب أن إحدى الطرق الأكثر احتمالية لإنشاء نظام عالمي لتسعير الكربون هي حملة من الحكومات التي تقاضي بعضها بعضا في منظمة التجارة العالمية، وهي مؤسسة تتراجع مصداقيتها منذ عقود.
إن استجابة العالم لتغير المناخ وانبعاثات الكربون مرتبطة حتما بالتجارة. دون توافق في مخططات تسعير الكربون، أو التدابير الحدودية لفرض رسوم على الواردات مقابل الانبعاثات غير الخاضعة للضريبة التي تنشأ أثناء تصنيعها، هناك خطر كبير من تسرب الكربون مع تحول الإنتاج إلى اقتصادات أكثر قذارة.
واحدة من أكبر قواعد البيانات المعرفية الأساسية في مجال تغير المناخ والتجارة هي منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في باريس، التي تجري الأبحاث وتستضيف المناقشات الفنية بين الحكومات الأعضاء. لكن وظيفة صنع السياسة الفعلية للمنظمة هي في الأساس منبر للمفاوضات المخصصة بدلا من إطار قانوني دائم وملزم، وتاريخها كمجتمع للدول الغنية يضعف شرعيتها.
حققت المنظمة تقدما واعدا في 2021، مثلا، عندما توصلت الحكومات لمسودة اتفاقية عالمية للحد من التهرب الضريبي من الشركات متعددة الجنسيات. لكن الاتفاقية تواجه معارضة قوية في مجلس الشيوخ الأمريكي وفي أوساط الدول النامية "بقيادة الهند، التي في الأغلب ما تكون الساخط الرئيس في قضايا الحوكمة الاقتصادية العالمية"، والتي تشكو من أنها ستقلل من إيراداتها.
سيكون المكان المنطقي لتسوية ملزمة بشأن الكربون والتجارة على بعد ما يزيد قليلا على ثلاث ساعات بالقطار في جنيف في منظمة التجارة العالمية. لكن عملية التفاوض في منظمة التجارة العالمية، المرهقة والمنقسمة سياسيا، بالكاد حققت أي نجاحات كبيرة منذ إنشائها في 1995. وتعقد الحكومات الأعضاء فيها الآن "مناقشات منظمة" غير ملزمة بشأن المناخ والتجارة.
حيثما تفشل المفاوضات، يأتي النزاع القضائي ليملأ الفراغ. ربما تأتي المحادثات الأكثر جوهرية وفورية من الحكومات "الهند خاصة، مرة أخرى" التي تهدد برفع دعاوى ضد إجراء الاتحاد الأوروبي لتعديل الحدود الكربونية في عملية تسوية المنازعات لمنظمة التجارة العالمية بسبب التمييز ضد مصدريها.
يتم تنفيذ آلية تعديل حدود الكربون هذا العام وستبدأ فرض الضرائب بدءا من 2026. كما توفر حوافز للدول لتشديد أنظمة الكربون الخاصة بها من خلال فرضها على الواردات الفرق بين أسعار انبعاثاتها وأسعار الانبعاثات في أوروبا، وصولا إلى مستوى المنتجين الفرديين.
تصر بروكسل على أنها ستسعى جاهدة لجعل آلية تعديل حدود الكربون متوافقة مع منظمة التجارة العالمية. في قراءة متفائلة، قد يعني هذا أن الاتحاد الأوروبي سيعدل الإجراءات الحدودية لتبقى قانونية إذا، وعندما، تبدأ الأحكام في التراجع، وفي النهاية يعمل على وضع نظام يحظى ببعض القبول ويشجع الاقتصادات الأخرى على تبني مخططات مشابهة. شجع المحبطون من الافتقار إلى تسعير للكربون على غرار الاتحاد الأوروبي في أماكن أخرى، مثل شيلدون وايتهاوس، عضو مجلس الشيوخ الأمريكي النشط عن ولاية رود آيلاند، بشكل فاعل إدخال آلية تعديل حدود الكربون.
إن التقاضي المستمر لدى منظمة التجارة العالمية كوسيلة للتوصل إلى إجماع ليس أمرا سخيفا كما يبدو. رغم أن حملة التقاضي التي استمرت 17 عاما تبدو هزلية، فإن المعركة القانونية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حول الإعانات المالية التي قدمت لشركتي بوينج وأيرباص بين 2004 و2021 قد قيدت إلى حد ما المساعدات المشوهة للتجارة، حيث بذل الجانبان بعض الجهود للامتثال للأحكام المتعاقبة ضدهما.
إن الفارق الهائل، بالطبع، هو أن الولايات المتحدة تنقلب بشكل متزايد ضد نظام تسوية المنازعات في منظمة التجارة العالمية. كما أبقت إدارة جو بايدن على قرار دونالد ترمب لـ 2019 بشل مرحلة الاستئناف في العملية، ما أجبر الاتحاد الأوروبي ودولا أخرى على بناء نظام حل بديل خاص بها.
إن نتيجة قضية منظمة التجارة العالمية ستكون غير مؤكدة إلى حد كبير. لا توجد سوابق مباشرة، وليس من المفترض على أي حال أن تكون السوابق ملزمة في النظام. إذا انتقلت آلية تعديل حدود الكربون إلى التقاضي في منظمة التجارة العالمية، فستكون هناك بعض الحجج الشرسة حول أخذ الاتحاد الأوروبي تكاليف امتثال الدول النامية وانبعاثاته التاريخية في الحسبان. يبدو أن التقارير الإعلامية في الهند تشير إلى أن حكومة ناريندرا مودي تخطط لنظام تسعير الكربون الذي يفرض بشكل أساسي على أوروبا تعويضات بسبب الثورة الصناعية.
لكن باستثناء التوافق الجماعي للأخلاقيات بين حكومات العالم أو الظهور المفاجئ لمفاوضات ملزمة، من الصعب رؤية الآليات الأخرى الموجودة لنشر استخدام ضوابط الانبعاثات.
إن بناء نظام تسعير عالمي للكربون عبر التقاضي البطيء والمتكرر في الجناح القضائي المثير للجدل سياسيا لمنظمة مضطربة متعددة الأطراف ليس بالضبط نوع الحوكمة العالمية الذي توصي به مراجع العلاقات الدولية.
لكن في الوقت الحالي، هذا كل ما لدينا. في الوقت نفسه، يستمر المناخ في التردي، ويستمر كوكب الأرض في التدهور، وتستمر السوق في الفشل.