تغيير أم تخريب الهيكل التنظيمي؟
ليس غريبا أن نجد كثيرا من التصورات السلبية التي ترافق التغييرات في هيكل المنشأة التنظيمي، ربما نسمع ما هو أشد من مجرد التصورات السلبية، إذ يشمل ذلك "التحلطم" والتعجب واليأس وإطلاق الأحكام شديدة اللهجة والقاسية على متخذي القرار. في الحقيقة، إساءة استخدام القرارات الخاصة بالهياكل التنظيمية ليست شيئا مستبعدا أو غريبا، فدراسة سابقة لماكينزي تقول إن الثلث فقط من التغييرات الهيكلية يسهم في التحسين الحقيقي للأداء، بينما تشير الأبحاث إلى أن ما يقارب 50 في المائة من الموظفين الذي يتعرضون لتغييرات هيكلية جذرية في أماكن عملهم يتأثرون سلبا ويفقدون رضاهم عما يقومون به.
يتأثر الموظف حسب طبيعة التغيير في الهيكل التنظيمي، ومدى تداخله مع التغيير كإجراء ودوره تجاهه، وثقافة المنشأة. ولكن هذا لا يعني أن ضبط هذه العوامل سيصنع موظفا سعيدا أو يجعلنا نرى تغييرا إيجابيا على الأداء. عدد لا يستهان به من هذه التغييرات يمثل مجرد حوادث فاشلة في تاريخ المنشأة، هي أقرب إلى وصمة العار التي تظل مؤثرة لفترات طويلة. وهنا تحديدا المشكلة في هذا النوع من القرارات، قد يعالج ـ أو يحاول معالجة ـ مشكلات آنية، ولكن محو أثره في حالة الخطأ يتطلب وقتا طويلا. لهذا كل من يسهم في صنع قرار سلبي يخص الهيكل التنظيمي، هو مسهم في وضع المنظمة في مأزق كبير يصعب الخروج منه.
من أكثر الأسباب التي يراها الموظفون ـ وهي موجودة بلا شك ـ لتغييرات الهياكل التنظيمية ما يعد من آثار الحرب على المناصب، أو صراع العروش كما يحلو للبعض تسميتها. قد يحدث هذا في بعض المنظمات المتفككة التي يتوزع فيها الفريق الإداري على جبهات واضحة ومعلنة، تمثل القرارات الناتجة هنا عملية سيطرة ونزاعات على السلطة. هذا بالطبع لا يجعل كل عملية تركيز للسلطة مجرد صراع على المناصب، في بعض الحالات المدروسة تقوم إدارة الشركة بتغيير الهيكل التنظيمي ليعكس مزيدا من المركزية لتسريع العمل أو السيطرة على القرار أو لأسباب منطقية أخرى.
أحد الأمثلة الجيدة لإساءة استخدام التغييرات بالهيكل التنظيمي ما يحدث حين ترى الإدارة بأنها مقبلة على عملية تقليص لعدد الموظفين، فتبدأ بالقيام بتغييرات هدفها الأساس عزل بعض الأفراد أو الفئات خارج منظومة العمل. المشكلة هنا أن الهدف مقبول كأمر طارئ أو اضطراري، ولكن الأسلوب خاطئ. الهيكل التنظيمي يجب أن يعكس النموذج التشغيلي المستهدف ولا يجب أن يستخدم كأداة للتخلص من الآخرين. مع الأسف تستخدم مثل هذه التصرفات لتطفيش الموظف أو تهيئته لظروف قانونية معينة تسهل فصله. هناك وسائل أخرى لتقليص أعداد الموظفين كفلها النظام ولا يخسر بموجبها الموظفون حقوقهم.
ولقد رأينا من يقوم باستخدام التغيير في الهيكل التنظيمي لتمويه سوء أداء المنظمة. يقوم مثل هذا بجعل الحدث الجوهري يشغل الآخرين، موظفين ومديرين، عن الأولويات ويصنع تحديات وجبهات كثيرة لتوجيه الجميع بعيدا عن نقطة ضعفه الأهم. على الجانب الآخر هناك من يقوم بذلك بحسن نية ـ مستهدفا تحسين الأداء أو حل مشكلة ظاهرة ـ ولكن دون فهم ودراسة كافية فيقع في المحظور ويرجع بمنظمته للخلف.
من القادة من يتعجل في اتخاذ هذه القرارات الكبرى فيدمر منحنى التعلم ويهدم كل ما بنته المنظمة وفرقها كل مرة، كل عام فكرة جديدة وإدارة جديدة وتعديل جوهري على نموذج التشغيل دون رؤية استراتيجية أو خطة تدرجية مدروسة. وعلى النقيض من ذلك هناك من يتأنى ويؤجل التغييرات الضرورية التي يستدعيها نموذج العمل ويفقد بذلك السيطرة على التغييرات التي تحدث من حوله.
التعامل مع تغيير الهياكل التنظيمية يتطلب دراسة وفهما جيدا لنموذج العمل والنموذج التشغيلي المستهدف، ويشمل اتخاذ القرار في توقيت جيد وبأسلوب سلس. نجاح التغيير قائم أولا على حسن التعامل مع القرار وجودة القرار، وثانيا على حسن التعامل مع الموظفين المتأثرين. آخر ما يطمح له القائد الجيد أن يصنع بالتغيير مزيدا من القلق أو الأجواء السلبية أو التشويش على مسيرة الأداء في المنظمة. مع الأسف هناك من يستغل هذه الأدوات التنظيمية لأجندته الخاصة وهناك من يخطئ في التعامل معها بحسن نية، كلاهما ينتهي إلى صنع مزيد من المشكلات وليس الحلول.